لكم نظامكم ولنا نظامنا... "طالبان" أعقد من جماعة مسلّحة

لكم نظامكم ولنا نظامنا... "طالبان" أعقد من جماعة مسلّحة

لكم نظامكم ولنا نظامنا... "طالبان" أعقد من جماعة مسلّحة


26/02/2024

يوسف بدر

بعدما استولت حركة "طالبان" على السلطة في كابول، عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بانتهاء عملية "حارس الحرية" في 31 آب (أغسطس) 2021، شرعت الحركة الدينية المسلحة في تحسين صورتها أمام العالم، وفي محاولة منها لتغيير صورة "رجال الكهوف" قامت بالترويج لسيارة رياضية صممها أحد منتسبيها، في إشارة إلى أن هدفها بات تنمية أفغانستان خلال المرحلة المقبلة، بينما الهدف في الحقيقة هو إحكام هيمنتها على السلطة السياسية.

لكن هذه الصورة لم تقنع العالمَ الذي لا يزال يطالبها بإجراء انتخابات تعددية، يضمن بها وصول حكومة شرعية في كابول، فإصرار "طالبان" على فرض قواعدها العقائدية على وجه الدولة الأفغانية، جعل حتى حلفاءها الذين دعموها، ومنهم الصين وروسيا وإيران وتركيا وقطر، لا يتحملون مخاطرة الاعتراف بشرعيتها، واكتفوا بالتعامل معها في إطار "حكومة الأمر الواقع" لدعم مصالحهم الجيوسياسية والأمنية والتجارية.

وتدرك القوى الإقليمية المحيطة بأفغانستان أن وجود "طالبان" في السلطة هو في إطار برنامج أمني ومشروع استخباري قصدته الولايات المتحدة الأميركية منذ انسحابها في إطار استراتيجيتها داخل منطقة آسيا، وأن هذه الحركة ستبقى موضع شك وسيظل وجودها بيئة خصبة لأي أعمال متطرفة؛ بما يجعل الاعتراف بها مخاطرة أمنية أمام سلطة القانون الدولي، إذا ما تورطت "طالبان" في خطأ كبير.

المرأة السؤال الكبير!

تجيد "طالبان" فن التفاوض من خلال الخبرة التي اكتسبتها عبر مكتبها في الدوحة؛ لذلك بينما مسألة المرأة وحقوقها هي بمثابة العنوان الكبير بالنسبة إلى المجتمع الدولي الذي يعتبر موقف "طالبان" منه العلامة الدالة إلى تغير سلوكها المتشدد، فإن المرأة تمثل أيضاً واحدة من الأدوات التي تستخدمها "طالبان" للضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بشرعيتها، إذ تمنع الحركة الدينية النساء من العمل حتى مع المنظمات الأهلية والخيرية، وتحرم الفتيات من التعليم، خصوصاً في مرحلة التعليم العالي. ولكن تأرجح قرارات الحركة تجاه المرأة، يدل إلى أنها تستخدم هذه الورقة للضغط على المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب تدعم شرعيتها، بخاصة أن "طالبان" تدرك أن لا أحد لديه وقت للقتال ضدها، لكن الجميع يسعى للتعامل معها مع المطالبة بتعديلها سلوكها.

وقد رفضت "طالبان" المشاركة في الاجتماع الأممي الثاني للممثلين الخاصين للدول المعنية بشؤون أفغانستان الذي عقد في الدوحة الأحد والاثنين 18و19 شباط (فبراير) الجاري؛ بسبب عدم استجابة الأمم المتحدة لشروط الحركة التي طلبت الاعتراف بوصفها "ممثلاً رسمياً وحيداً" للشعب الأفغاني، ورفضت المشاركة أيضاً بسبب حضور ممثلين عن حقوق المرأة والمجتمع المدني في أفغانستان.

وإذا نظرنا إلى قرار مجلس الأمن 2721 حول أفغانستان الذي امتنعت روسيا والصين عن التصويت عليه، فإنه يشير إلى توصيات هدفها التعامل مع حركة "طالبان" في إطار معالجة انتهاكات حقوق المرأة ومناقشة التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية؛ ما يعني أن التعامل مع "طالبان" الذي يرتقي إلى درجة الاعتراف الدولي، بات يرتبط بقضية المرأة ومعالجة حقوقها.

وقد تكون "طالبان" ما زالت تتلاعب بمسألة المرأة حفاظاً أيضاً على وجه الجماعة المحافظ، وكذلك لتأخير الحديث عن حكومة انتقالية قد تقضي على هيمنة الحركة على مقاليد السلطة في أفغانستان.

ولذلك لطالما رفضت الحركة المسلحة تعيين مبعوث أممي خاص بأفغانستان، بخاصة أن وجوده سيفتح باب الاتصال الأممي بـ"طالبان" والفصائل السياسية والحركات المدنية داخل البلاد، وهو ما ترفضه الحركة المسيطرة على كابول؛ لكن الأمم المتحدة تعتزم تعيين مبعوث لها خلال اجتماع مجلس الأمن المقرر الاثنين 26 شباط (فبراير)، وهي خطوة ستجبر "طالبان" على الاستجابة للمطالب الأممية وإلا ستواجه عقوبات من مجلس الأمن.  

ويبدو أن "طالبان" رفضت المشاركة في اجتماع الدوحة أيضاً من أجل إفشال التشاور حول اسم المبعوث الأممي لشؤون أفغانستان، ومن أجل أن يستمر المجتمع الدولي في حيرة في شأن  كيفية التعامل مع "طالبان"، وحيرة الاختيار ما بين إيجاد حكومة شرعية والقبول بحكومة الأمر الواقع القادرة على تحقيق الاستقرار الأمني على الأرض.

وتوحي تصريحات النائب السياسي لرئيس وزراء "طالبان"، مولوي عبد الكبير، بعد اجتماع الدوحة، أن الحركة المسلحة ما زالت ترهن نقاشاتها مع العالم الخارجي بقضايا حول الاستقرار الأمني في الداخل ومعالجة مخاطر مثل زراعة المخدرات والهجرة، أي أن "طالبان" يمكن أن تهدد محيطها الإقليمي بالإرهاب والمخدرات والهجرة، إذا ما تم الضغط عليها باسم القضايا الحقوقية والمرأة والتعددية السياسية

أو إذا ما تم التخطيط لإطاحتها.

استثمار في المخاوف 

تستثمر حركة "طالبان" في المخاوف الإقليمية، وتدرك المخاوف الأمنية والجيوسياسية لقوى مجاورة مثل الصين وروسيا وإيران وباكستان، ولذلك يمكن تفسير الاجتماع الذي استضافته العاصمة كابول تحت عنوان "مبادرة أفغانستان للتعاون الإقليمي"، الأحد 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، بأن "طالبان" سعت لانتزاع اعتراف من دول الجوار بشرعيتها، إذ قال وزير خارجية "طالبان"، مولوي أمير خان متقي، خلال الاجتماع، إن ""طالبان" تحترم نموذج الحكم لدى جيران أفغانستان، وتتوقع منهم أيضاً أن يحترموا نموذج الحكم لدينا".

وتظهر هذه الكلمات أن "طالبان" تعول على مخاوف جيرانها لكسر عزلتها الخارجية، وأنها غير مستعدة للنفاش حول مسألة شرعية حكمها أو التوافق حول نموذجه، وتعرف الحركة أن مصالحها مع القوى الإقليمية، يمكن أن تساعدها في إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بها أو على الأقل تقبله التعامل معها.

ولذلك، نجد دول الجوار تعقد اجتماعات إقليمية في إطار احتواء حركة "طالبان" والتعامل معها بعيداً من أهداف القوى الغربية والدولية، فقد تحرك الممثل الخاص للصين في أفغانستان، شياو يونج، السبت 24 شباط إلى لقاء نائب وزير خارجية تركمانستان أحمد قربانوف، للتحضير للاجتماع الخامس لدول جوار أفغانستان الذي ستستضيفه العاصمة عشق آباد، ومثل هذه الاجتماعات كانت المنصة الأولى للقبول بالتعامل مع حركة "طالبان" ودعم سلطتها. 

وأمام التحركات الإقليمية، يبدو أن "طالبان" نجحت في تحريك الولايات المتحدة إلى جانبها أيضاً، فإصدار وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة 2 شباط، الإستراتيجية الجديدة بشأن التعامل مع الحكومة الأفغانية، والتي شملت الإشارة إلى إعادة تشغيل الأعمال القنصلية، وهو قرار رحبت به حكومة "طالبان"؛ لأن تعامل واشنطن معها يفتح الباب لقوى غربية أخرى للتعامل مع حكومة كابول.

معارضة ضعيفة

غياب المعارضة الداخلية يعزز من قوة موقف "طالبان" أمام المجتمع الدولي، ولذلك نجد البيان الذي نشرته الجبهة الوطنية للمقاومة، الجمعة 23 شباط، يشير إلى مخاوف المعارضة السياسية والمسلحة من تجاهل المجتمع الدولي لمطلب تشكيل حكومة قانونية وشاملة، واكتفائه بتشكيل فريق اتصال تحت مظلة الأمم المتحدة للتعامل مع حركة "طالبان" في إطار التفاعل الأمني والاقتصادي والحقوقي.

كذلك، فإن المجتمع الأفغاني يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة لا تساعده على الانتفاضة في وجه "طالبان"، فهروب رؤوس الأموال بعد عودة "طالبان"، أصاب الكثير من الأعمال بالشلل، والتفكير في قطعة خبز أكثر أهمية عند المواطن الأفغاني من التفكير في تغيير الوضع الراهن، ناهيك بقسوة التعامل الأمني لدى أجهزة "طالبان" ويأس الشعب الأفغاني من الرهانات السياسية على أي فصيل آخر، والخشية من تكرار تجربة عودة "طالبان" إلى صفوف المعارضة المسلحة والتهديد بعودة عملياتها الوحشية.

وإلى جانب غياب القيادة السياسية العابرة للقبيلة منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان؛ فإن ما يعزز تمسك "طالبان" بالسلطة، لا يتعلق بالنظام الديني فحسب، بل يرتبط بمصالح تتعلق بالتحالفات القبلية والعرقية داخل أفغانستان. ومن ثّم، فإن التعامل مع حركة "طالبان" معضلة أكبر من القضايا الحقوقية، وهو ما عزز استمرارية وجود هذه الجماعة حتى الآن.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية