كيف عالجت الأعمال السينمائية جرائم الشرف؟

كيف عالجت الأعمال السينمائية جرائم الشرف؟

كيف عالجت الأعمال السينمائية جرائم الشرف؟


31/10/2019

ما يزال المجتمع العربي عموماً يُقابل الرجل الذي يقتل ابنته أو أخته أو زوجته بالاحتفاء، وهذه النظرة تشهد على أنّنا نعيش وسط مجتمع يكافئ المجرم بدل معاقبته، وكأنّنا في غابة لا يحكمها قانون أو دولة مؤسسات، وهو ما عالجته العديد من الأعمال السينمائية العربية.
وقائع قتل معلن
تزوّجت سميحة الأسدي من رجل "معاق"، وأنجبت منه طفلين، ثم تطلقت منه وهي شابة، لتعيش بعد ذلك مع أهلها ولتعاني منهم التعنيف، هي وطفلاها، تَقدَّم من يطلبها للزواج فرفض والداها، وحُبست في البيت، لكنّها تمكّنت بمساعدة إحدى صديقاتها من الهرب واتجهت إلى المحكمة للزواج من رجل كان قد تقدم لها، ورفض القاضي تزويجها إلا بموافقة وليّ أمرها، الذي رفض الحضور إلى المحكمة مرتين، وفي الثالثة حضر برفقة أمها وأخيها، فرحت سميحة لقدومهم لكنّ الأم مررت خنجراً لأخيها، الذي باشر أخته بطعنة في رقبتها أودت بحياتها وهي تصرخ في وجه القضاة: "دمي في رقبتكم"، قُتلت سميحة في التاسع من نيسان (أبريل) 2018، وحُكم على الجاني بالإعدام، لكنّ الأب استأنف الحكم بحجة أنّها "جريمة شرف"، وما تزال القضية مؤجلة، حتى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وقد يتم تخفيف الحكم، كما هو شائع في مثل هذه القضايا.

اقرأ أيضاً: رشا بسيس تعيد جرائم الشرف إلى الواجهة
يأخذنا الفيلم الوثائقي "ضحايا الشرف"، إنتاج "بي بي سي"، 2016، إلى كردستان العراق ليتابع قضايا جرائم الشرف، ومن خلاله نتعرف إلى قصة الفتاة سنور، ذات العشرين ربيعاً، والتي قُتلت برصاصة على يد أبيها، عمر رضا، في حديقة عامة.

 


كانت سنور تعيش مع جدها بعد انفصال والديها، وهي في السابعة عشرة ربطتها علاقة غرامية بفتى من سنّها، وكي يؤسّسا حياة جديدة أخذت سنور مبلغ 2500 دولار من متجر جدها ومنحتها لحبيبها، الذي اختفى، اعتُقلت سنور وحُكم عليها بالسجن لمدة عام، وبعد إطلاق سراحها سكنت في مأوى للنساء اللواتي يُخشى على حياتهن من ذويهن، وأمَّنت لها المسؤولة عن المأوى وظيفة حكومية، وفي صيف 2015، عندما بلغت 21 عاماً، تركت وظيفتها وتزوجت صديقها الجديد، وخلال هذه الفترة ظلّ والدها يتحيّن الفرص لقتلها، وارتكب جريمته، في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وما يزال حرّاً طليقاً، رغم المداهمات التي تقوم بها الشرطة، دون أن تتمكن من القبض عليه.

 

ما يزال المجتمع العربي عموماً يُقابل الرجل الذي يقتل ابنته أو أخته أو زوجته بالاحتفاء

في العام 2007؛ اهتزت كردستان العراق على وقع جريمة مماثلة، صُوِّر فيها عبر أجهزة المحمول مقتل فتاة إيزيدية، تدعى دعاء، تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، رُجِمت الفتاة حتى الموت من قبل جمع غفير من سكان قريتها؛ لأنّها كانت تريد الزواج من شاب غير إيزيدي، وقد أظهرت أشرطة الفيديو أنّ الشرطة وقفت تتفرج على وقائع هذه الجريمة، وتذكرنا هذه الحادثة بالفيلم الإيراني "رجم ثريا" 2008؛ الذي يحكي قصة زوج لفَّق لزوجته تهمة الزنا ليتخلص منها، بعد أن رفضت أن يتزوج عليها، أو أن يطلقها، كونه من يعيلها، فحُكم عليها بالرجم حتى الموت.
ثمن الغفران
يضعنا الفيلم الوثائقي "فتاة في النهر- ثمن الغفران" (2015) أمام هذا الواقع الذي يتكرّر في أماكن عديدة، ويتناول قصة الفتاة سبأ ذات التسعة عشر ربيعاً، مع حبيبها قيصر؛ حيث يتقدم بطلب يد سبأ ويخرجان معاً أكثر من مرة بعلم أسرتها، لكن بسبب فقر قيصر يقترح عمّها تزويجها لشخص آخر، فتهرب سبأ إلى بيت قيصر، ويتزوجان هناك رسمياً، وفي اليوم نفسه يلاحقها والدها وعمّها إلى بيت زوجها ويقنعانها بالعودة إلى البيت من أجل أن تتم مراسم الزفاف بشكل تقليدي يحفظ للعائلة كرامتها وشرفها، ويقسمان على القرآن أنّهما لن يتعرضا لها بالأذى، وأمام هذا القسم تعود معهما ليلاً، وفي الطريق المظلم يبرحانها ضرباً ثم يطلقان عليها رصاصة في الرأس ويرميانها في النهر.

اقرأ أيضاً: لا شرف في "جرائم الشرف"
لحسن حظها، لم تصبها الرصاصة في مقتل، بل سببت لها جرحاً بليغاً في وجنتها اليسرى، ولأنّ النهر لم يكن عميقًا تتمكن سبأ من الخروج وطلب النجدة، تمّ القبض على والدها وعمّها، وبعد مدة من بقائهما في السجن يُطلق القاضي سراحهما بعد الضغط على سبأ من قبل الأهل وتسوية القضية.

 

من أستراليا إلى اليمن
يقودنا هذا الواقع الأليم إلى "تانا"؛ فيلم أسترالي عُرض العام 2015، وتدور أحداثه في جزيرة تانا جنوب المحيط الهادئ، وتستند قصته على أحداث حقيقية عن "واوا"، التي وقعت في حبّ "داين"، وقررا الزواج عن حبّ، خلافاً لتقاليد القبيلة، ويرفض داين وواوا الاستسلام لقرار القبيلة ويلتقيان ويمارسان الحبّ، ثمّ يفران من ملاحقة القبيلة لهما، ويصلان إلى فوهة البركان، وعندما تضيق بهما السبل ينتحران بتناولهما الفطر السام.

يضعنا الفيلم الوثائقي "فتاة في النهر- ثمن الغفران" أمام هذا الواقع الذي يتكرّر في أماكن عديدة

يصل خبر موتهما إلى القبيلة فيجتمع الشامان بالقبيلتين ويخبرهما بأنّه تلقى وحياً بجواز الزواج عن حبّ: "منذ الأزل والرؤساء يرتبون أمر الزواج وفق الشريعة، لكنّ عاشقين اختارا طريقاً آخر، والآن استمعوا لكلماتهما: "لقد رأيتم مدى قوة حبنا، أظهرنا لكم مشاعرنا، لكنّكم أنكرتم علينا أن نحيا سوياً، فلم يكن لنا من خيار إلا أن نقول وداعاً وإلى الأبد"، ثم يقف رئيس القبيلة ويقول: "قلبي مثقلٌ بالألم، والشباب هنا سيحملون مستقبلنا وعلينا الإنصات لهم كي نُبقي على الشريعة قوية، علينا أن نجد طريقة لجعل زواج الحبّ جزءاً من الشريعة، لا مزيد من الموتى".
اللافت في هذا الفيلم؛ أنّ معظم الممثلين أدّوا أدوارهم كما أدّوها من قبل في الواقع، رئيس القبيلة أدّى دور رئيس القبيلة، والطبيب المحلي أدى دور الطبيب، والمحاربون أدّوا أدوار المحاربين، وقيامهم بتمثيل أدوارهم أشبه بكفارة لخطيئتهم في حقّ العاشقَين، وما جعل لهذه القصة أثراً إيجابياً على تشريعات القبيلة هو مفهوم الوحي والشريعة عندهم؛ فالشريعة غير ثابتة وتتبدل بتبدل الحوادث؛ لأنّ الوحي طازج يتلقاه الشامان بشكل يومي، خلافاً للوحي في الديانات السماوية الذي ينقطع بموت الأنبياء.

ملصق فيلم "تانا"
تذكرنا قصة فيلم "تانا" بقصة يمنية قديمة؛ كانت "الدودحية"، ابنة عائلة رفيعة المقام تقطن منطقة وادي بنا بمحافظة إب في اليمن، جمعتها علاقة حبّ بابن عمّها، لكنّ الظروف حالت دون تحقيق حلم الاثنين بالزواج، وسرعان ما انكشف سرّهما، ووصل خبرهما إلى حاكم الناحية الذي حار بين خيارَين: أن يصرف النظر عن القضية، أو أن يطبّق فيهما حكم الشرع، فأمر رجاله أن يأتوا بالشاب والفتاة ويربطوا طبلاً على ظهر كلّ منهما ويطوفوا بهما القرى والوديان وسط ضرب الطبول، وهو ما أدّى إلى تفشي قصتهما في كلّ أرجاء اليمن، بعد أن كان الحديث حولهما محصوراً في بضع قرى!

اقرأ أيضاً: بأي ذنب قُتلت الشابة الفلسطينية إسراء غريب؟
معالجة السينما بمختلف جنسياتها لهذه القضية تشهد أنّها مشكلة تتواجد أينما وُجد الجهل والتمييز ضدّ المرأة، فعلى سبيل المثال؛ يعتبر القانون البريطاني "جريمة الشرف" قتلاً خطأ، ولا ينال مرتكبها أحكاماً مشددة، وعديدة هي الروايات والأفلام التي تناولت هذه القضية، لكن أذكى معالجة نجدها في الفيلم المصري "عفواً أيّها القانون" (1985)؛ الذي يتحدث عن قتل زوجة لزوجها بعد اكتشافها أمر علاقاته النسائية، فيتم الحكم عليها بالسجن 15 عاماً، وهو حكم يضع القانون في مأزق التمييز بين عقوبة الرجل الذي يقتل زوجته وعقوبة الزوجة التي تقتل زوجها للسبب نفسه.
قصتان من السينما الكردية
الأفلام الكردية التي تناولت "جرائم الشرف" تقول بلغة فنية: إنّ المشاكل الاجتماعية تهدد بنية المجتمع الكردي أكثر مما تهدده الأنظمة القمعية، نجد هذا في فيلم "قبل تساقط الثلج" (2013)، للمخرج الكردي هشام زمان، الذي يحكي قصة شاب قروي من كردستان العراق يدعى سيار طاهر، تبدأ رحلة سيار عندما تفرّ أخته نرمين مع حبيبها، وبما أنّ والده متوفى، وهو الابن الأكبر؛ فهو مجبر على استعادة شرف العائلة، وأثناء رحلة البحث عن أخته يلتقي في إسطنبول، بفتاة شابة تدعى إيفين، وخلال رحلتهما إلى اليونان وألمانيا والنرويج ينمو حبهما فيدرك سيار معنى الحب، ومعنى أن تضحي في سبيله، فبعد أن يعثر سيار على شقيقته، لم يتمكن من الضغط على الزناد فيطلب منها الهرب، ثم يطلق رصاصتين باتجاه الموقع الذي أخلته للتوّ؛ هذه الرحلة الشاقة التي كلفته حياته على يد أحد المهربين أيقظت فيه مشاعر لم يكن ليعرفها لو بقي منعزلاً في جبال كردستان، والقصة بهذا التضمين تشير إلى أنّ العزلة تقف وراء مشاكلنا، وأنّ الحلّ يكمن في الانفتاح.

 

توريث ثقافة التمييز
فيلم "الطريق" (1982)، للمخرج الكردي يلماز غوناي، يتكون من خمسة خطوط درامية لخمسة سجناء يُطلق سراحهم في إجازة لمدة أسبوع، ويحكي الخطّ الدرامي الرئيس عن سيد علي الذي يصل إلى مدينة كونيا، فيفاجأ بأنّ والده قد تزوج من امرأة ثانية، وزوجة أبيه أنجبت ولداً، ثم تخبره والدته بأنّ زوجته زينة قد جلبت لهم العار؛ لذلك أخذها والدها مع ابنهما إلى القرية وحبسها في زريبة حيوانات منذ ثمانية أشهر، لتعيش على الخبز والماء، فيقرر سيد التوجه إلى قرية والد زوجته عبر طريق مليء بالثلوج والعواصف الثلجية، وفي الطريق لا يستطيع الحصان إكمال المسيرة فيتجمّد من شدة البرد، ويقوم سيد بقتله، ويكمل المسيرة على قدميه.

تقدّر الإحصاءات عدد اللاتي يقتلن سنوياً في ما يعرف بـ "جرائم الشرف" بأكثر من 5 آلاف امرأة

يصل سيد إلى القرية فيخبره والد زوجته بأنهم كانوا في انتظاره ليقيم على زوجته الحدّ، بحسب التقاليد القبلية، يلتقي سيد بزوجته داخل الزريبة، فتطلب منه أن يعطيها الفرصة لتغتسل وتمشط شعرها، قبل أن يقتلها، فيوافق سيد على ذلك ثم يأخذها بصحبة ابنهما إلى بيت شقيقه شوكت، لكنّها تموت في الطريق بسبب البرد القارس، تموت زينة كما مات الحصان؛ ما يعني أنّ حياتها خلال الثمانية الأشهر التي قضتها في الزريبة، ثمّ موتها بهذه الطريقة لا تختلف عن حياة الحيوانات، كانت هناك نية لقتلها لكن بشكل غير مباشر؛ بأن تتولى الطبيعة ذلك، ولذلك لم يساعدها زوجها أثناء الرحلة كما لم تُزود بملابس تقيها من البرد، قسوة البشر مستمدَّة من قسوة الطبيعة.
قبل موتها، كانت زينة قد طلبت منه ألّا يترك جثتها للذئاب، فيضطر سيد إلى حملها على ظهره وإيصالها الى إحدى المستوصفات، اللافت؛ أنّ ابنها كان قاسياً مثل أبيه، فلم يعطف على أمه وهي تطلب المساعدة أثناء الرحلة، وهو بهذه القسوة ينظر إلى أمه نظرة رجل لامرأة، لا نظرة طفل لأمه؛ ما يعني أنّ التمييز ضدّ المرأة يتم غرسه في العقول منذ الطفولة، فتورث ثقافة التمييز جيلاً بعد آخر.

 

تطبيع الجريمة باسم الشرف
تقع "جرائم الشرف" عندما ترتبط امرأة مع رجل بعلاقة دون موافقة عائلتها، ولا تعني العلاقة هنا بالضرورة إقامة علاقة جنسية، فيكفي لقاء الفتاة بشاب في مكان عام أن يكون سبباً لقتلها، كما هو حال إسراء غريبأ الفتاة الفلسطينية التي أصبحت قضيتها قضية رأي عام، وترجع المشكلة إلى غياب الثقة بالمرأة، كما أنّ لها صلة باعتبار المرأة ملكية أو تابعة للرجل، واستمرار هذا الوضع يشهد على أنّنا ما نزال رهائن لعصر العبودية والقبَلية حيث يسوِّي المجتمع قضاياه بمعزل عن سلطة القضاء والدولة.

اقرأ أيضاً: "إسراء غريب" تضعنا أمام المرآة
الجمع بين نقيضين، أو ربط الجريمة بالشرف في التسمية يهدف إلى تطبيع الجريمة في أذهان الناس وجعلها أمراً عادياً أو مقبولاً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ ينحصر الشرف في جسد المرأة، بينما تغيب كل أشكال الشرف عن حياة المجتمع، فتجد الجوعى والمرضى والمحتاجين دون أن يهبّ المجتمع لإنقاذهم مما هم فيه.
القانون والحراك الاجتماعي
تقدّر الإحصاءات عدد النساء اللاتي يقتلن سنوياً، في إطار ما يعرف بـ "جرائم الشرف"، بأكثر من 5 آلاف امرأة؛ أي بمعدل 13 امرأة في اليوم الواحد؛ في باكستان وحدها أكثر من ألف فتاة يلقين حتفهن قتلاً من قبل أسرهن كلّ عام، ووفق طارق علي، المفكر اليساري البريطاني من أصل باكستاني، هناك 1262 "جريمة شرف"، ارتُكبت في باكستان، عام 2006 فقط، والعدد الحقيقي أكبر لأنّ كثيراً من الجرائم لا يتم توثيقها.
في الماضي كان بإمكان الجاني المطالبة بتخفيف العقوبة، لكن منذ عام 2015 عدلت الحكومة الكردية القانون، فأصبح التعامل مع "جرائم الشرف" مشابهاً لجرائم القتل الأخرى، لكن يتم التحايل على هذا القانون من قبل المجتمع والشرطة نفسها، والمثال الأبرز قصة الفتاة الكردية التي قتلها أخوتها ولم توجَّه التهمة لأيٍّ منهم.
لطالما كان الحراك الاجتماعي المنادي بالحقوق والحريات سابقاً للقرارات السياسية في كثير من الدول، والحراك الاجتماعي الفلسطيني والعربي المتصاعد والمطالب بالتحقيق في قضية إسراء غريب، وإنصافها، والنظر في العادات والقوانين الجائرة ضدّ المرأة؛ هو حراك يشهد على تطور المجتمع، ويمكن التعويل عليه في تحقيق مكاسب مستقبلية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية