كيف يتمّ تأصيل خطاب معاداة الإسلام في فرنسا؟

كيف يتمّ تأصيل خطاب معاداة الإسلام في فرنسا؟


19/07/2021

ترجمة: علي نوار

يكتسب العداء للإسلام أرضية جديدة يومياً في فرنسا، عن طريق خطاب يعمل على تصوير الإسلام بوصفه العامل الذي يتضمّن مخاطر التي تهدّد وحدة وبقاء المجتمع والدولة الفرنسية.

وفق تعريف القاموس؛ فإنّ "الانفصالية" هي تيار سياسي يروّج ويعمل من أجل انفصال إقليم عن دولة ما، سعياً إلى الحصول على حقوق شعب بعينه يمتلك تاريخاً أو خصائص مميّزة، مثل العرق أو اللغة أو الدين، والابتعاد عن باقي المجموعات التي تُشكّل نظاماً سياسياً بعينه، وترتكز أسس تيار الانفصال عادة على الأرض والهوية بشكل عام في منطقة أو إقليم يسعى نحو الاستقلال أو حتّى الانتماء إلى دولة مجاورة.

لكنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يتوانَ عن استخدام هذا المصطلح عند التطرّق إلى التحدّيات الجديدة التي تثيرها الجالية المسلمة، التي يعتقد رجل الشارع الفرنسي أنّ خطورتها في تزايد مطّرد، داخل مجتمع يدين تقليدياً بالمسيحية ويرفع راية "العلمانية"، وهكذا، بدون الذهاب بعيداً، فإنّ الحكومة الفرنسية تتخوّف من تفكّك أراضي البلاد، أو أنّها تحاول فرض اصطلاح ما ينطوي على ثقل سياسي مُحدّد ولأغراض بعينها؛ لذا تعكف على تكرار كلمة "الانفصالية" في خطابها للإشارة إلى هؤلاء الذين لا يرغبون في الانتماء إلى الدولة، ويسعون نحو إقامة كيان سياسي جديد عن طريق تقسيم حدود واضحة المعالم على الخريطة.

تعزيز مبادئ الجمهورية: إنّه خطاب الإدماج، المصحوب بإقصاء المسلمين بداعي أنّهم يمارسون شعائر مُعتقد يعاني أزمة، ما يهدّد النسيج المجتمعي والسلم العام

وتُضاف إلى المصطلح كذلك كلمة "إسلاموي"، التي تُستخدم في فرنسا للإشارة إلى الأشخاص المسلمين الذين قد يؤيّدون ممارسة العمل السياسي استناداً إلى المبادئ الخاصّة بالإسلام، في سياق اجتماعي، حيث يُنظر للسياسية والدين بوصفهما شيئين مختلفين منفصلين.

إقرأ أيضاً: ألمانيا والنمسا تحاصران الجماعة.. ما دلالات حظر استخدام رموز وشعارات الإخوان؟

بالمثل، تُستعمل "إسلاموي" للحديث عن الأشخاص الموافقين أو المنخرطين في أعمال عنف تنفّذها جماعات أصولية إسلاموية، مثل القاعدة أو داعش، وكذلك الجماعات أو طرق ممارسة السياسة باستلهام القيم الإسلامية، على غرار جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ودول أخرى، وحركة "النهضة" في تونس، وحزب "العدالة والتنمية" في تركيا. تُعدّ هذه الحركات بالكامل إسلاموية، ورُغم أنّ صفة "معتدلة" تلحق بها بحيث يكون هناك إسلامويون معتدلون أيضاً، إلّا أنّهم جميعاً "إسلامويون"، وهُنا مربط الفرس.

في ضوء ما سبق ذكره، تمَّ بناء خطاب، انطلاقاً من تأويل العلمانية، يُصنِّف كلَّ من يجرؤ على المجاهرة باعتقاده بأنّه إسلامويّ وربطه في نهاية المطاف بإحدى الجماعات المذكورة أعلاه، بالتالي، نكون بصدد ممارسات مُعطّلة للنظام العام تضع البنية المجتمعية بالكامل على المحكّ، وتتناقض مع مبدأ قصر ما هو ديني على الحياة الخاصة. على أنّ ما أُشير إليه لا يتوافر كذلك على أيّة ضمانة من الدولة الفرنسية نحو حرية المُعتقد.

لذلك، وفي السياق نفسه، من المهم تسليط الضوء على الجدل الذي أثاره وزير الداخلية الفرنسي، جيرال دارمانا، حول وجود لحوم حلال على أرفّ محال البقالة وحجاب رياضي تمّ طرحه للبيع من قبل علامة "ديكاثلون"، عام 2019.

 ومبدئياً؛ فإنّ مثل هذه الأمور ينبغي أن تتعامل معها الدولة من موقع الحياد، واضعة نصب عينيها حماية حرّية ممارسة الشعائر الدينية، لكنّها تعرّضت للاستغلال من قبل الوزير لبناء خطاب يصوّر المسلمين على أنّهم خارج الإطار المجتمعي، في مؤشّر واضح على النزوع نحو التهميش والإقصاء، وكلّ ذلك عن طريق كلمات مثل "إسلاموي" و"التعصّب".

أعداء الجمهورية

وبينما كان دارمانا يقول، بلا حياء: إنّ "قيم الجمهورية" ستتأثّر بسبب التنوّع الغذائي داخل المتاجر، خرج جان ميشيل بلونكيه، وزير التعليم، ليؤكّد في تصريحات تلفزيونية أنّ "اليسار الإسلامي أصبح أمراً واقعاً"، ويقدّم دعماً ثقافياً للإرهاب داخل الجامعات ونقابة "اتحاد طلّاب فرنسا" المعروفة بمواقفها اليسارية.

وبحسب الوزير؛ فإنّ الظاهرة باتت واقعاً سياسياً بالفعل؛ لذا تجب دراستها وتحليلها، بل واتّخاذ إجراءات لمواجهتها، على الرغم من أنّه لم يقل ذلك صراحة، لكنّ الجدل بشأن المصطلح عاد ليدور مجدّداً، في شباط (فبراير) 2021، إثر ظهور مقال عن هذا الملفّ في صحيفة "لوفيجارو"، لتخرج وزيرة التعليم العالي والجامعات، فريدريك فيدال، وتطالب المركز الوطني للأبحاث العلمية بدراسة مسألة وجود أعمال أكاديمية حول الإرث الاستعماري للبلاد، وهو ما نسبته إلى اليسار الإسلامي، على حدّ زعمها.

الكاتب في "لوفيجارو"، أوليفيه فيال: من الضّروري إبراز وجود تيارات تروتسكية ضاقت ذرعاً بانتظار اندلاع ثورة، فوجدوا في مجتمع المسلمين الفرنسيين تربة خصبة لنمو طبقة بروليتاريا جديدة

قوبلت هذه الدعوة بالترحيب من وسائل الإعلام الواقعة أقصى اليمين، مثل "لوفيجارو" نفسها، ووسائل أخرى يمينية متشدّدة، مثل: "فالور أكتيويل"، ومجلّة "ماريان"، التي وصل بها الأمر لإجراء مقابلات عدّة مع بيير أندريه تاجييف، الذي أضاف هذا المصطلح إلى اللغة الفرنسية، لتفسير روافد هذه الظاهرة ومكامن خطورتها، بالتالي، صار شبح اليسار الإسلامي يطوف عقول المواطنين ويزرع بذور الخوف من حدوث استبداد مستقبلاً.

إضافة إلى ما سبق؛ فإنّ "أعداء الجمهورية" ربّما عثروا على حلفاء غير مسلمين يُعتقد أنّهم، وفق مبادئ اليسار الأمريكي، يدعمون قضيّتهم كلاجئين عند إجراء دراسات ثقافية.

 ويضيف الكاتب الصحفي في "لوفيجارو"، أوليفيه فيال؛ أنّه من الضّروري إبراز وجود تيارات تروتسكية ضاقت ذرعاً بانتظار اندلاع ثورة، ووجدوا في مجتمع المسلمين الفرنسيين تربة خصبة لنمو طبقة بروليتاريا جديدة، قادرة على زعزعة استقرار النظام الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، ليصبح هذا التحالف مهد المصطلح الذي يشير إلى مزيج بين الدفاع عن المواقف المقاربة للشيوعية ومبادئ الإسلام.

إقرأ أيضاً: لماذا يميل المتحولون للإسلام للانضمام إلى الجماعات الجهادية؟

وبعيداً عمّا إذا كانت ظاهرة جديدة أو لم تكن، يشير تاجييف إلى أنّ التروتسكيين والإسلامويين تحالفوا من منطلق الرّفض المشترك للصهيونية، وتعاونا معاً منذ ثلاثة عقود على الأقل، في إطار واقع يشبه عالم جورج أورويل، لإبراز أن الفلسطينيين ضحيّة لدولة عنصرية ذات صبغة نازية هي إسرائيل.

ومع أنّ فريدريك فيدال تعرّضت لانتقادات لاذعة من جانب قطاع من الرأي العام والوسط الأكاديمي بسبب دعوتها لإنشاء ما يشبه شرطة أفكار على نحو كان ليطرب جوزيف مكارثي نفسه، فإنّ هؤلاء الذين يعربون عن اتّفاقهم مع تصريحاتها ينتفضون من أجل حرّية الفكر.

 ويرى الأشخاص أنفسهم أنّ الباحثين في دراسات مناهضة الاستعمار هم الذين يسعون نحو تشكيل رقابة على الأفكار، بسبب ممارساتهم وتحرّكاتهم عبر المجتمع المدني، ما يتيح غطاء ثقافياً للإرهاب.

قانون تجريم الانفصالية

بعد مقتل صامويل باتي على يد مسلم متشدّد، في تشرين الأول (أكتوبر)، ألقى الرئيس ماكرون خطاباً في إيفلين؛ حيث قدّم نتائج ما وصفها بدراسة منهجية ومفصّلة للوضع الذي تشهده فرنسا، وعقب هذا التحليل، تمّ تحديد عدوّ داخلي: الإسلام الأصولي، الذي يحمل في طيّاته أهدافاً سياسية ودينية تتمحور حول الابتعاد عن قيم الجمهورية، عدو داخلي يعتدي بشكل مباشر على العلمانية التي هي حجر الأساس للوحدة.

بالتالي، يقترح القانون استحداث جريمة الانفصالية، فضلاً عن حماية الموظّفين الحكوميين أثناء تأدية عملهم من التهديدات أو المضايقات، ليحظر تصوير أفراد الأمن، وما يتبعه من نجاتهم من أيّة تبعات، إذا تورّطوا في أعمال عنف أو إساءة استغلال القوة أو ممارسات أخرى غير منضبطة، خاصّة أثناء التظاهرات والاحتجاجات.

بالتالي، نجد أنفسنا مرّة أخرى إزاء التأويل المشوّه لمصطلح الانفصالية، وبإضافته إلى العدو الداخلي الجديد، تتّضح معالم صورة لدولة تهترئ من الداخل بسبب أفعال مُدبّرة تهدف إسقاط المؤسّسات واستبدالها بأخرى تتوافق مع المُعتقدات الدينية لإسلام يمرّ بأزمة ويختطفه الأصوليون.

بناء على ما سبق، يتحوّل الموظّفون الحكوميون إلى أطباء ومُسعفين يهرعون لإنقاذ الجمهورية، ومصحّحين مهمّتهم إظهار الطريق نحو "المواطنة الصحيحة" المتماشية مع القيم التي تتشاركها الأغلبية، وهو ما يتّضح من اسم القانون، تعزيز مبادئ الجمهورية،. إنّه خطاب الإدماج، المصحوب بإقصاء المسلمين بداعي أنّهم يمارسون شعائر مُعتقد يعاني أزمة، ما يهدّد النسيج المجتمعي والسلم العام.

هكذا، وعبر "الالتزام الجمهوري"، تصبح المؤسّسات الفرنسية حامية للقيم الجمهورية ورقيبة على المظاهر والشعائر الدينية، ليصبح المسلمون تحت المرصد وداخل دائرة الشبهات على طول الخطّ. الأمر الذي يعيد النقاش حول دور الدين وحياد الدولة من المُعتقدات الدينية.

المصدر: https://bit.ly/3AZ6i9R


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية