كيف وظفت دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي في الحد من انتشار كورونا؟

كيف وظفت دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي في الحد من انتشار كورونا؟


04/05/2020

في إطار استجابتها ومواجهتها لتحديات انتشار وباء «كوفيد-19»، تبذل دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً في توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحلول الذكية. شركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة)، استخدمت الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة بريطانية للتنبؤ بمدى تسارع انتشار الوباء، وفهم وتقدير احتياجات السعة الطبية والسريرية، وتخطيط كيفية استجابتها للوباء. وقد أظهرت النتائج، بحسب تقارير منشورة، أن معدل الإصابة الحالي في إمارة أبوظبي ليس من المتوقع أن يتسارع في الأسابيع الستة المقبلة.[1]

لقد تمّت الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي من شركة Draper & Dash Predictive Healthcare Analytics، والتي تستخدمها أيضًا خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة؛ إذْ تؤخذ البيانات من المستشفيات لفهم المستويات المعتادة للطلب على الأسرّة أو رعاية الطوارئ، ثم تُجمع هذه البيانات، وتُقارن مع ما شوهد بالفعل من انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، وتُحلل لمعرفة الاتجاهات والسيناريوهات المحتملة.
الرئيس التنفيذي لشركة "درابر آند داش"، أورلاندو أغريبا، يؤكد أن نظام الرعاية الصحية في إمارة أبو ظبي لديه القدرة الكافية على التعامل مع أعداد أكبر من عدد الإصابات الحالية المسجلة في الإمارات جرّاء تفشي وباء كورونا، ويقول إن التوقعات تشير إلى أن حجم الإصابات في الإمارة لن يشهد تسارعاً أكبر بكثير مما هو قائم.[2]

مزايا النموذج

هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي الذي تبنته «صحة» يساعد على ما يلي:

يقدّم رؤى مفيدة ضرورية حول فيروس «كوفيد-19»، تساعد على توقع اتجاهات الفيروس، بما يمكّن من إعداد استراتيجية أكثر تماسكاً في الاستجابة والمواجهة.
يُمكّن هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي القطاع الصحي في الإمارات من تنظيم كيفيات الاستجابة الفعالة لمسائل الطلب على الأسرّة، وخصوصاً أسرّة غرف ووحدات العناية المركّزة للمرضى الأشدّ حاجة والأكثر تأثراً بالفيروس. ولأن تحدي نقص المعدات الطبية والأسرّة والضغط على المستشفيات والكوادر الطبية والتمريضية كان من أبرز التحديات التي واجهت دول العالم في استجابتها لانتشار الوباء، فإن أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد، بدرجة مفيدة، المستشفيات والمرافق الصحية الإماراتية على إدارة مواردها في شكل أفضل، والتنبؤ بذلك، وتقليل عنصر المفاجأة أو التخمين، ما أمكن.
واستخدمت حكومة إمارة دبي الذكاء الاصطناعي[3] لتنظيم حركة سكان الإمارة في أثناء ساعات الحظر وتقييد الخروج إلا للعاملين في قطاعات حيوية، ومن لديهم تصاريح صالحة. وتمت الاستفادة من برنامج «عيون على الطريق» - من خلال شبكة من الكاميرات المبثوثة في أنحاء الإمارة وشوارعها - للتعرف على الوجه والصوت ولوحة ترخيص المركبات. في هذه التقنيات يتم تغذية المعلومات من خلال قاعدة بيانات مركزية كبيرة، ويجري من ثمّ تحليلها؛ لمراقبة فعالية الحظر في التقليل من الإصابات بفيروس كورونا ونحو ذلك.

وتستخدم شركة نبتة هيلث Nabta Health - وهي شركة إماراتية ناشئة تعمل في مجال الرعاية الصحية - الذكاء الاصطناعي لتقديم تقييمات المخاطر والأعراض لـ «كوفيد-19». الشركة تستعين بالذكاء الاصطناعي لتشخيص الحالات الصحية الكامنة. وتؤكد الشركة أن التقنيات المتقدمة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي التطبيقي، وتقنية الـ blockchain يمكن أن تساعد في التخفيف من آثار الأوبئة في المستقبل.
ومنذ الاستجابات الإماراتية المبكرة لمواجهة انتشار الوباء كانت الطائرات من دون طيار «الدرونز» تقوم بعمليات التعقيم بسرعة وفعالية، وتراقب مدى التزام الناس منازلهم في أثناء فترة التعقيم، فضلاً عن مراقبة التزامهم سياسة "التباعد الاجتماعي" وعدم التجمع والاكتظاظ.

وتستخدم قوات الشرطة في الإمارات العربية المتحدة خوذات ذكية تمكّنها من قياس درجة حرارة مئات الأشخاص كل دقيقة؛ في إطار الجهود المبذولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد. ويمكن لهذه الخوذات، التي تحتاج لوقت أقل ومسافة أقصر من أجهزة قياس الحرارة التقليدية، قياس درجة الحرارة من على بعد خمسة أمتار، وتستطيع فحص ما يصل إلى 200 شخص في الدقيقة. وتصدر الخوذة إنذاراً في حالة رصد شخص مصاب بالحمى. وتكون هذه الخوذات فعّالة لفحص الناس في المناطق ذات الكثافة السكنية المرتفعة؛ بما في ذلك الأحياء المغلقة.[4]

وفي نهاية مارس 2020 أعلنت مجموعة «جي 42»، وهي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وتتخذ من مدينة "مصدر" في أبوظبي مقراً لها، ومجموعة «بي.جي.آي» الرائدة عالمياً في مجال حلول الجينوم، عن إطلاق مختبر حديث بقدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات آلاف الاختبارات بتقنية RT-PCR ‏‏(تقنية تفاعل البوليمرز المتسلسل اللحظي)‏‏‏ يومياً، لتلبية احتياجات فحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» في الإمارات. ويُعدُّ المختبر أول مختبر بهذا الحجم في العالم يتم تشغيله خارج الصين. وقامت الإمارات بأعلى معدلات الفحص عن انتشار الوباء داخل أراضيها (تجاوزت حتى كتابة هذه السطور المليون فحص) قياساً بعدد السكان على مستوى العالم، وفقاً للبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية. ولفت بينج شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جي 42» إلى أنه «بفضل قدراته التشخيصية الفائقة، يوفر المختبر النطاق والقوة اللازمين لتمكين سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من الحصول على أكثر الاختبارات موثوقية لتفاعل سلسلة البولميرز».[5]
وخلال شهر أبريل الجاري، أعلنت ولاية نيفادا الأمريكية حصولها على مواد تقنية متقدمة من مجموعة «جي 42» الإماراتية، بهدف توسيع نطاق الفحوص المخبرية لمكافحة فيروس كورونا المستجد في الولاية. وفي الثالث عشر من الشهر الجاري أعلن حاكم نيفادا، ستيفن ف. سيسولاك، عن شراكة مع حكومة دولة الإمارات وشركة التكنولوجيا الإماراتية «جي 42»[6]، وذلك في إطار السعي إلى تسهيل إجراء دراسة مبتكرة حول التسلسل الجيني لفيروس كورونا المستجد.

وكشف الدكتور علوي الشيخ علي، عضو مجلس علماء الإمارات والمتحدث الرسمي عن قطاع العلوم المتقدمة في الدولة، عن أنّ الإمارات تعمل على مجموعة من الدراسات المتعلقة بالتصدي لفيروس كورونا المستجد، ومنها دراسات تطوير الأدوات الرقمية لتقليل الضغط على المنشآت الصحية، ودراسات محاكاة الانتشار وحركة المصابين. وأشار إلى أن فريقاً مشتركاً من جامعات الإمارات والشارقة وخليفة، سيعمل بالتعاون مع شركة صحة في أبوظبي وهيئة الصحة في دبي وجامعة غرب أستراليا ومركز العين للإخصاب، على دراسة وفهم العوامل الجينية التي تؤدي إلى شدة الإصابات في الدولة، وذلك من خلال التسلسل الجيني ودراسته لحاملي المرض، حيث تساعد الدراسة على فهم أعمق لاختلاف شدة الأعراض من شخص إلى آخر، ووضع حلول وخطط استراتيجية لحماية السكان، ومن هم أكثر عرضة للمرض. وأفاد المتحدث الرسمي عن قطاع العلوم المتقدمة في الدولة بأن ثمة جهوداً تبذلها جامعة خليفة في أبوظبي من أجل تطوير نموذج أولي لجهاز تنفس اصطناعي لحالات الطوارئ، مصمم بمواد قليلة التكلفة، ويمكن الوصول إليها بسهولة وباستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.[7]

تحديات تخلق فُرصها

على الرغم من الوطأة الشديدة والتداعيات السلبية الشاملة التي يخلّفها وباء «كوفيد-19»، فإنه ينطوي كذلك على فرص يمكن استغلالها. وتبدو ما تتوافر عليه دولة الإمارات من بنية تحتية متطورة وخدمات لوجستية متقدمة، يؤهلها لأن تضع مزيداً من الاستثمارات في دعم البحث العلمي، وإحداث نقلة نوعية نحو اقتصاد المعرفة، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والواقع المعزز و«البلوك تشين»، ليس فقط من أجل توسيع مجالات تنويع اقتصادها، وزيادة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في تنويع الاقتصاد الوطني، بل كذلك أيضاً، وفي المسار ذاته في الحقيقة، من أجل تسريع الخطوات الإماراتية باتجاه تحوّل القطاع الصحي إلى مزيد من توظيف تقنيات الصحة الرقمية، وتعزيز آليات دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الطبية، وابتكار مسارات وحلول استباقية، من شأنها تعزيز الرعاية الصحية، كحلقة أساسية من حلقات التنمية المستدامة.

عن "موقع مركز الإمارات للسياسات"


هوامش:

[1] Coronavirus: Covid-19 spread in Abu Dhabi unlikely to accelerate, AI modelling shows, the national newspaper, April 23, 2020: https://bit.ly/2WbTr0D

[2] Ibid.

[3] Some countries in the Middle East are using artificial intelligence to fight the coronavirus pandemic, CNBC, April 16, 2020: https://cnb.cx/2yFpT3k

[4]  "شرطة الإمارات تستخدم التكنولوجيا الذكية في مكافحة فيروس كورونا"، رويترز، 24 أبريل 2020: https://bit.ly/353jwTw

[5]  "أبوظبي تحتضن أكبر مختبر بالعالم خارج الصين لمكافحة كورونا"، صحيفة الاتحاد، 1 أبريل 2020: https://bit.ly/3cRQDft

[6] Theodore Karasik, "Lessons the US can learn from the UAE about the decontamination of COVID-19," Atlantic Council, April 21, 2020: https://bit.ly/2yN5WaU

[7]  "مليون فحص لـ «كورونا».. و1887 حـالة شفاء في الدولة"، صحيفة الاتحاد، 26 أبريل 2020: https://bit.ly/2VEaA3



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية