كيف نتجاوز التبعات النفسية المدمرة للزلزال؟

كيف نتجاوز التبعات النفسية المدمرة للزلزال؟

كيف نتجاوز التبعات النفسية المدمرة للزلزال؟


15/02/2023

من الصعب تجاوز مشاهد الموت التي تحيط بنا منذ وقوع زلزال تركيا وسوريا المدمر قبل نحو أسبوع، إضافة إلى العديد من الكوارث التي سبقته ونتج عنها أعداد كبيرة من الموتى، لا سيما جائحة كورونا التي ما زالت تداعياتها النفسية حاضرة تلقي بظلالها الثقيلة على كثيرين.

ومع الزلزال المدمر وانتشار فيديوهات على مواقع التواصل لانتشال جثث الأطفال قبل الكبار من تحت الأنقاض، تتصاعد تحذيرات المختصين من ضرورة التعامل مع التبعات النفسية للزلزال ومشاهده الكارثية، حتى لا يقع المرء فريسة أمراض نفسية مثل؛ الاكتئاب والرهاب، وغيرهما من الأمراض الخطيرة.

وتتفق جملة التحذيرات، من الخبراء والمختصين في هذا التوقيت على خطورة آثار الكوارث الطبيعية التي قد تخلق ظواهر نفسية صعبة ولا يسهل علاجها على مدار سنوات فيما يعرف باسم ظاهرة "ردات الفعل المتطرفة".

وتضاعف خطورة هذه التبعات في الحالات التي تعاني تاريخاً سابقاً من الأمراض النفسية مثل؛ مرض الرهاب، أو الفوبيا أو الاكتئاب المزمن والخوف من المستقبل، لذلك، تنصح غالبية الآراء بمراجعات نفسية سريعة لأولئك الذين يعانون من تاريخ للمرض النفسي، أو يشعرون بأعراض ما بعد الصدمة.

أهمية التأهيل النفسي للناجين

تركز كافة الدراسات والتحركات من جانب المؤسسات النفسية المختصة في الوقت الراهن، على توفير سبل علاجية للناجين من ضحايا الزلازل المدمر، كأولوية وضرورة قصوى، لذلك تدمج المنظمات الإغاثية التي تعمل حتى الوقت الراهن، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، برامج للتأهيل النفسي، إلى جانب المساعدات الإنسانية المقدمة للناجين في المناطق المنكوبة، كما يفترض أن تقدم برامج تأهيلية طويلة المدى بالتنسيق مع الهيئات المحلية في تلك المناطق، بحسب ما ذكره موقع "الأمم المتحدة".

وفي هذا الصدد يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إنّ هناك حالة تسمى اضطراب ما بعد الصدمة تحدث لمن يتعرض لزلزال، حادث سيارة، انفجار، انهيار مبنى، حريق هائل.

الكوارث الطبيعية قد تخلق ظواهر نفسية صعبة وخطيرة

ويشير، بحسب تصريح نقلته عنه شبكة "سكاي نيوز" إلى أنّ من ينجو من مثل هذه الحوادث يدخل في حالة اكتئاب تفاعلي، بعضها تزول بمرور الوقت، أما من لديهم جينات وراثية للمرض النفسي، فإنه بعد فترة ومع مجرد رؤية حدث مشابه أو التعرض له تحدث حالة تسمى "اجترار الذكريات السيئة" بصورة مشابهة لحالته وقت الحادث الأول وأحياناً في صورة أكبر.

وحول الأعراض التي قد تظهر على المريض النفسي، في تلك الحالة، وفي مراحل مبكرة، يقول فرويز إنه "قد تتراوح بين الصداع المزمن، وجفاف الحلق، واللعثمة، إلى زيادة ضربات القلب، اختناق في منطقة الرقبة، تهيج القولون، اضطرابات شديدة بالنوم، أحلام مزعجة، عرق شديد، وقد تصل أحيانا إلى التبول اللاإرادي لمجرد التحدث عن الموضوع".

كيف يمكن مواجهة التبعات؟

يرى فرويز أنّ الفترة الراهنة هي الأصعب؛ لأنها تمثل فترة ما بعد الصدمة مباشرة، ويحتاج الناجون خلالها إلى قدر أكبر من الدعم، للتمكن من تجاوز أزمتهم والمضي قدماً في الحياة بتأثيرات أقل وطأة، مؤكداً على أهمية البرامج التأهيلية التي تجعلهم قادرين على ممارسة الحياة بشكل أكثر مرونة.

جمال فرويز: من ينجو من الحوادث يدخل في حالة اكتئاب تفاعلي، بعضها تزول بمرور الوقت، أما من لديهم جينات وراثية للمرض النفسي فقد يتعرضون لما يسمى "اجترار الذكريات السيئة" 

وبحسب فرويز، يعد الأطفال الأكثر تضرراً من التبعات النفسية المترتبة على الكوارث الطبيعية التي قد تترك لديهم أمراضاً مزمنة، أو على الأقل انطباعات نفسية سلبية عن المستقبل، وتخوفات من الفقد خاصة في محيط الاسرة والعائلة.

لذلك ينبغي على الأهل أو مقدمي الرعاية الصحية والمتطوعين لرعاية الأطفال بعد الزلزال محاولة احتواء الطفل، والتهدئة من روعه، ومنحه شعوراً بالأمان قدر المستطاع.

نصائح لحماية الأطفال

قدم موقع "الطبي" مجموعة من النصائح، قد تساعد في دعم الأطفال الناجين من الزلزال وكذلك الذين يشعرون بآثار نفسية مزعجة نتيجة المتابعة للأخبار المستمرة عنه من خلال التلفزيون أو مواقع التواصل المختلفة.

أهم هذه النصائح هو الحفاظ على الطفل في مكان آمن وهادئ لتقليل إحساس الخوف والرعب الذي يسيطر عليه والتحدث إليه من جانب العائلة أو فرق الإنقاذ بشكل مستمر في حال أنه احد الناجين.

الأطفال هم الأكثر تضرراً من التبعات النفسية المترتبة على الكوارث الطبيعية التي قد تترك لديهم أمراضاً مزمنة، أو على الأقل انطباعات نفسية سلبية عن المستقبل، وتخوفات من الفقد 

كما يجب حجب الأخبار عن الطفل وإبعاده عن مشاهدة التلفاز أو أي مصدر يعرض صوراً ومشاهد للزلزال، حيث يزيد ذلك من الخوف والقلق لدى الطفل، ومن الضروري طمأنته بأنّ هناك من يساعد الآخرين على النجاة ويقدم العون لهم، ومحاولة تحكم الأهل أو المعنيين برعاية الطفل في مشاعرهم وردود أفعالهم قدر المستطاع، نظراً لأن الطفل يتأثر بذلك ويبني مشاعره وتخيلاته على ما يراه من الآخرين.

كما نصح الموقع بمنح الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره وما يجول بخاطره ورواية ما مر به، وتشجيعه على التحدث دون إجباره؛ إذ يساعد ذلك على التعامل مع الصدمة النفسية بعد الزلزال والتخفيف من قلقه، والإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الطفل وتقديم المعلومات بشكل مبسط لمساعدته على إدراك ما يحدث حوله وإظهار الاهتمام بما يسأل، وكذلك الاستعداد للرد على أسئلة الطفل مراراً وتكراراً؛ فهي تعد وسيلة الطفل لطمأنة نفسه.

نحن الكبار.. كيف نطمئن أنفسنا؟         

إجابة على هذا السؤال، أورد الموقع أيضاً مجموعة من النصائح، لتجاوز التبعات النفسية لما بعد صدمة الزلزال، منها تذكير النفس أنّ الشعور بالخوف الشديد والهلع والمشاعر المختلطة في مثل هذا الموقف أمر طبيعي، وأنها سوف تقل تدريجياً بمرور الوقت، تقسيم حل المشاكل إلى خطوات بسيطة للقدرة على استيعابها، حيث إنّ الهلع والصدمة تسبب الارتباك وتؤثر على إدراك الفرد وقدرته على التفكير، ولا مانع من طلب المساعدة.

الفترة الراهنة هي الأصعب

كما يفضل تجنب الإفراط في متابعة الأخبار ومشاهدة الصور والفيديوهات المتعلقة بالزلزال على وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفاز، والاكتفاء بمعرفة الأخبار الهامة من مصدر موثوق؛ وذلك لتجنب المزيد من مشاعر الذعر والقلق.

إضافة إلى المكوث مع الأهل والأصدقاء أو البقاء على اتصال بهم والتحدث معهم عما حدث لتقليل القلق والخوف وتلقي الدعم؛ فذلك يساهم في التعامل مع الصدمة النفسية بعد الزلازل والتعافي منها، والتطوع والمشاركة في مساعدة الآخرين؛ إذ يخفف ذلك من التوتر والشعور بالوحدة.

وعدم إهمال تناول الطعام والحصول على قسط من الراحة كلما سنحت الفرصة، حيث يساهم ذلك في الحد من التوتر وتقليل الانفعال والغضب، ومحاولة النوم عدد ساعات كافية، ويفضل عدم الذهاب إلى الفراش إلا عند الشعور بالنعاس لا سيما في الحالات التي تعاني من صعوبة في النوم.

والأهم طلب المساعدة من اختصاصي نفسي في أقرب وقت ممكن خاصة إذا استمرت أعراض الصدمة بضعة أسابيع.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية