الكويت: لماذا تخفق السلطتان التشريعية والتنفيذية في إدارة علاقتهما؟

الكويت: لماذا تخفق السلطتان التشريعية والتنفيذية في إدارة علاقتهما؟

الكويت: لماذا تخفق السلطتان التشريعية والتنفيذية في إدارة علاقتهما؟


21/02/2023

لم يُكمل مجلس الأمة الكويتي ثلاثة أشهر من انعقاد فصله التشريعي حتى دخل في حالة من التعطيل، بعد انسحاب الحكومة من آخر جلسة عقدها بتاريخ 10 كانون الثاني (يناير) الماضي؛ حيث جرى العرف على عدم انعقاد المجلس دون حضور الحكومة. وعلى إثر ذلك قبل أمير البلاد استقالة الحكومة في 24 من الشهر نفسه.

يثير الوضع السابق، والذي شهدته البلاد أكثر من مرة؛ سواء باستقالة الحكومة أو حلّ مجلس الأمة أو الاثنين، لأسباب تأزم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تساؤلات حول نجاعة النظام السياسي في الكويت، وقدرته على إدارة الخلافات بين السلطات، دون الحاجة إلى كلمة الفصل من أمير البلاد.

الأزمة المتجددة

وعلى إثر الخلافات بين نواب في مجلس الأمة والحكومة على خلفية تقدم النواب بمطالب عُرفت باسم الشعبوية، واستدعاء وزير المالية ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة للاستجواب، تقدمت الحكومة برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح بالاستقالة، والتي قبلها ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح.

وتبعاً لذلك امتنع رئيس المجلس عن دعوة المجلس للانعقاد، عملاً بالعرف السائد بعدم عقد جلسات مجلس الأمة دون حضور الحكومة أو ممثليها، وهو أمر محل خلاف. ويترافق مع تلك الأزمة ترقب لحكم المحكمة الدستورية في آذار (مارس) المقبل، في الطعن الذي قدمه النائب السابق ومرشح الدائرة الثانية أحمد الحمد، "بالقضاء بعدم دستورية" المرسوم 136 لسنة 2022 بحل مجلس الأمة، والمرسومين بقانون 5 و 6 لسنة 2022 بشأن التصويت بتعديل قانون الانتخاب (التصويت بالبطاقة المدنية)، وبإعادة تحديد الدوائر الانتخابية (ضم المناطق الجديدة)، وما يترتب على ذلك من بطلان عملية الانتخاب التي جرت في 29 سبتمبر الماضي. ويربط مراقبون بين انتظار حكم الدستورية وتشكيل الحكومة.

عبد الهادي السنافي: الخلافات أمر طبيعي في أي ديمقراطية

وتعليقاً على لجوء الحكومة لخيار الاستقالة، يرى المحلل السياسي الكويتي، إبراهيم دشتي، بأنّ استقالة الحكومة مفاجئة ولا يوجد تبرير لها، خصوصاً أنّ الأمور لم تصل إلى مرحلة المواجهة الحقيقية.

وتابع دشتي لـ"حفريات"، بأنّ مجلس الأمة مارس دوره، والاستجوابات حقّ دستوري. وأشار إلى أنّ الاستقالة جاءت في توقيت لم تحقق الحكومة خلاله إنجازات تذكر، بالتالي دخلت وخرجت دون إنجاز.

من جانبه، قال السياسي الكويتي، عبد العزيز سلطان، إنّ الحكومة ظلت لمدة 100 يوم حتى تعد حلول وبدائل للمطالب الشعبية أو القوانين الشعبية، مثل إسقاط القروض وزيادة الرواتب للمتقاعدين والموظفين، وتخفيض الأسعار واصلاح العملية الإسكانية والصحة والتعليم، ثم لم تحضر جلسة مجلس الأمة بتاريخ 24 من الشهر الماضي.

ثمة من يُحمّل النواب الكويتيين المسؤولية عن الأزمة، حيث لم تكن مطالبهم متناغمة مع حملاتهم الانتخابية، وبدا بشكل جلي غياب الأولويات السياسية  والتنسيق النيابي

وأفاد سلطان لـ"حفريات" بأنّ تغيب الحكومة وإعلانها رفض قانون إسقاط القروض كان صدمة كبيرة، خاصة أنّها لم تقدم أي بدائل، وكأنّ لا نية لها لوضع حلول.

بدوره يرى الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي، عبدالهادي السنافي، بأنّه في حال أي خلاف أو تصعيد بين المجلس والحكومة تلجأ الحكومة أو مجلس الأمة للخيارات الدستورية، وهو ما قامت به الحكومة بعد إصرار النواب على تقديم قانون يلزم الحكومة بشراء قروض المواطنين من البنوك المحلية، وهو ما رفضته الحكومة. ونوه لـ"حفريات" بأنّ "الخلافات أمر طبيعي بأي ديمقراطية، وللنواب الحق باستجواب الوزراء".

من يتحمل المسؤولية؟

هناك رأيان حول المسؤولية عن الأزمة الحالية، التي جاءت بعد أزمة سابقة تعهد خلالها ولي العهد في كلمة ألقاها نيابةً عن أمير البلاد بضبط الفوضى التي شهدتها الحياة السياسية. ويحمّل المحلل السياسي إبراهيم دشتي السلطة التنفيذية المسؤولية، ويقول هناك ثغرة دستورية لا تحدد المدة الدستورية لتشكيل الحكومة، بخلاف مدة الأسبوعين الدستورية لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، لكن أثناء دور الانعقاد لا توجد مدة زمنية. ويتوقع دشتي أن تطول فترة عدم تشكيل الحكومة. ويقول "للأسف لا فرق لديها إن كانت موجودة أو لا. هنا تعطيل لدور البرلمان في الشق التشريعي والرقابي".

ولا يستثني دشتي النواب من المسؤولية، ويرى أنّ أولويات البرلمان ضائعة كحال الحكومة. وحول أزمة إسقاط فوائد القروض، قال دشتي، بأنّه كانت هناك قضايا أسهل وعليها توافق برلماني - حكومي لعلاج الأزمة الأساسية وهي ضغوط المعيشة، مثل زيادة الرواتب ومحاربة الغلاء أو الحد منه، لكنّ النواب مع علمهم بموقف الحكومة تبنوا قانون إسقاط الفوائد، ثم تحوّلت القضية إلى ورقة تفاوض.

ويذهب الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي، إلى الرأي الذي يحمل النواب المسؤولية عن الأزمة، ويقول "بالطبع لم تكن مطالب النواب متناغمة مع حملاتهم الانتخابية، وبدا بشكل جلي غياب الأولويات السياسية والتنسيق النيابي".

عبد العزيز سلطان: المواطنون يضغطون على النواب

وأضاف بأنّ النواب قدموا القوانين الشعبوية التي تفتقر إلى سبل الدراسة وسبل التمويل، على مشاريع الإصلاح السياسي التي تصدرت الحملات الانتخابية؛ مثل تعديل قانون الانتخاب وإصدار تشريع يسمح بالهيئات السياسية، وكذلك قانون تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة. ولفت إلى وجود "مساومات وأجندات خاصة لبعض النواب، على حساب المطالب العامة للإصلاح".

ويرى السياسي عبد العزيز سلطان، أنّ المعارضة في المجلس السابق كانت لديها نفس المطالب، وبسببها أقُيلت حكومة، فضلاً عن ضغط المواطنين على النواب، ورغم ذلك انفتح النواب على الحوار لسحب قانون إسقاط فوائد القروض مقابل حزمة قوانين أخرى. وشدد على أنّ "الشارع يدفع بقوة للتصادم وإسقاط الفوائد والقروض وتخفيض الأسعار وزيادة الرواتب". ويذهب إلى أنّ الحكومة استقالت لأن النواب تقدموا في استخدام الأدوات الرقابية، مثل الاستجوابات.

سؤال الإصلاح

وبحسب الدستور الكويتي، لا يملك مجلس الأمة حقّ سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء. وتنصّ المادة (102) على "لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يطرح في مجلس الأمة، موضوع الثقة به". ويلجأ المجلس كخيار بحسب المادة إلى رفع الأمر إلى رئيس الدولة (أمير البلاد) حال عدم إمكان التعامل مع رئيس الوزراء، و"للأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحلّ مجلس الأمة".

ويرى المحلل السياسي، إبراهيم دشتي، أنّ السلطة لا تؤمن بالديمقراطية، مذكّراً بالمادة السابقة. ونوه إلى الحاجة إلى  إصلاحات ديمقراطية حقيقية؛ لأنّ هذا الوضع بعد تجربة 62 عاماً لا يرضي أي كويتي.

المحلل السياسي إبراهيم دشتي لـ"حفريات": النظام السياسي الكويتي، بالأخص دستور 62، فيه عدم توازن بين السلطات؛ وهناك ثغرة دستورية لا تحدد المدة الدستورية لتشكيل الحكومة

ويوضح دشتي، بأنّ النظام السياسي الكويتي، بالأخص دستور 62، فيه عدم توازن بين السلطات؛ حيث تهيمن السلطة التنفيذية. ويقسم الإصلاحات المطلوبة إلى فورية جزئية غير قابلة للتأجيل، منها صحة انعقاد الجلسات بعدم حضور الحكومة، سواء في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أو الدستور، وإصلاح شامل وكلي يؤسس لنظام سياسي جديد يشارك الشعب في صناعة القرار، وإيجاد حياة حزبية، وتداول للسلطة.

وكان خمسة من نواب مجلس الأمة قدموا اقتراحاً بقانون بإضافة فقرة خامسة إلى المادة 74 من القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، مضمونه أن تُعقد جلسات المجلس في حال غياب الحكومة متى اكتمل النصاب القانوني لها.

د. إبراهيم دشتي: الحاجة إلى إصلاحات ديمقراطية حقيقية

وجاء في نص الاقتراح المقدم في مادته الأولى، تضاف فقرة خامسة إلى المادة 74 من القانون رقم 12 لسنة 1963م المشار إليه، نصها الآتي: "وتعقد الجلسة متى اكتمل النصاب القانوني دون أن ينال من صحة انعقادها أن يكون جميع الأعضاء حاضرين من غير الوزراء".

وبحسب الدستور الكويتي، يعتبر أعضاء الحكومة أعضاءً في مجلس الأمة، على ألا يزيد عددهم عن ثلث أعضاء مجلس الأمة. ويتشكل المجلس من 50 نائباً يجري انتخابهم في خمس دوائر انتخابية، بالإضافة إلى أعضاء الحكومة، الذين يشاركون في الجلسات دون حق التصويت على سحب الثقة من أحدهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية