لبنان: الاستحقاق الرئاسي المقبل يخلط الأوراق ويُنعش الاستقطابات

لبنان: الاستحقاق الرئاسي المقبل يخلط الأوراق ويُنعش الاستقطابات


03/07/2022

فصل جديد من المناكفات تعيشه القوى السياسية اللبنانية، التي لا تسأم من الخلافات والصراعات، مع تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد تسميته من قبل 54 عضواً في مجلس النواب.

ورغم أنّ ميقاتي لم يحصد سوى تأييد أقل من نصف الأعضاء، إلا أنّه فاز بسبب الفارق الكبير بينه وبين الأسماء الأخرى، وعلى رأسها السفير نواف سلام، الذي حظي بتسمية من الحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من المستقلين والتغيريين.

ولا يعني إنجاز مرحلة تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة أنّ موضوع التأليف يشهد تقدماً، فشتّان بين التسمية والتأليف، والتي تتطلب التوافق بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية على تشكيلة الحكومة، وهو ما يعني حضور شخص رئيس التيار الوطني الحر، وصهر الرئيس ميشال عون، جبران باسيل في عملية التأليف، بما له من شروط يسعى من خلالها لامتلاك الثلث المعطل، في الحكومة التي ستتولى إدارة البلاد، مع اقتراب الشغور الرئاسي في أواخر العام الجاري.

وإلحاقاً بذلك، لدى حزب القوات اللبنانية، وهو الكتلة المعارضة الأكبر والكتلة المسيحية الأولى، نية واضحة في ترشيح رئيسه سمير جعجع لمنصب الرئاسة، ولهذا رغم أنّ الحزب لم يسمِّ أحداً لمنصب رئاسة الحكومة إلا أنّه سيكون له دور في عملية التأليف، وكذلك الحال بالنسبة لبقية الكتل النيابية، والتي يعدّ التأليف بالنسبة لها صفقة يجب الاتفاق عليها، بينما هموم الشعب اللبناني ليست سوى شعار يتفق الجميع على تداوله.

تسمية ميقاتي

وبلغت حصيلة الاستشارات النيابية الملزمة، التي استضافها الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، الخميس 30 حزيران (يونيو) الماضي، 54 صوتاً للرئيس نجيب ميقاتي و25 صوتاً للسفير نواف سلام، مقابل صوت واحد للرئيس سعد الحريري، وآخر للدكتورة روعة الحلاب، بينما  بلغ عدد النواب الذين لم يسموا أيّة شخصية 47 نائباً، منهم نواب أكبر حزبَين مسيحيَّين؛ حزب القوات اللبناني، والتيار الوطني الحر.

عاصم عبد الرحمن: ليس للقوات اللبنانية سوى مشروع الوصول إلى رئاسة الجمهورية

وبحسب تحليلات لبنانية؛ تشعر القيادات السنّية بأنّ عدم تسمية معظم النواب المسيحيين لرئيس حكومة إهانة لموقع الحكومة السنّي؛ رئاسة الوزراء، والذي هو من نصيب الطائفة السنّية، وهو أمر قد يؤثر سلباً على مشاركة النواب السنّة في اختيار رئيس الجمهورية الجديد.

ويعبّر عن ذلك الكاتب والباحث السياسي، عاصم عبد الرحمن: "مسارٌ سياسي متعرج سلكته القوات اللبنانية منذ سقوط التسوية التي أسست لها مع التيار الوطني الحر عام 2016، وبتناقض صارخ تعاملت مع الاستحقاق الدستوري الأهم في إدارة الدولة ومعالجة الأزمات واجتراح الحلول؛ رئاسة الحكومة".

وأضاف الباحث اللبناني لـ "حفريات": "أكّدت القوات على حصرية مشاركتها في الاستشارات النيابية الملزمة من بوابة احترام موقع رئاسة الجمهورية وقصر بعبدا، دونما التفات إلى أهمية الموقع السنّي الأول في لبنان ودوره، على الرغم مما يمثله وطنياً وعروبياً".

بحسب طريقة تعامل الكتل النيابية مع الاستشارات الملزمة، يبدو أنّ مسألة تشكيل حكومة جديدة ليست أولوية، خصوصاً لدى القوى المسيحية التي تركز على الاستحقاق الرئاسي المقبل

وبحسبه، فإنّه ليس للقوات اللبنانية سوى مشروع "الوصول إلى رئاسة الجمهورية الذي تتناسى أنه يستحيل تحقيقه دون الاتفاق والتوافق مع سائر القوى السياسية على اختلاف طوائفها وانتماءاتها التعددية".

ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، شادي سرايا إنّ "الثنائي الشيعي أيّد ميقاتي، والقوى السيادية التغيرية لم تكن لديهم صورة واضحة، والحزب التقدمي أعطى نواف سلام لأنّه يراه ذا نهج تغييري، وغير مرتبط بأيّة أجندة خارجية، وهو إنسان وطني بامتياز". وتحدث لـ "حفريات" عن أنّ الحزب التقدمي رفض تسمية ميقاتي "ليس كرهاً، ولكنّه أخفق في الالتزام بما تعهد به خصوصاً في قضية الطاقة".

انتخابات الرئاسة

وبحسب طريقة تعامل الكتل النيابية مع الاستشارات الملزمة، يبدو أنّ مسألة تشكيل حكومة جديدة ليست أولوية، خصوصاً لدى القوى المسيحية التي تركز على الاستحقاق الرئاسي المقبل في نهاية العام الجاري، والذي يتنافس عليه كلّ من جبران باسيل وسمير جعجع، سعياً إلى خلافة ميشال عون، ولهذا لا يرجّح ساسة لبنانيون حدوث انفراجة في تشكيل الحكومة قبيل عقد هذه الانتخابات.

د. مصطفى علوش: استحالة تأليف حكومة بعهد ميشال عون

ويرى نائب رئيس تيار المستقبل السابق، مصطفى علوش، أنّه "لم تعد هناك أية شخصية سنّية يمكن وصفها بالقوية، في ظلّ غياب كتل سنّية داعمة تستند إليها هذه الشخصية، ولهذا من ناحية المنطق، وبناءً على ما هو معلن من قبل الكتل كانت الأرجحية للرئيس ميقاتي".

وأشار لـ "حفريات" إلى أنّه لم يكن هناك "تشاور مهم بين الكتل السنّية والقوات اللبنانية بخصوص التسمية"، وشدّد على "استحالة تأليف حكومة بعهد ميشال عون سواء كان نواف سلام أو غيره فاز بالتكليف".

الكاتب شادي سرايا لـ "حفريات": الوضع السياسي ضبابي ويسوده التشاؤم؛ لأنّ تشكيل الحكومة صعب جداً، وستظلّ حكومة تصريف الأعمال قائمة، في وقت تواجه فيه البلاد استحقاقات كبرى

وتنتهي ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وبحسب الدستور تجب الدعوة إلى الانتخابات الرئاسية قبيل انتهاء ولاية الرئيس بشهرين على الأكثر، وشهر كحدّ أدنى، وفي حال لم يجتمع مجلس النواب في هذه المدة، يكون في حكم الانعقاد قبل عشرة أيام من انتهاء ولاية الرئيس.

ويتطلب تشكيل الحكومة الاتفاق بين ميقاتي وعون على تشكيلة حكومية، وعرضها على مجلس النواب لنيل الثقة، ومن خلال التجارب السابقة في عهد عون لتشكيل الحكومات، ومنها حكومتَا السفير مصطفى أديب وسعد الحريري، يصبح مرجحاً بقوة عجز ميقاتي عن التوصل إلى تشكيلة وزارية ترضي عون ومن خلفه باسيل، خصوصاً أنّها ستكون الحكومة التي تقود البلاد وقت الفراغ الرئاسي المقبل.

لا يوجد تشكيل قريب

وحول موقف الحزب التقدمي الاشتراكي من تشكيل الحكومة، قال الكاتب شادي سرايا: "يرفض الحزب الدخول في أيّة حكومة، حتى إن كان نواف سلام فاز بالتكليف؛ لأنه يرفض الدخول بأيّة حكومة، كي يتحمّل الثنائي الشيعي والموالين لإيران المسؤولية عن الوضع المأساوي الذي أوصلوا البلد إليه".

وأضاف: "الوضع السياسي ضبابي ويسوده التشاؤم؛ لأنّ تشكيل الحكومة صعب جداً، وستظلّ حكومة تصريف الأعمال قائمة، في وقت تواجه فيه البلاد استحقاقات كبرى، على رأسها الرئاسة، ثم اختيار حاكم جديد لمصرف لبنان مطلع العام المقبل".

وذكرت مقالات وتقارير في عدة صحف عربية ولبنانية، أنّ المجتمع الدولي، بشقّيه العربي والغربي، نأى بنفسه عن التدخّل، وارتأى أن تأخذ الاستشارات مداها الداخلي، على خلاف ما كان قد أُشيع بأنّ جهات عربية تحبّذ أن يأتي التكليف لمصلحة شخصية سياسية من خارج نادي رؤساء الحكومات.

د. شادي سرايا: الوضع السياسي ضبابي ويسوده التشاؤم

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر قريبة من الرئيس المكلّف، نجيب ميقاتي؛ أنه "ليس في وارد حرق المراحل، وهو يُجري مشاوراته لتأليف الحكومة، آخذاً بعين الاعتبار أنّ عامل الوقت لا يسمح بتأخير ولادتها، وقد يضطر إلى التقدم إلى عون بتشكيلة وزارية موزونة ووازنة ليبني على ردّ فعله القرار الذي سيتّخذه، لئلا يؤدي تمديد المشاورات بلا مبرّر إلى استنزافه وابتزازه، رغم أنّه باقٍ على قراره بعدم التسليم بشروط لا تخدم إنقاذ البلد".

ويتطلّب انتخاب رئيس للجمهورية تأمين ثلثي أعضاء مجلس النواب في الجولة الأولى، والأغلبية المطلقة في الجولة الثانية، وهذا يعني أنّ تشكيل الحكومة لم يعد الأساس اليوم، بل ورقة ضمن الأوراق التي تملكها القوى السياسية الكبرى في إطار التركيز على الاستحقاق الرئاسي المقبل.

ومن أبرز المرشحين لمنصب الرئاسة؛ سمير جعجع، وجبران باسيل، وسليمان فرنجية، وهي أسماء غير متفق عليها من القوى السياسية، التي ستدخل في مفاوضات سرية وعلنية للاتفاق على مرشح، بما يعنيه ذلك من الاتفاق على مجموعة واسعة من القرارات والمصالح المتبادلة، وربما يكون تشكيل الحكومة متوقفاً على ذلك.

مواضيع ذات صلة:

لغز السّيادة اللبنانيّة الضّائع: بين العروبة و"حزب الله"

سقوط المشروع الإيراني في لبنان مرّ على طريق المطار!

لماذا "نسي" اللبنانيّون السياسة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية