حسن المصطفى
وصلَ البابا فرنسيس إلى العاصمة العراقية بغداد، في 5 )آذار) مارس الجاري، في زيارة تكتسب أهمية خاصة، حيث التقى بابا الكنيسة الكاثوليكية، المرجع الديني الأعلى للمسلمين الشيعة، آية الله علي السيستاني، يوم السبت 6 آذار (مارس)، في مدينة النجف، ما اعتبر حدثاً تاريخياً تناقلت صوره وكالات الأنباء العالمية، حيث جلس الرجلان لنحو 45 دقيقة، تحدثا خلالها عن أهمية تعزيز قيم العدالة والسلم والبعد عن العنف.
السيستاني، يعدُ اليوم المرجع الديني الأبرز للشيعة في العالم، ورمزاً لوحدة العراقيين باختلاف طوائفهم. وهو رغم نفوذه الواسع، إلا أن هنالك مرجعيات أخرى لها أتباع كُثرٌ في دول عربية وإسلامية وأوربية عدة، مثل مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، والسيد محمد سعيد الحكيم، والسيد صادق الشيرازي، والشيخ الوحيد الخراساني؛ إلا أن السيستاني ينظرُ إليه في الوقت الحالي بوصفه المرجع الأكثر تمثيلاً لمدرسة "النجف" الفقهية.
السيستاني رغم كونه يحملُ الجنسية الإيرانية، إلا أنه مستقلُ في آرائه السياسية والفكرية عن النظام الإسلامي في إيران، الذي يختلف معه في عدد من النقاط. فهو من المرجعيات التي لا تؤيد نظرية "ولاية الفقيه العامة"، وهو ضد انخراط رجال الدين في السياسة، كما أنه يدعم بشكل مباشر جهود الحوار بين الحكومة العراقية وأنظمة الحكم في الخليج، فضلاً عن نهجه القائم على نبذ العنف والتطرف، وتشجيعه الدائم لضرورة إندماج الشيعة في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها.
الترحيب بزيارة البابا فرنسيس للمدينة التي تضم الحوزة العلمية ومرقد الإمام علي بن أبي طالب، كان واسعاً، وظهر من خلال حملات الدعاية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث نشط إعلاميون وشبانٌ عراقيون في نشر صور مشتركة تجمع البابا فرنسيس بالسيد السيستاني، وهي الحملة التي تلمس فيها رغبة كبيرة من العراقيين في سلامٍ حقيقي، وتجاوز حقبة العنف والإرهاب والاقتتال الطائفي.
رغم عدم تسرب الكثير من التفاصيل حول ما تحدث به الزعيمان الروحيان، إلا أن مجرد حصول اللقاء، وتبادل الأحاديث، وتأكيدهما على مبدأ "الأخوة الإنسانية" و"الحوار" و"نبذ العنف"، ورفض "الاضطهاد الديني والفكري"، أمورٌ من شأنها أن تبعث برسائل إيجابية لملايين المؤمنين حول العالم، وأن يشكل اللقاء مظلة يتحرك تحتها مجموعة من الفاعلين الدينيين والسياسيين والثقافيين، مدعومين بمباركة السيستاني والبابا فرنسيس.
بابا الكنيسة الكاثوليكية، يبدو أنه مصرٌ على إكمال مسيرة "السلام" في الخليج، والتي بدأها بزيارة تاريخية إلى العاصمة الإمارتية أبو ظبي، في شباط (فبراير) 2019، حيث كان في استقباله ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكبار المسؤولين الإماراتيين، ومرجعيات دينية إسلامية بارزة في مقدمتها شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، ورئيس مجلس الإمارات للافتاء الشرعي د.عبد الله بن بيه.
خليجياً، بعث لقاء البابا فرنسيس والسيد علي السيستاني، برسائل سلام سياسية لأنظمة الحكم في الخليج العربي، أن ثمة "شريكاً صادقاً وقوياً" لكم في النجف، يُقدم ذاته بصفته الروحية الجامعة لمختلف العراقيين، وأنه في الوقت الذي تستمر فيه التوترات السياسية والأمنية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وإيران من جهة أخرى، فإن هنالك مرجعية دينية، يتبعها عشرات الملايين حول العالم، تؤمن بأهمية ترسيخ السلام في الخليج، والتعاون بين أنظمة الحكم، وتنبذ العنف والطائفية، وتؤمن بالحوار سبيلاً رئيساً لحل الخلافات. وفي هذا الصدد، يدعم السيستاني الجهود التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مد جسور التعاون مع الرياض وأبو ظبي وبقية العواصم، كما يؤيد مساعي الكاظمي لمحاربة الفساد داخل العراق وحصر السلاح بيد الدولة وترسيخ سيادة القانون.
الخليج الآن أمام فرصة مؤاتية – يجب أن لا تفوت- لبناء تحالف بين العقلاء، أضلاعه الرئيسة تمتد بين العراق والسعودية والإمارات ومصر، وتشارك فيه بفاعلية مرجعيات وقيادات روحية معتدلة، مثل آية الله علي السيستاتي، وشيخ الأزهر د.أحمد الطيب، ورئيس مجلس الإفتاء الشرعي في الإمارات الشيخ عبد الله بن بيه، ورئيس رابطة العالم الإسلامي د.محمد العيسى؛ وهو تعاون يأمل الكثيرون أن يُترجم لمشاريع عمل مشتركة، كونه تأخر كثيراً، وبات من المُلحِ وجود مؤسسات حديثة تنظم هذا النوع من التعاضد بين الحكماء، كي لا تترك الساحة ملعباً يعبثُ به المتطرفون ودعاة الكراهية.
عن "النهار" العربي