كيف نقرأ تعيين ولي العهد السعودي رئيساً لمجلس الوزراء؟

كيف نقرأ تعيين ولي العهد السعودي رئيساً لمجلس الوزراء؟

كيف نقرأ تعيين ولي العهد السعودي رئيساً لمجلس الوزراء؟


29/09/2022

خلافاً للتقاليد الدستورية السعودية التي يتولى الملك بموجبها رئاسة مجلس الوزراء، فيما يكون ولي العهد نائباً له في المجلس، أصدر العاهل السعودي أمراً ملكياً، وُصف في أوساط كثيرة  بـ "المفاجئ"، يتضمن تعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيساً لمجلس الوزراء.

المتابعون للشأن السعودي اختلفوا في تفسير هذا القرار؛ بين كونه "تثبيتاً لوضع قائم"، وأنّه مجرد خطوة شكلية لن تغير من الواقع الفعلي في السعودية شيئاً، لا سيّما أنّ الأمير محمد بن سلمان يمسك بزمام إدارة الحكم منذ قرار تعيينه ولياً للعهد، ويشرف على إدارة شؤون المملكة الداخلية والخارجية، بما فيها خطة التنمية الاقتصادية المعروفة "برؤية 2030"، والتحولات العميقة التي تشهدها السعودية في إعادة بناء المملكة على أسس جديدة ضمن عناوين حقوق الإنسان وإعادة النظر بعلاقة المؤسسة الدينية بالدولة، وعلاقات السعودية بالقوى الدولية "أمريكا وأوروبا وروسيا والصين"، والإقليمية مع تركيا وإيران والدول العربية.

وبالمقابل، يرى آخرون أنّ القرار الملكي له دلالات مهمة، رغم ما يسوقه أصحاب المقاربة الأولى من كون ولي العهد هو "الحاكم الفعلي للسعودية"؛ لأنّ تكليف بن سلمان من قبل الملك برئاسة مجلس الوزراء هي المرة الأولى التي تحدث في عهد الملك سلمان، وأنّه بالإضافة إلى الأسباب الصحية التي قد تحول دون تمكّن الملك من حضور اجتماعات مجلس الوزراء، إلا أنّه من الصعوبة بمكان عزل القرار الملكي المتزامن مع تكليف ولي العهد بهذه المهمة، عن تثبيت "أشقاء" ولي العهد السعودي على رأس أهم وزارتين سعوديتين، وهما؛ "الدفاع والنفط" وهو ما يعني أنّ القرار جاء في سياقات التمهيد لانتقال "سلس" للسلطة إلى ولي العهد السعودي، الذي أشرف منذ تولّيه ولاية العهد على إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية إضافة إلى مؤسسات مدنية أخرى، بما يخدم الإستراتيجية الجديدة للسعودية وبمفاهيم الدولة الحديثة بنزع "القبلية والدينية" عنها .

ويُرجَّح على نطاقات واسعة، داخل السعودية وخارجها، أنّ مرجعيات القرار الملكي أملتها مفاهيم "بيروقراطية" في إدارة الدولة، وهو يعني أنّ ترجمات الموقع الجديد لولي العهد ستكون مباشرة، بتغييرات في كثير من المواقع والمؤسسات التي تعيق تنفيذ الكثير من المشاريع الكبرى، بما فيها من تحديث للإدارة العامة وتسهيل وتسريع تحقيق الإنجازات، خاصة في حقلي؛ التنمية المستدامة والاقتصاد، لا سيّما أنّ تداعيات كورونا وما أعقبها من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية جعلت كثيراً من الدول الكبرى والقوى الإقليمية تسارع في بناء سياسات التكيف والاستجابات العالية لها، وهو ما يمكن أن تعمل عليه السعودية، في ظل نمو اقتصادي وخطط إستراتيجية في التنمية والتحديث، بعد الوفرة المالية التي تحققت بفضل الزيادة في عائدات النفط.

ولا شك أنّ السعودية حقّقت نقلة نوعية في إعادة تشكيل المملكة داخلياً عبر تفكيك "مؤسسة الفساد"، و"تحجيم" المؤسسة الدينية، و"قوننة" الدولة، عبر منظومة تشريعات جديدة تتعلق بالمرأة والحريات والاستثمار، وبالتزامن عززت مكانتها؛ العربية والإسلامية والإقليمية والدولية، منذ تولّي محمد بن سلمان مهامّه، فقد شهدت الأدوار، العربية والإقليمية، للسعودية تحولات عميقة بإدارة علاقاتها على أسس جديدة مع تركيا وإيران، بالإضافة إلى الهند وباكستان في الإطار الاقليمي، وباتجاهات أكثر فاعلية، انتقلت بعدها إلى أدوار دولية أكثر فاعلية أيضاً على الصعيد الاقتصادي، في إطار مجموعة الـ20 الاقتصادية، وعلى الصعيد السياسي عبر تحولات إستراتيجية عميقة عبّرت عنها عناوين علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، ومع الصين وروسيا من جهة أخرى، في إطار "توازنات" جديدة من أبرز عناوينها مرجعية "المصالح المشتركة" ومغادرة مفاهيم تقليدية راسخة حول العلاقات بين السعودية والغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية.

ووفقاً لهذه المرجعيات، والتحولات الإقليمية والدولية التي لم تتبلور بشكل نهائي، وما تتضمنه الخطط الإستراتيجية السعودية من استعداد لتلك التحولات، بما فيها من آمال وطموحات وعقبات وتحديات، كان لا بدّ للقيادة السعودية من اتخاذ تدابير وقرارات تتضمن توسيع هوامش "صناعة القرار" أمام القيادات الشابة لقيادة المرحلة الجديدة، وهو ما سيتبلور عبر منح مؤسسة ولي العهد صلاحيات جديدة لا تتعارض مع المؤسسة الملكية، لا سيّما أنّ ولاية العهد هي جزء رئيس من المؤسسة الملكية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية