كيف صارت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي أمراً بالقتل؟

كيف صارت فتوى الخميني ضد سلمان رشدي أمراً بالقتل؟


20/08/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

بعد طعن الكاتب سلمان رشدي خلال فعالية، غرب نيويورك، ما تزال أسئلةٌ رئيسة حول المشتبه به، الذي اتُّهم بالشّروع في قتل، بلا جواب. وبينما لم تؤكَّد دوافع المهاجم المزعوم، فإنّ الهجوم على رشدي يلحق عقوداً من التّهديد بالعنف ضدّ المؤلّف والمقرّبين منه، بدافع فتوى أصدرها آية الله الخمينيّ، عام 1989، عندما كان المرشد الأعلى لإيران.

وقد قال وكيل أعمال رشدي، إنّ الأخير يتعافى من إصابات ولم يعد في حاجة إلى جهاز تنفّس صناعيّ.

الفتوى، التي أمرت المسلمين في أنحاء العالم كافّة بقتل رشدي، كانت قد صدرت ردّاً على رواية رشدي "آيات شيطانيّة" (1988)، التي وجدها بعض القرّاء تجديفيّة في تصويرها للإسلام. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك محاولات لتفجير متاجر تبيع كتابه ومظاهرات عنيفة حول العالم للاحتجاج على الرّواية.

بحسب باحثين في الشّريعة الإسلاميّة، فإنّ الفتوى الصّادرة بحقّ رشدي تُعدّ من أكثر الفتاوى شهرة في العالم، وهي التي جلبت مصطلح "فتوى" إلى الغرب، لكنّهم يقولون إنّها أدّت، أيضاً، إلى جهلٍ بالمعنى الحقيقيّ للمصطلح، وإلى تكافؤ خاطئ بين كلمة "فتوى" و"حكم بالإعدام".

الأصول ورشدي

في الشّريعة الإسلاميّة، تُعدّ الفتوى "رأياً شرعيّاً في مسألة يُثيرها أحد المستفتين" أمام مُفتٍ، الذي هو سلطة شرعيّة إسلاميّة، بحسب لَما أبو عودة، الأستاذة في مركز القانون بجامعة جورجتاون.

 روايته "آيات شيطانية" الصادرة عام 1988

تقول: "إنّه ليس قاضياً ولا محامياً، لكنّه شخص يصدر فتاوى شرعيّة"، ويكمن الهدف النّهائيّ للفتوى في تقديم إجابة عن سؤال شرعيّ في الإسلام، وقد تتبع دولٌ أو أفرادٌ نتائج هذا الرّأي، لكنّ الفتاوى ليست إلزاميّة على المسلمين كافّة.

وتضرب أبو عودة مثالاً على مسلم يستفتي بشأن تناول عصير تفاح مخمّر.

تقول: "يمكنك أن تستفتي، إذا لم يتّضح لك ما إذا كان المشروب كحولياً أم لا".

وتشدّد على أنّ طاعة الفتوى قرار فرديّ.

منذ العصر الإسلاميّ المبكر، في القرن السّابع، صدرت فتاوى حول مجموعة من المسائل الشّرعيّة الدّينيّة، بما في ذلك أسئلة أخلاقيّة متعلّقة بعادات الزّواج أو الصّلاة، طُوّرت مجموعة الفتاوى الإسلاميّة على مرّ القرون، وفي العصر الرّقميّ تطوّرت مع وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

بعد الهجوم الأخير على سلمان رشدي، صارت كلمة "فتوى" مختلطة بـ "عقوبة الإعدام" في وسائل الإعلام الغربيّة، على الرّغم من الاستخدام اليوميّ للفتاوى في الحياة الإسلاميّة

تقول أبو عودة إنّ الخمينيّ، بالنّظر إلى سلطته الدّينيّة المتوافقة مع الإسلام الشّيعيّ، أصدر فتوى ضدّ رشدي، وبعد الإعلان عن ذلك، حدّدت جماعات متطرّفة مكافأة بملايين الدّولارات على حياة رشدي، وقد أيّدت إيران التّوجيه باغتيال الكاتب حتّى عام 1998، عندما قال رئيسها، محمّد خاتمي، إنّ البلاد لن "تدعم ولن تعرقل" محاولات الاغتيال.

توضّح أبو عودة أنّ الحكومة الحديثة غالباً ما تمنح صفة المفتي لمن يمكنه إصدار الفتاوى. لكن هناك، أيضاً، حركات إسلاميّة ناشئة لديها مفتون، على حدّ قولها؛ "لأنّ الحركات الإسلاميّة عادةً ما تنشأ من معارضة للدّولة الرّسميّة".

أصدرت "القاعدة" و"داعش" فتاوى خاصّة بهما، مثل أحكام تتعلّق بالصّيام وانقطاع التّيار الكهربائيّ خلال شهر رمضان، حسبما أفادت صحيفة "الشّرق الأوسط" والمنفذ الإخباري غير الرّبحيّ "نيو هيومانتريان". لكن، كما ذكرت "الإذاعة الوطنيّة العامّة" الأمريكيّة "إن آر بي"؛ فإنّ رجال دين مسلمين قد أصدروا، أيضاً، فتاوى ضدّ داعش، قائلين إنّ تفسيرات الجماعة المتطرّفة للإسلام غير صحيحة.

الفتاوى في الغرب

تقول أبو عودة إنّ الفتوى في الغرب، في أعقاب أمر الخمينيّ باغتيال رشدي، غالباً ما تُعادل "حكم الإعدام".

وتقول انتصار راب، مديرة برنامج الشّريعة الإسلاميّة بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، إنّ فتوى الخمينيّ ضدّ رشدي جلبت معها جهلاً إلى الغرب بشأن هذه الممارسة.

"لا يوجد أيّ مثال أو أساس تاريخيّ لدعوة أفراد من عامّة النّاس لممارسة عدالة أهليّة "عدالة قائمة على أخذ القانون باليد، من خلال إعدام شخص ما بسبب تصريحاته، أو اتّباع شخص ما لمثل هذه التّوجيهات".

تقول أبو عودة إنّ أعمال عنف أخرى تجاه أولئك الذين صوّروا الإسلام بطرق يعتبرها بعض أتباعه مسيئة جعلت الارتباط العُنفيّ مستمرّاً.

الفتاوى في العصر الرّقميّ

أدّى ظهور الإنترنت، أيضاً، إلى تغيير طريقة إصدار الفتاوى، حيث ظهرت مواقع ويب تصدر فتاوى للمسلمين حول أسئلتهم الدّينيّة. والعديد منها عبارة عن مواقع إلكترونيّة باللغة الإنجليزيّة فقط تخدم الكثير من المغتربين المسلمين الذين لا يتحدّثون العربيّة، وبعضها يديره شيوخ مسلمون مثل يوسف القرضاويّ، الذي أسّس موقع "إسلام أونلاين"، الذي يقدّم معلومات حول الأحكام الدّينيّة.

في الشّريعة الإسلاميّة، تُعدّ الفتوى "رأياً شرعيّاً في مسألة يُثيرها أحد المستفتين" أمام مُفتٍ، الذي هو سلطة شرعيّة إسلاميّة، بحسب لَما أبو عودة، الأستاذة في مركز القانون بجامعة جورجتاون

كما تصدر وسائل إعلام أخرى فتاوى، بحسب أبو عودة وراب، فهناك في مصر برامج تلفزيونيّة وإذاعيّة يتّصل بها المشاهدون المسلمون ويطلبون فتاوى من مفتين حول مجموعة من المشكلات التي يعانون منها والتي تتعلّق بالإسلام، والتي لا علاقة لها بالعنف أو الموت. لكن القدرة على إصدار "الفتاوى المتلفزة" صارت خاضعة للتّنظيم، بحسب موقع "ميدل إيست مونيتور".

وتضرب راب مثالاً على وسائل التّواصل الاجتماعيّ كمنصّة لإصدار الفتاوى، وتقول: "لدينا وسائل اتّصال أخرى تطوّرت جنباً إلى جنب مع (التّلفزيون والرّاديو)". وتضيف: "هكذا، ترى فتاوى على قنوات يوتيوب، وموقع فيسبوك وتويتر وإنستغرام".

وتشير راب، أيضاً، إلى "شريعة سورس" (SHARIAsource)، البوابة الرّقميّة للشّريعة الإسلاميّة بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، والتي من خلالها تتبّع أحد أساتذة الجامعة الفتاوى المتعلّقة بفيروس كورونا، والتي صدر العديد منها عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

ويتنازع باحثو الشّريعة الإسلاميّة بشأن شرعيّة إصدار الفتاوى عبر الإنترنت؛ يقول خالد أبو الفضل، أستاذ الشّريعة الإسلاميّة بجامعة كاليفورنيا في كلّيّة لوس أنجلوس للقانون: "في العصر الرقميّ، الوضع عبارة عن فوضى"، ويضيف: "في النّظام الكلاسيكيّ، كنتَ فقط تتبع فتوى شخص تعرف أنّه مؤهَّل بحسب الأصول، ولذلك لم يكن من المفترض أن تتبع فتوى شخص لا تعرفه، لكن في العصر الحديث، اختفى هذا تماماً، يتبع الناس فتاوى مَن ليس لديهم فكرة، ولا تدريب، ولا درجات علميّة".

أبو عودة: الفتوى في الغرب، في أعقاب أمر الخمينيّ باغتيال رشدي، غالباً ما تُعادل "حكم الإعدام"

كما يعرب أبو الفضل عن قلقه من أنّ العديد من الفتاوى الحديثة التي يُعلن عنها عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ ليس لها دليل و"مختصرة للغاية". ويشير إلى ظاهرة "تسوّق الفتاوى"؛ حيث يتصفّح بعض المسلمين الإنترنت بحثاً عن رأي يناسبهم.

تشدّد راب على أهميّة إصدار الفتاوى من خلال مرجع دينيّ مؤهّل. وطبقاً لراب، فإنّ اتّباع فتاوى لا تصدر عن هذه السّلطات أمر "يفتقر إلى الضّمير والحكمة"،

إلى حدّ ما، أُضفي الطّابع الدّيمقراطيّ على الفتاوى في العصر الرّقميّ: فقد استخدمت دول، بما في ذلك إيران، منصّات مثل تليغرام في إصدار الفتاوى، وهي طريقة للمفتين المدعومين من الحكومة لأداء ما كانوا يفعلونه شخصيّاً خلال الإسلام المبكر، كما تقول راب. "في بعض النّواحي، ربما كان المفتون هم المؤثّرون (influencers) الأصليّون".

لكن بعد الهجوم الأخير على رشدي، تذكر راب رؤية كلمة "فتوى" مختلطة بـ "عقوبة الإعدام" في وسائل الإعلام الغربيّة، على الرّغم من الاستخدام اليوميّ للفتاوى في الحياة الإسلاميّة.

تقول: "هذه الفتوى المزعومة تتعارض في الواقع مع الفهم الإسلاميّ للفتاوى، تاريخيّاً على الأقلّ"، وتضيف: "إنّها حقيقة مؤسفة أنّ هذا هو الشّيء الذي أذاع مصطلح "فتوى"".

المصدر:

مينا فينكاتارامانان، الواشنطن بوست، 14 آب (أغسطس) 2022

https://www.washingtonpost.com/history/2022/08/14/salman-rushdie-fatwa-history/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية