كيف وقع المسلمون بألمانيا في قبضة النازية الجديدة؟

كيف وقع المسلمون بألمانيا في قبضة النازية الجديدة؟


09/09/2020

بعد الزيادة الكبيرة في أعداد المسلمين داخل ألمانيا، خاصة من أطياف المهاجرين العرب، تعالت بالتوازي أصوات الأحزاب اليمنية المتطرفة؛ إذ تحتضن ألمانيا أشدّها تطرفاً عن نظرائها  في أوروبا، وهو ما يفسّر إعلان هيئة حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية)، عن زيادة ملحوظة في أعداد الجرائم ضدّ السامية، بشكل عام، في الأعوام الماضية، أمّا عن المسلمين، فكانوا أصحاب الحظ الأوفر من الاضطهاد.

اقرأ أيضاً: كيف تلتقي الإسلاموية مع اليمين المتطرف؟

وأوضحت دراسة قام بها باحثون من جامعة فيلادلفيا الأمريكية، نشرت العام الماضي، أنّ المسلمين من أصول غير ألمانية، يعانون من الاضطهاد بشكل مضاعف بالمقارنة مع غيرهم  من الأجانب غير المسلمين، على الأراضي الألمانية. يبدو أنّ كلّ هذا العداء، هو ما دفع ألمانيا لتخصيص لجنة من أجل مكافحة معاداة المسلمين، على غرار لجنة مكافحة معاداة السامية، وكذلك الغجر.

مؤتمر الإسلام الألماني

في عام 2006، على خلفية الإشكالية المتزايدة للمسلمين والإسلام في ألمانيا، أنشأت الحكومة الألمانية مؤتمر الإسلام الألماني،  فيما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كانت هذه فترة زمنية شكلتها تغييرات "الحرب على الإرهاب" العالمية، التي أثرت بشكل كبير في قانون التجنيس الألماني، وانتشار العنصرية التي تستهدف اندماج المسلمين والمهاجرين في البلاد، وتوسّع الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على أيّ مسلم يُشتبه به، وبحسب الدراسة التي قدمّها باحثو جامعة فيلادلفيا؛ فإنّ التجربة قامت في الأساس على التفاعل الإنساني بين أفراد المجتمع، وتوصّلت إلى أنّ السلوك العنصري من أبناء الشعب الألماني تجاه الغرباء كان في حالات بلغت نسبتها 84%، ضدّ المرأة المحجبة أو الرجل الأسود، وأصحاب الملامح الشرق أوسطية، وفي تقييمهم لنتائج الدراسة؛ قال الباحثون إنّهم لم يجدوا "إشارة على وجود اضطهاد عرقي في حدّ ذاته"، بيد أنّهم استنتجوا، في الوقت نفسه، أنّ إظهار الانتماء للإسلام علناً في ألمانيا يؤدي للتعرض للتمييز، حتى وإن اجتهدت امرأة من أصول أجنبية في الحرص على تبني المعايير الاجتماعية للألمان.

 وبحسب الصحفي التونسي المقيم في ألمانيا "وسيم الوسلاتي"، فإنّه بالرغم مما قدمته ألمانيا من دعم للقضية السورية واحتضانها لعدد كبير من أبناء الشعب السوري الفارين من نيران الحرب، فإنّ العنصرية قد تزايدت بشكل كبير بعد تواجد السوريين، وبعد أن تعالت أصوات اليمين المتطرف، واستغلاله المعتاد لقضايا القومية التي عفى عليها الزمن.

 يقول الوسلاتي لـ"حفريات": "أعيش في ألمانيا منذ عشرة أعوام، وهو عمر يكفيني لأقيّم الوضع بشكل كافٍ، وألاحظ أنّ عنصرية الألمان تجاه المهاجرين أخذت منحى أكثر عنفاً بعد أحداث 2011، واستيعاب الإدارة الألمانية لأكبر عدد ممكن من المهاجرين، على الرغم من عدم تعافيها من آثار الأزمة المالية العالمية، لكنّها احتضنت مئات الآلاف من الضحايا، ما أضرّ ببعض القطاعات الاقتصادية في البداية، وهذا ما يغذي به قياديّو اليمين المتطرف خطاباتهم الشعبوية، ويجدون فيه مدخلاً لاكتساب جماهير من عامة الناس، ولما لألمانيا من تاريخ لا ينسى مع العنصرية والاضطهاد العرقي، يمكنك أن ترى الاضطهاد ضدّ المسلمين في المرتبة الأولى، أينما تولّي وجهك داخل البلاد".

إشكالية الإسلام والإخوان المسلمين

وفق باحثي دراسة جامعة فيلادلفيا، فإنّ اختيارهم قد وقع على ألمانيا تحديداً لإجراء التجربة، لأنّها حديثة العهد باستضافة اللاجئين، على عكس فرنسا، التي تضمّ أكثر من 5 ملايين مسلم، أغلبهم جالية مغاربية، أمّا ألمانيا فرآها الباحثون بيئة خصبة لدراسة العنصرية  تجاه الضيوف الجدد؛ إذ يعرف حبّ الشعب الألماني للنظام والقواعد الحياتية الصارمة، وهذه إحدى النقاط التي تثير حفيظتهم تجاه المهاجرين، الذين يراهم الألمان "همج الصحراء"، بحسب ما يذكر الوسلاتي الذي يعترف بسماعه هذا اللفظ في أكثر من واقعة خلال الأعوام العشرة التي قضاها في ألمانيا، وتهدف المجموعة التي تستهدف الداخلية الألمانية تشكيلها من ١٢ خبيراً وباحثاً، لمكافحة العداء ضدّ المسلمين، وضع نظم وقواعد صارمة تحدّد العلاقات الاجتماعية بين الألمان والمسلمين، الذين أصبحوا شركاءهم في الوطن؛ إذ سيعمل هؤلاء الأعضاء على وضع توصيات حول ماهية معاداة المسلمين وسبل مكافحتها والقضاء عليها.

اقرأ أيضاً: ألمانيا: بهذه الطريقة يستغل اليمين المتطرف مظاهرات "كورونا"

وكان وزير الداخلية الألماني، هورست زيهزفر،  قد أعلن، مطلع الشهر الجاري، تشكيله هذه اللجنة التي ستعمل على الحدّ من الجرائم المعادية للإسلام، والتي يصفها زيهزفر في تصريحاته  بأنّها "لا تمثّل تهديداً بالنسبة إلى المسلمين فحسب، بل وبالنسبة إلى التكاتف المجتمعي بشكل عام".

تحتضن ألمانيا أشدّ الجماعات اليمينية تطرفاً عن نظرائها  في أوروبا

يستكمل الوسلاتي:"الخطوة الألمانية جيدة على كافة الأصعدة، لكنّها مؤشر مهمّ على اتخاذ الدولة خطوات حقيقة تجاه السلم المجتمعي، وإدراك واعٍ من الإدارة الألمانية، أنّ الإسلام شيء منفصل عن جماعة الإخوان الإرهابية، التي تحاول أن تقدّم نفسها كصورة نموذجية للإسلام كما يجب أن يكون، وهذا أحد أسباب كراهية الألمان للمسلمين، لكن أضيف أيضاً أنّ مزيداً من سياسات الدمج الاقتصادي والاجتماعي في ألمانيا، وتعليم الأجيال الجديدة من أبناء الشعب الألماني عن أهمية التعايش السلمي،  هي الطريق السليم للقضاء على العنصرية ليس ضدّ المسلمين فحسب، بل ضدّ اليهود والأفارقة الذين يلقون قدراً كبيراً من العنصرية الألمانية".

العنصرية ورم خبيث

 بالرغم من حظر الدستور الألماني التمييز الديني؛ حيث ينصّ على حرية العقيدة والضمير وممارسة الفرد للدين، فإنّ الولايات الألمانية، البالغ عددها 16 ولاية، تمارس قدراً كبيراً من الاستقلالية في تسجيل الجماعات الدينية وممارسة الشعائر، أمّا الجماعات الدينية، غير المعترف بها، فهي غير مؤهلة للحصول على مزايا اجتماعية،  كما واصلت المكاتب الفيدرالية وبعض مكاتب الولايات التابعة لجهاز المخابرات مراقبة أنشطة بعض الجماعات الإسلامية والمساجد، وراقبت السلطات كنيسة السيانتولوجيا، التي أبلغت عن استمرار التمييز الحكومي ضدّ أعضائها.

اقرأ أيضاً: هكذا يستغل المتطرفون اليمينيون والإسلاميون وباء كورونا

ووفق بيانات الموقع الرسمي للخارجية الأمريكية، في الأعوام الخمسة الأخيرة، كانت هناك تقارير عديدة عن عدد أكبر من الحوادث المعادية للسامية  والمسلمين وشملت هذه الاعتداءات؛ المضايقات اللفظية، والتهديدات، والتمييز، والتخريب.

كما أشارت إحصائيات الجريمة الفيدرالية لعام 2018: إلى 1799 جريمة معادية للسامية خلال العام، بزيادة إجمالية قدرها 20% عن عام 2017، 69% من تلك الجرائم تضمنت العنف، كما نسبت إحصاءات وحدة الجرائم الفيدرالية 89% من جرائم معاداة السامية إلى اليمين المتطرف، الذي يستنكر اتهامه، وينفي تحريضه على هذه الجرائم، لذلك يعلّق كثير من المسلمين في ألمانيا آمالهم على الخطوة الجديدة التي ستتخذها الحكومة، والتي ربما تعزز من الدمج المجتمعي بينهم وبين السكان الأصليين للبلاد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية