كي لا يتحول الصراع في السودان إلى حرب طويلة

كي لا يتحول الصراع في السودان إلى حرب طويلة

كي لا يتحول الصراع في السودان إلى حرب طويلة


كاتب ومترجم جزائري
08/05/2023

ترجمة: مدني قصري

يهدّد الصراع الجاري في العاصمة السودانية الخرطوم بالامتداد إلى أكثر مناطق أفريقيا هشاشة.

إذا كنت تريد أن تعرف سبب أهمية السودان بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى عليك فقط إلقاء نظرة على الخريطة.

ليس من قبيل الصدفة أنّ القتال الذي اندلع في هذا البلد خلال الأسابيع الماضية يدقّ اليوم العديد من أجراس الإنذار على المستوى الدولي. السودان ليس فقط بلدأ شاسعاً - إنه ثالث أكبر دولة في أفريقيا – بل إنه يمتد أيضاُ فوق منطقة غير مستقرة وجدّ حيوية جيوسياسياً.

يعني ذلك حتماً أنّ كل ما يحدث عسكرياً أو سياسياً في العاصمة الخرطوم سينعكس على بعض أكثر أجزاء القارة هشاشة.

تمتدّ البلاد على نهر النيل، ممّا يمنح لمصير الأمة أهميّة وجودية شبه كاملة تقريباً: عند المصب، مع مصر المتعطشة للمياه، ومع أعالي النهر مع إثيوبيا المحصورة والتي بدأت مشاريعها الكهرومائية الطموحة تؤثر من الآن فصاعداً على تدفّق ومنسوب النهر.

السودان ثالث أكبر دولة في أفريقيا

للسودان حدود مع سبع دول إجمالاً، لكل منها مخاوف أمنية مرتبطة بسياسة الخرطوم.

تمتد الاضطرابات في منطقة دارفور بغرب السودان بشكل شبه حتمي إلى تشاد المجاورة، والعكس صحيح. غالباً ما تتدفق الأسلحة والمقاتلون من تشاد المعرّضة للانقلاب وجمهورية أفريقيا الوسطى التي مزّقتها الحرب، بحرية عبر حدود المنطقة المليئة بالثغرات. وينطبق الوضع نفسه على ليبيا، في الشمال الغربي.

في الوقت الحالي يبدو أنّ الهدف هو إنهاء المعركة بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل أن تنتشر أكثر وتهدّد إلى حرب مدنيّة أكثر تعقيداً

يقع السودان على حدود منطقة تيغري الشمالية بإثيوبيا، التي خرجت لتوّها من صراع عنيف يشمل جاراً آخر لا يمكن التنبؤ به، وهو الحُكم المطلق المعزول والمُعسَكر لقوة لإريتريا. كما تتسبب أجزاء أخرى من الحدود المشتركة - والمتنازع عليها أحياناً - بين إثيوبيا والسودان في حدوث توترات.

في الجنوب يواجه السودان دولة جديدة نسبياً، جنوب السودان الذي انفصل رسمياً عن جارته الشمالية في عام 2011 بعد واحدة من أطول الحروب الأهلية وأكثرها دموية في أفريقيا. هذه الحدود أيضاَ لا تزال غير مستقرّة

سرعان ما انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية واسعة النطاق، والتي يخشى البعض أن تكون مصير السودان أيضاً. عند الاستقلاله أخذ جنوب السودان معه معظم احتياطيات النفط القيّمة في المنطقة، ممّا جعل السودان أكثر فقراً وساهم بشكل غير مباشر في الأزمة الحالية في الخرطوم، حيث تكافح الجماعات العسكرية المتنافسة الآن للسيطرة على الموارد الاقتصادية المتضائلة، مثل الذهب والزراعة.

البحث عن شركاء أجانب

في إطار هذا الصراع قام الجنرالات السودانيون - الجيش كان دوره دائماً مهمّاً في الاقتصاد المحلي - بالبحث عن شركاء أجانب. بالنسبة للزراعة  كان الأمر يتعلق بدعوة دول الخليج للاستثمار في الإمكانات الهائلة وغير المستغلة نسبياً للأراضي الغنية المطلة على نهر النيل.

فيما يتعلق بالذهب يبدو أنه تم إبرام اتفاقيات أكثر غموضاً مع مجموعة فاجنر الروسية الشهيرة، المتّهمة بتهريب الذهب إلى خارج السودان. اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية رئيس شركة فاغنر يفغيني بريغوزين "باستغلال الموارد الطبيعية في السودان لتحقيق مكاسب شخصية ونشر تأثيره الضار" عبر الإنترنت من خلال مستثمرته "مزرعة الترول".

تمتد الاضطرابات في منطقة دارفور بغرب السودان بشكل شبه حتمي إلى تشاد المجاورة، والعكس صحيح

لا شك أنّ مصالح روسيا في الدولة والمنطقة تذهب أبعد بكثير. يُطل الخط الساحلي المتقشف الكئيب في شرق السودان على البحر الأحمر.

منذ سنوات عديدة والكرملين يسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان، المدينة الساحلية التي تقع شمال شرق البلاد  على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهو ما يسمح لسفنها الحربية بالوصول إلى أحد الممرات البحرية الأكثر تكراراً وتنازعاً في العالم، وممارسة تأثيرها عليه. موسكو على وشك إبرام اتفاق مع الحكومة العسكرية السودانية التي تولت السلطة في عام 2021 في أعقاب الانقلاب.

منذ سنوات عديدة والكرملين يسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان، المدينة الساحلية التي تقع شمال شرق البلاد على الساحل الغربي للبحر الأحمر

لذلك ليس من المستبعد أن يحاول عدد كبير من الحكومات الآن التأثير على الأحداث على الأرض في السودان.

في الوقت الحالي يبدو أنّ الهدف هو إنهاء المعركة بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل أن تنتشر أكثر وتهدّد بالتحول من صراع بسيط نسبياً على السلطة إلى حرب مدنيّة أكثر تعقيداً.

إلى جانب أنّ بعض الحكومات الأجنبية الحريصة على توجيه السودان نحو الديمقراطية، وهو ما تمنّاه الكثير بعد الإطاحة بالزعيم عمر البشير في عام 2019.

لكنّ دولاً أخرى قد تفضّل دعم رجل قوي آخر وإحباط إرادة الشعب السوداني الذي ينتظر منذ عقود من الزمن أنّ يحقّق السودان وهو واحدٌ من عمالقة أفريقيا المتعثر، إمكاناته الكامنة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.bbc.com/afrique/articles/cge4jzy05vno



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية