
في ضربة جديدة لجماعة الإخوان، وقّع رئيس الإكوادور، دانيال نوبوا، في السادس من أيّار (مايو) الجاري، مرسومًا رئاسيًا يضع جماعة "الإخوان المسلمين" في خانة التهديدات المحتملة للأمن القومي. المفارقة أنّ توقيع المرسوم لم يتم على أرض الدولة التي يُفترض أنّها مُستهدفة، بل من (أبو ظبي)، إحدى أبرز العواصم العربية المنخرطة تاريخيًا في تفكيك "الإسلام السياسي"، وتحديدًا النسخة الإخوانية منه.
المرسوم ـ الذي لم يُنشر نصه علنًا ـ أشار إلى "ارتباط محتمل" بين الجماعة التي نشأت في مصر في عشرينيات القرن الماضي، وبين "أعمال إرهابية قد تستهدف الإكوادور"، بناء على تقرير وصفه بـ "السرّي".
في الجوهر، يُقدم المرسوم وقائع مباشرة تدقّ أجراس الخطر، حيث اعتمد الرئيس الإكوادوري في مرسومه التنفيذي (المرقّم وغير المنشور) على تقرير داخلي سرّي صادر عن CIES بعنوان "المخاطر المحتملة على الأمن القومي من وجود عناصر مرتبطة بالإسلامية الراديكالية والتطرف".
اللافت أنّ التقرير، المصنّف ضمن الملفات السرّية، أظهر التأثير السلبي المحتمل للجماعة، وحمّلها مسؤولية تهديد الأمن الوطني، نظرًا لمنهجها في العمل السرّي، ونشر التطرف، وعزل المسلمين عن السياق الوطني للهيمنة عليهم.
يتضمن المرسوم تكليفًا واضحًا لـ CIES بالتنسيق مع أجهزة استخبارات وطنية وأجنبية عند الاقتضاء، وهو ما يُعيدنا إلى الحضور المتزايد لمعادلة "الأمن العابر للحدود" التي تتخطى الجغرافيا لملاحقة خطر إيديولوجي متنقل، تبدو الجماعة هي أبرز تجلياته.
دلالات التعاون الأمني مع الإمارات
من هنا يُفهم أنّ توقيع (نوبوا) للمرسوم من داخل العاصمة الإماراتية لم يكن إجراءً إداريًا فحسب، بل كان إشارة رمزية إلى تموضع الإكوادور في خطاب أمني ودولي يتقاطع مع الاهتمامات المشتركة بين البلدين، في مواجهة خطر مشترك. خاصة أنّ جولة (نوبوا) الخارجية التي شملت دول الخليج مستمرة حتى التاسع من أيّار (مايو)، وتتخذ من الشراكة الأمنية عنوانًا غير معلن.
يُذكر أنّ جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928، تخضع لتصنيفات متباينة على المستوى الدولي؛ إذ تصنّفها دول مثل الإمارات ومصر والسعودية كمنظمة إرهابية، بينما تنتهج دول أخرى موقفًا أكثر تدرجًا. ولا تُسجل الجماعة نشاطًا معلنًا في أمريكا اللاتينية، حيث تتخفى تحت أكثر من غطاء، أبرزها الثقافي بين المسلمين، والأنشطة الاقتصادية التي تقوم على التربح من تجارة الحلال، ممّا يجعل مرسوم الرئيس (نوبوا) الأول من نوعه في هذه المنطقة، ويرجّح أن يكون تحركًا وقائيًا يعكس تأثر الإكوادور بمخاوف إقليمية، وكذلك يمثل استجابة لتهديد داخلي ملموس.
عدو محتمل
يمكن القول: إنّ حضور الجماعة في خطاب المرسوم لا يرتبط بمعطيات ميدانية ملموسة داخل الإكوادور، بقدر ما يعكس حضور الجماعة كخطر وعدوّ محتملين، حيث إنّ خطابها الانعزالي يتطلب توحيد الجبهة الداخلية، ويؤكد الحاجة إلى وجود تنسيق أمني خارجي، في عالم مضطرب، يُعاد فيه تعريف "الإرهاب" بشكل يواكب الأخطار المحتملة والقائمة، الأمر الذي يتطلب تشريعات عاجلة من أجل الوقاية والمواجهة.
السياق الإكوادوري: أمن داخلي مأزوم وعنف عابر للحدود
منذ عام 2024 تعيش الإكوادور في حالة معلنة من "الصراع المسلح الداخلي"، إثر مواجهات مع عصابات الجريمة المنظمة التي وصفتها مراسيم سابقة بـ "المنظمات الإرهابية".
وبينما تواجه الدولة تهديدات حقيقية على الأرض من شبكات تهريب مخدرات وسلاح، يثير المرسوم الجديد تساؤلًا حول مدى تورط الإخوان في شبكات الجريمة المنظمة، ممّا يتطلب إعادة تشكيل الخطاب السياسي داخليًا، والتعاون الدولي لمواجهة خطر الجماعة.
المرسوم بشكل عام إدانة صريحة للجماعة، يعكس مدى ارتباطها المحتمل بأعمال إرهابية. فيما ركزت وسائل إعلام إسبانية، ومنها وكالة (إفي) على الإشارة إلى السرّية التي تحيط بالتقرير الأمني الذي استند إليه القرار، ممّا يشي بوجود معلومات خطيرة حول أنشطة الجماعة تهدد أمن الدولة اللاتينية، وهو ما يتطلب إعادة تشكيل البنية التشريعية للدولة تحت لافتة "مكافحة الإرهاب".
بين السيادة والأمن: أيّ حدود لما هو مشروع؟
يدفع المرسوم إلى مساءلة صريحة حول الحدود الفاصلة بين حق الدولة في حماية أمنها القومي، وبين خطر الإرهاب الذي يتطلب شرعنة قرارات فوقية غير خاضعة للرقابة البرلمانية أو القضائية، لمواجهة الأعمال المشبوهة للجماعة، التي تستغل دائماً القوانين لتمرير جرائمها.
إنّ مرسوم الرئيس (نوبوا) يُعدّ مؤشرًا على توجه أمني حاد تتبنّاه الإكوادور، لمواجهة تحديات داخلية وخارجية عنيفة في آنٍ واحد. وقد يراه البعض خطوة استباقية ضرورية، توازن بين حماية الأمن القومي للبلاد، والتوازن في استخدام قضايا الأمن القومي لتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية دون أن يكون ذلك على حساب الشفافية والحقوق.