البرهان ونتنياهو... الجهر بالعلاقات السريّة بين البلدين!

السودان

البرهان ونتنياهو... الجهر بالعلاقات السريّة بين البلدين!


04/02/2020

على خطى الرئيس المعزول عمر البشير، الذي فاجأ الجميع بزيارته الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان مضروباً عليه طوق إقليمي ودوليّ من الحصار في كانون الثاني (ديسمبر) 2018، مضى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتّاح البرهان؛ إذ باغت، أمس،  الجميع بما لم يجرؤ عليه رئيس سوداني من قبل، حيثُ التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي في مدينة عنتيبي الأوغندية برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني في لقاء وصفه نتنياهو بـ "التاريخي".

باحث سياسي: نوع من العلاقات بين السودان وإسرائيل ظل قائماً في الخفاء منذ وقتٍ مبكر قبل استقلال السودان

واعتبر بيان صادر عن مكتب نتنياهو "أنّ السودان يسير في اتجاه جديد نحو الأفضل، وأنّ الجنرال البرهان يريد مساعدة بلاده من خلال إنهاء عزلتها، وأنّ البرهان وافق على بدء التعاون لتطبيع العلاقات بين البلدين".

من جهتها، تنصلت الحكومة الانتقالية بالسودان من اللقاء، وأكدت أنّه لم يتم الإخطار أو التشاور مع مجلس الوزراء بشأن اللقاء المثير للجدل، وأنّها علمت باللقاء من خلال وسائل الإعلام.
وقال فيصل محمد صالح، وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية: "تلقينا عبر وسائل الإعلام خبر لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتبي باوغندا".

اقرأ أيضاً: هل تسعى قطر لإعادة الإخوان إلى السلطة في السودان؟
وأضاف صالح في بيان صاد عن الحكومة "لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة السيد رئيس مجلس السيادة".
لكن هل يعتبر هذا اللقاء تطوراً دراماتيكياً في العلاقات السودانية الإسرائيلية، أم بنى البرهان على علاقات سابقة كانت تُدار في الخفاء (سرِّية)، فقرر الجهر بها بتشجيعٍ من أطراف إقليمية ودولية؟
لقاء البرهان ونتنياهو تم بترتيب أمريكي، أعقب دعوة مايك بومبيو رئيس مجلس السيادة السوداني لزيارة واشنطن

علاقات سرِّية قديمة
يقول الباحث السياسي مأمون عوض السيد لـ "حفريات"، إنّ السودان لم يقم علاقات ثنائية علنيِّة مع إسرائيل، لكن ما لا يعلمه كثيرون أنّ نوعاً من العلاقات بين البلدين ظلّ قائماً في الخفاء منذ وقتٍ مبكر وقبل استقلال السودان، فقد التقى الصديق المهدي والد الصادق المهدي رفقة نائب رئيس حزب الأمة محمد أحمد عمر – حينها – أثناء زيارتهما لندن عام 1954، في مهمة تتعلق بالمطالبة باستقلال البلاد،  بمسؤولين في السفارة الإسرائيلية في لندن، كما التقى قيادي بارز من الحزب نفسه وفي العام ذاته مع حاكم البنك المركزي الإسرائيلي – آنذاك - ديفيد هوروفيتس في إسطنبول، واتفقا على مشروعات استثمارية عديدة لم تر النور نتيجة للتعقيدات السياسية المتعلقة بالمقاطعة العربية للكيان الإسرائيلي.
حزب الأمة وإسرائيل
ويتابع عوض السيد حديثه: علاقة حزب الأمة، الذي يرأسه الآن الإمام الصادق المهدي، بإسرائيل لم تنقطع إلّا لماماً لتبرز مجدداً، فقد التقى عبد الله خليل رئيس وزراء السودان عن نفس الحزب في باريس عام 1957 بشكل سري بوزيرة خارجية إسرائيل حينها غولدا مائير، ويستدرك الباحث السياسي، "في حقبة الرئيس الأسبق الجنرال النميري تم التمهيد لترحيل اليهود الفلاشا عبر جسر جوي من الخرطوم إلى أوروبا (بلجيكا) للتمويه، ومن ثم إلى تل أبيب، وقد عُقدت هذه الصفقة بوساطة من رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي الذي وصل العاصمة الكينية نيروبي 1979 رفقة مسؤولين إسرائيليين التقوا جعفر النميري ومدير مخابراته عمر الطيب".

اقرأ أيضاً: قطر والثورة السودانية.. كيف يقاوم السودان الجديد محاولات الدوحة زعزعة استقراره؟
وتحت ظل حكم الإخوان المسلمين، وفق عوض السيد، "انعقدت الكثير من اللقاءات السرِّية والتفاهمات بين مسؤولين سودانيين سياسيين وأمنيين مع نظرائهم الإسرائيليين، أبرزها المحادثات السرّية التي جرت بين رئيس المخابرات السابق الجنرال صلاح قوش في شباط (فبراير) 2019 بألمانيا على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن برئيس الموساد يوسي كوهين".

الإخوان المسلمون وإسرائيل بوساطة تركية

من جهتها، قالت الباحثة في علم الاجتماع السياسي سامية الجاك لـ "حفريات"، إنّ مسؤولين كباراً بحزب المؤتمر الوطني المحظور (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين السودانية) ظلوا على تواصل واتصال دائم بنظراء إسرائيليين، فقد التقى الفريق محمد عطا رئيس المخابرات الأسبق والسفير السابق لدى واشنطن والقيادة بجماعة الإخوان المسلمين في عام 2018 بمسؤولين اسرائيليين برعاية رجل أعمال تركي مقرب من أردوغان، حيث وعد الإسرائيليون المسؤول السوداني بأنّ بلادهم مستعدة لتقديم تقنيات زراعية ومساعدات تقنية في الصحة والري وتطوير القطاع السياحي إذا ما مضت التفاهمات خطوات إضافية بين الجانبين.

اقرأ أيضاً: إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟
وأشارت الجاك إلى أنّ "رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يخطط لزيارة السودان بتفاهمات مع بعض الأطراف العربية والرئيس التشادي إدريس ديبي، كما التقى مجدداً مسؤولين سودانيين كباراً من المخابرات بمسؤولين من الخارجية الإسرائيلية في اسطنبول من أجل التنسيق لزيارة نتنياهو إلى الخرطوم، لكن الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير قطعت الطريق على تلك الزيارة التي كانت وشيكة الحدوث".

البرهان في أوغندا وحمدوك في جيبوتي

تضيف الجاك: مع تشكيل الحكومة الانتقالية بين العسكر والقوى المدنية وتسمية عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء، ألمح بعض الوزراء إلى إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل، فقد طلب نصر الدين مُفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف من اليهود السودانيين العودة إلى بلادهم، إن أرادوا ذلك، فيما قالت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله، في مؤتمر صحفي على هامش زيارة حمدوك لفرنسا، في معرض ردّها على سؤال وجهه إليها أحد الصحفيين عن إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بقولها: "ليس بعد"، بما يشي بأنّ أوانها قد يأتي يوماً ما. وتعلق المحللة السياسية قائلة: اعتقد أنّه قد أتى بالفعل بلقاء الجنرال البرهان ونتنياهو في أوغندا بترتيب أمريكي، أعقب دعوة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لرئيس مجلس السيادة السوداني لزيارة واشنطن في القريب العاجل، كما أنّ زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المفاجئة إلى جيبوتي بالتزامن مع زيارة البرهان المفاجئة إلى أوغندا تثير الكثير من الشكوك حولها، فلماذا جيبوتي وفي هذا التوقيت؟ هذا ما ستجيب عليه تداعيات الأحداث في مقبل الأيام، ولننتظر لنرى!
الطريق إلى أمريكا الجنوبية يمر بالخرطوم
إلى ذلك، يُشار إلى أنّ نتنياهو كان أعلن العام الماضي عن رغبته في تقصير رحلة الطيران من إسرائيل إلى دول أمريكا الجنوبية والكاريبي، وأنّ أقصر طريق لا بُدّ أن يمر عبر أجواء السودان ومالي والنيجر وتشاد، لذلك يأمل أن تنفرج العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، إلا أنّ ذلك لم يتحقق كما يشتهي الرجل، لكن لقاء عنتيبي ربما قصّر الطريق بين واشنطن والخرطوم من جهة، وبين الخرطوم وتل أبيب من جهة أخرى، قبل أن يقصر الطريق إلى أمريكا الجنوبية!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية