لقاء البرهان ونتنياهو.. التوقيت والدلالات

لقاء البرهان ونتنياهو.. التوقيت والدلالات


06/02/2020

بعيداً عن الرومانسية السياسية ومفردات قواميس الخيانة والتخوين التي تنتمي لحقبة زمنية لم تعد قائمة، على الأقل في إطار النظام العربي الرسمي من المحيط إلى الخليج، فإنّ السؤال الموضوعي فيما إذا كان رئيس المجلس السيادي السوداني، عبدالفتاح البرهان، قد ارتكب خطيئة بلقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي في عنتيبي باوغندا، واستناداً إلى "فقه المصالح" ما الذي يمكن أن يحققه مثل هذا اللقاء بالنسبة للبرهان ولنتنياهو؟

اقرأ أيضاً: لقاء البرهان ونتنياهو.. هل يحدّد مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية؟

لعلّ من نافلة القول إنّ اللقاء الذي كان على عجل، ولم يدم لأكثر من دقائق، استهدف الصورة التي تجمع نتنياهو بزعيم عربي، كانت دولته حتى قبل أقل من عام ضمن قائمة الدول التي توفر ملاذات للإرهابيين، وتقدم لهم دعماً لوجستياً بتوفير المقرات ومراكز الدعم، وتعاني جراء عقوبات اقتصادية فرضت على السودان منذ عدة أعوام، أنتجت أزمة اقتصادية تتفاقم يوماً بعد يوم، وأنّ النظام الجديد على استعداد لفعل أي شيء مقابل الخروج من أزمات موروثة من النظام السابق ومن أجل انتزاع اعتراف أمريكي بشرعيّته.

ما كشفه اللقاء أنّ إسرائيل أصبحت تمنح شهادات حسن السلوك التي بدونها لا يحصل أي نظام بالمنطقة على الرضا الأمريكي!

ومن جانبه، فإنّ نتنياهو معنيّ بهذه الصورة، قبيل إجراء انتخابات إسرائيلية ثالثة، لم يستطع خلالها من الفوز بما يمكّنه من تشكيل حكومة جديدة، خاصة بعد اتهامات له بالفساد وتأرجح أوضاعه القانونية بين النيابة العامة والقضاء، غير أنّ الأهم هنا هو أنّ إسرائيل أصبحت تمنح شهادات حسن السلوك التي بدونها لا يستطيع أي نظام في المنطقة الحصول على الرضا الأمريكي، وهو ما يدركه البرهان، بدلالة الدعوة المباشرة التي وجهت إليه من قبل الإدارة الأمريكية لزيارة الولايات المتحدة، بعيد سويعات من لقائه مع نتنياهو!
ما أقدم عليه البرهان لم يكن خارج سياقات النظام العربي الرسمي والإقليمي، فليس من دولة عربية ترتبط بعلاقات رسمية معلنة مع إسرائيل باستثناء "مصر والأردن والسلطة الفلسطينية" وهي أطراف ترتبط بحدود  واتفاقيات سلام معها، فيما ترتبط دول الخليج العربي، وبتفاوت بعلاقات مع إسرائيل منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، رغم عدم وجود حدود أو اتفاقات سلام مبرمة معها، وليس سراً أنّ دولتي "قطر وسلطنة عمان" هما الأكثر تواصلاً مع إسرائيل، ولم تعد زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى مسقط والدوحة سراً، ناهيك عن الدور القطري في مفاوضات حماس السرية مع إسرائيل، وسماح إسرائيل للدوحة بإدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة عبرها.

اقرأ أيضاً: البرهان ونتنياهو... الجهر بالعلاقات السريّة بين البلدين!
أما في شمال أفريقيا العربي؛ فالعلاقات مع إسرائيل لا تقل عن مستوياتها مع دول الخليج، وإن كانت أكثر وضوحاً مع المملكة المغربية، فيما جيران السودان "جيبوتي، إرتيريا، إثيوبيا، تشاد إضافة لجنوب السودان" ترتبط بعلاقات مع إسرائيل.
وفي الإطار الإقليمي فإنّ تركيا التي تتطلع لقيادة العالم الإسلامي حافظت على علاقة مع إسرائيل وطورت معها علاقات تجارية وعسكرية، حتى وصل حجم التبادل التجاري لتركيا مع إسرائيل إلى عشرة مليارات، فيما إيران تؤكد وعلى لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية أنّها ليست ضد إسرائيل.

اقرأ أيضاً: هل تسعى قطر لإعادة الإخوان إلى السلطة في السودان؟
ردود الفعل داخل السودان على اللقاء، إن على صعيد الحكومة، أو على صعيد قوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة السودانية ضد نظام البشير، إضافة لأحزاب يسارية وقومية، والتي تراوحت بين رفض اللقاء؛ لأنّ البرهان تجاوز صلاحياته، أو المطالبة بإخراج المكون العسكري من الحكم، إلا أنّ القاسم المشترك بين تلك الردود كان على خلفية عدم التزام البرهان بالوثيقة الدستورية التي تنظم العلاقات الخارجية وجعلتها من مسؤوليات مجلس الوزراء، فيما جاء بيان قوى التغيير لإبراء الذمة وأن لا علم لها باللقاء، وهو ما يؤكد حقيقة أنّ الاعتراضات كانت على شكل اللقاء وليس على مضمونه.

ليس سراً أنّ دولتي قطر وعُمان هما الأكثر تواصلاً مع إسرائيل، ولم تعد زيارات المسؤولين الإسرائيليين لمسقط والدوحة سراً

رسالتان كانتا وراء اللقاء بالنسبة للقيادة السودانية، الأولى: أنّ الخرطوم التي انطلقت منها اللاءات الثلاث عام 1964 تغادر اليوم مربع هذه اللاءات، ليست منفردة ووحيدة، بل منسجمة مع نظام عربي رسمي ونظام إقليمي غادر قبلها تلك اللاءات، والثانية: أننا أمام سودان جديد لم يعد متأرجحاً بين دول الاعتدال العربي والممانعة، بل يقف على يمين الاعتدال.

وإذا كان مجلس الوزراء وقوى التغيير لم تتم استشارتهما بلقاء البرهان مع نتنياهو، فمن المؤكد أنّه سيكون لهما رأيهما في الدعوة التي وجهتها الإدارة الأمريكية للبرهان لزيارة واشنطن، ومؤكد أنّهما سيطلعان على قائمة المطالب الأمريكية وإجابات البرهان عليها، تمهيداً لرفع السودان عن قوائم الإرهاب والعقوبات الأمريكية والدولية، وهل سيكون ضمن إجابات البرهان التي سيتم إعدادها ليس إقامة علاقات مع إسرائيل بل، على الأقل، العمل والمساهمة الفاعلة بالاستجابة لمتطلبات الأمن الإسرائيلي بما فيها تنسيق أمني مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية