كيف ستواجه إسرائيل غضب الجيل الفلسطيني المتصاعد؟

كيف ستواجه إسرائيل غضب الجيل الفلسطيني المتصاعد؟

كيف ستواجه إسرائيل غضب الجيل الفلسطيني المتصاعد؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
27/10/2022

 

ترجمة: إسماعيل حسن

لم تواجه إسرائيل من قبل توتراً متصاعداً في مناطق الضفة والقدس كالذي تمر به خلال الفترة الحالية. أكثر من نصف الجيش الإسرائيلي يعملون على وقف الغضب المتصاعد في مناطق متفرقة، تيارات عميقة في الساحة الفلسطينية بدأت تؤثر بشكل مباشر على إسرائيل، رفع رأس الجيل الفلسطيني الشاب الذي أسس شبكات الإرهاب مثل عرين الأسود في نابلس، هو خطر متصاعد بالتزامن مع الضعف الوظيفي والفكري المتزايد للسلطة الفلسطينية.

تجسد موجة التصعيد الحالية حقيقة أنّ إسرائيل تسقط بالتدريج في فخ إستراتيجي، يزداد فيه حجم التحديات في الساحة الفلسطينية ويقل عدد البدائل أمام إسرائيل، وتتراوح تلك التي تبقت على الأقل حالياً بين السيئة والأسوأ.

 تختلف موجة التصعيد الحالية بمزاياها وبطولها عن تلك التي نشبت وانطفأت وعلى رأسها انتفاضة السكاكين، التي وقعت بشكل قوي في نهاية العام 2016، التصعيد الحالي يعكس مشاكل أساسية عديدة، تجسد الصعوبة في مواصلة الحفاظ على الاستقرار النسبي الذي قام على مدى نحو عقد ونصف العقد في المناطق من خلال الأدوات المعروفة.

إسرائيل تعاني من انكسار

في ضوء هذا الواقع تعاني إسرائيل من انكسار إستراتيجي، من جهة يفهم الكثيرون الخطر الكامن في التدهور المتواصل، تتعزز احتمالات تحققه كلما ضعف الحكم الفلسطيني وتعاظمت الصلة المدنية والاقتصادية بين إسرائيل والمناطق، من الجهة الأخرى فإنّ كثيرين في إسرائيل بل ربما معظم الجمهور يعارضون فكرة الدولتين، والتي تعد احتمالية تحققها عملياً متدنية على أي حال، بسبب أمور أخرى متعلقة بالانقسام العميق في الساحة الفلسطينية.

تختلف موجة التصعيد الحالية بمزاياها وبطولها

 لقد ظهرت مؤخراً في مدينة نابلس مجموعة (عرين الأسود) هي نوع من التيار الثوري الشاب المندفع، الذي يعارض الخط السياسي الذي تبناه الرئيس محمود عباس، خصوصاً التنسيق الأمني مع إسرائيل وحكم السلطة الفلسطينية الفاسد. تركز المجموعة في المرحلة الحالية على المواجهات مع الجيش والمستوطنين، لكنها قد تتحول إلى معارضة بارزة لقيادة السلطة، هذه المجموعة تحصل على دعم من حركة فتح أيضاً، بالأساس من معارضي الرئيس عباس ومقربيه حسين الشيخ وماجد فرج، لذلك يصعب التحديد بشكل قاطع بأنّ مجموعة عرين الأسود هي تنظيم منعزل سيتم حله فيما بعد، ربما هي مجموعة تشكل إرهاصاً لسلسلة تنظيمات محلية لخلايا إرهابية مستقلة لا تنتمي إلى أي تنظيم، والتي ستنبت وتعمل في يهودا والسامرة وشرقي القدس.

المجموعة الجديدة أطلقت على نفسها اسم عرين الأسود، وتبنت رموزاً جديدة مثل الملابس باللون الأسود وإشارة تعرض بنادق إم 16 متقاطعة فوق قبة الصخرة

 تعمل هناك الآنّ مجموعات من الشباب الفلسطينيين الذين يثيرون أعمال عنف في الأحياء العربية، هذا التنظيم يشمل مجموعة إرهابية تضم عشرات النشطاء المسلحين، غير المنتمية لحماس أو لحركة فتح أو للجهاد الإسلامي، معظم أعضاء المجموعة شباب فلسطينيون كان بعضهم منتمياً لهذه التنظيمات في السابق، من بينهم أيضاً أبناء لآباء يخدمون في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

 تنسب لهذه المجموعة معظم عمليات إطلاق النار في منطقة السامرة في الأسابيع الأخيرة، وهي العامل الرئيسي لتصاعد الإرهاب في المنطقة. في أيلول الماضي تم تسجيل رقم قياسي، بلغ عدد عمليات إطلاق النار 34 عملية في يهودا والسامرة وهو الرقم الأعلى منذ عقد، بعض الأحداث شملت إطلاق النار من بعيد على المستوطنات وعلى السيارات في الشوارع وعلى مواقع للجيش الإسرائيلي، وبالأساس مواجهات بالنار مع قوات الجيش التي تعمل في البلدات الفلسطينية، حيث تتركز معظم نشاطات التنظيم في السامرة.

عرين الأسود يؤرق إسرائيل

إنّ دوافع التنظيم الأساسية هي التطورات التي على الأرض، والنشاط المحموم للجيش والشاباك في عملية كاسر الأمواج في شمال السامرة، وضعف السلطة الفلسطينية وازدياد الصراعات الداخلية في الساحة الفلسطينية قبل اليوم التالي لمحمود عباس، يضاف إلى ذلك عجز وغياب الدافعية من أجل منع تنفيذ عمليات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والوضع المالي الصعب للشباب الفلسطينيين الذين لا يعملون في إسرائيل، وانتشار واسع لإتاحة السلاح والذخيرة.

 هذه المجموعة أطلقت على نفسها اسم عرين الأسود، وتبنت رموزاً جديدة مثل الملابس باللون الأسود وإشارة تعرض بنادق إم 16 متقاطعة فوق قبة الصخرة، وخطوط حمراء من أجل الإشارة إلى أنّ سلاحه غير موجه لأبناء شعبه خلافاً للأجهزة، الهدف العلنّي في قسمه السير في أعقاب الشهداء هو مواجهة جنود الجيش الإسرائيلي، الذين يعملون في المدن والقرى الفلسطينية، وتشويش نسيج حياة المستوطنين وذهابهم للصلاة في قبر يوسف، وأيضاً إيقاظ الجمهور الفلسطيني تمهيداً لانتفاضة شعبية واسعة، المجموعة نشطة جداً في الشبكات الاجتماعية وتقوم بحملات في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب توثيق مواجهات إطلاق النار ونشر الأفلام عبر الشبكات في بث حي.

أداء الجيش متآكل

 هناك عدد من النشطاء المحسوبين على عرين الأسود قتلوا في مواجهات مع قوات الجيش، من بينهم محمد العزيزي أحد نشطاء حركة فتح في الأصل والذي أصبح مستقلاً، وكان القوة المحركة لتشكيل المجموعة مع إبراهيم النابلسي، تمت تصفية العزيزي في منزل عائلته بعد ذلك تمت تصفية النابلسي، ثم قاد الخلية مصعب اشتية الذي أصبح مطلوباً أيضاً للسلطة الفلسطينية، لأنه حصل على مساعدة مالية وسلاح من حماس، اعتقلته أجهزة السلطة بتهمة حيازة السلاح، وبسبب مخالفات ضريبية والحصول على أموال غير قانونية والمس بأمن السلطة، ورغم الاحتجاجات استمرت السلطة في اعتقاله.

 رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي ما زال يتمسك بحلم سلطة واحدة وسلاح واحد وقانون واحد، أصدر تعليماته لحل هذا التنظيم، يبدو بالطريقة التي تسمى دمج أعضائه في أجهزة السلطة، نحو عشرين عضواً في هذه المجموعة أو أحد أبناء عائلاتهم اعتقلتهم أجهزة الأمن الفلسطينية، وتمارس عليهم جهود إقناع لترك التنظيم والحصول في المقابل على وظائف في أجهزة السلطة، مع وعد بالحصانة ضد اعتقال إسرائيلي، في كل الأحداث سعى المخربون لأنّ يفاجئوا الجيش بالنّار من مسافة قريبة، أداء الجيش في الميدان متآكل ومدى اليقظة والتأهب حيال وضع عملياتي في مهام الحراسة أيضاً متآكل.

تصاعد هجمات الشبان الفلسطينيين  

إنّ النجاحات الأخيرة في عمليات إطلاق النار للتنظيم الجديد، من شأنّها أن تصبح ظاهرة أوسع، وحملة واسعة في نابلس كفيلة بأنّ تكون لها مضاعفات تؤدي إلى تصعيد أمنّي في الضفة الغربية، من هنا فإنّه وفي هذه المرحلة يعتقد جهاز الأمن، أنّه رغم العمليات الأخيرة ليس من الصائب الإعلان أو تنفيذ حملة واسعة في السامرة أو في نابلس، عدي التميمي المخرب الفلسطيني الذي أطلق النّار قبل أسبوعين وقتل جندية من الجيش الإسرائيلي على حاجز شعفاط، قتل بالنّار على يد حراس مدنيين على مدخل مستوطنة "معاليه أدوميم"، الحقيقة أنّ المخرب الذي كان يبحث عنّه جهاز الأمن كله نجح في تنفيذ عملية مقلقة جداً، وتستوجب استخلاص استنتاجات حادة وسريعة للعملية التي جرت، تفيد تجارب الماضي بأنّه حتى لو لم يصل التميمي إلى "معاليه أدوميم" وهو مسلح، فآجلاً أم عاجلاً كان جهاز الأمن سيضع يده عليه، التميمي عرف ذلك فعلى مدى أكثر من أسبوع جرت وراءه تفتيشات واسعة، في إطارها حقق مع أقربائه والمشبوهين بمساعدته، ومع ذلك نجح في الإفلات من أيدي مسؤولي الشاباك.

تعلمت حماس من حملة حارس الأسوار، أنّه قبل أن تنتقل الأحداث إلى غزة يمكنها أن تجني مكاسب كثيرة من تصعيد أمنّي واسع في الضفة الغربية

 يخرج جهاز الأمن دائماً من نقطة الانطلاق بأنّ مخرباً مسلحاً ينفذ عملية وينجح في الفرار من الساحة، سيكون في مستوى خطورة عالية جداً، وثمة تخوف من محاولته تنفيذ عملية أخرى، لكن لما كان أولئك المخربون بشكل عام يعرفون بأنّ جهاز الأمن الإسرائيلي لا يوفر وسيلة كي يقبض عليهم، فإنّهم في الغالب يتصرفون كمطلوبين ويختبئون ويبدلون أماكن الاختباء ويهتمون ببقائهم الشخصي، الأمر الذي يصعّب عليهم تنفيذ عملية أخرى، هذا هو السبب في أنّ قلة شديدة من الحالات التي يكون فيها المخربون مطاردين يحاولون وينجحون في تنفيذ عملية إضافية، وبالتالي لم يكن مغلوطاً القول إنّ وصول التميمي إلى منطقة "معاليه أدوميم" مسلحاً، هو أمر ليس أقل من فشل لجهاز الأمن العام ومحافل الأمن الأخرى التي عنيت بالعثور عليه.

تصعيد الجيش سيقابل بمزيد من العنف

يعتبر الواقع المحمل بالمخاطر في نابلس أمراً مقلقاً بالنسبة للجيش، كلما استمرت موجة الإرهاب القاسية حول نابلس، ستتزايد المواجهات العنيفة بين اليهود والفلسطينيين في المنطقة، انجراف في مدينة نابلس من شأنّه أن يؤدي إلى تصعيد في الضفة بكاملها، حالياً هذا لم يحصل بعد، لكنّ في جهاز الأمن بعد شهر عنيف على نحو خاص، يفهمون أننا قريبون جداً من النقطة التي بعدها سيكون صعباً جداً وقف الانجراف، وهناك تصعيد إضافي من شأنّه أن ينتقل أيضاً إلى باب العمود والحرم، ويمكنه أن يصل بسرعة أكبر إلى قطاع غزة أيضاً.

 في هذه اللحظة لا توجد معلومات استخبارية ومؤشرات على الأرض، لكنّ الماضي القريب علمنا كم سريعاً أن ينقلب قطاع غزة. تتصاعد من أسبوع لأسبوع الاضطرابات القاسية في شرقي القدس وفي مناطق فلسطينية متفرقة، ما يجري هو إشارة تحذير واضحة لتصعيد العمليات في منطقة نابلس، ويزداد التقدير بذلك عشية الانتخابات مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، في إسرائيل الوضع الحالي يسبق حملة حارس الأسوار، توجد فوارق كبيرة بين بؤر التصعيد في شمال السامرة وفي شرقي القدس، ولا يمكن ربط كل شيء برزمة واحدة، فليس حكم نابلس وجنين كحكم شرقي القدس التي توجد تحت مسؤولية حكومية حصرية لإسرائيل، لكن عندما تشتعل بالتوازي عدة جبهات، فإنّ الاحتمال في أنّ تتسبب بتسخين ساحات أخرى يكون أكبر كموجة عدوى، الكثير سيكون موضوعاً في الأيام القادمة على الأكتاف الهزيلة لشرطة إسرائيل، كلما نجحوا في السيطرة بسرعة على جيوب الفوضى وإعادة النظام، هكذا يقل احتمال التصعيد في ساحات أخرى.

حماس تحرض على إشعال الضفة

تبدو غزة في المرحلة الحالية خارج موجة التصعيد الدائرة، وهذا يثبت بالدليل القاطع مرة أخرى أنّه عندما تكون حماس معنية بذلك، فإنً طلقة واحدة لا تطلق من قطاع غزة، وذلك رغم ما يجري في الأشهر الأخيرة في الضفة الغربية وحتى مقتل نشطاء من الجهاد الإسلامي، لم يؤدي في الأشهر الأخيرة إلى إطلاق النار من غزة، وهنّا يمكن الحديث عن عدم رغبة حماس في الدخول الآنّ في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

 لكن أكثر من ذلك تعلمت حماس من حملة حارس الأسوار، أنّه قبل أن تنتقل الأحداث إلى غزة يمكنها أن تجني مكاسب كثيرة من تصعيد أمنّي واسع في الضفة الغربية، وفي شرقي القدس وفي أوساط عرب إسرائيل دون أن تدفع ثمناً في القطاع، منذ أشهر وحماس تشعل المنطقة بتحريض واسع، صحيح أنّها ليست الجهة الرائدة، لكنّها هي التي من المتوقع الآنّ أن ترتفع درجة أخرى في توجيه الشباب في الضفة نحو الإرهاب، وهذا لا يعني أنّ حماس ستتخلى عن الضفة والقدس، هي تحاول على ما يبدو أن تبقى على الجدار، لكنّها تعرف جيداً بأنّها كمن تدعي بأنّها درع القدس والأماكن المقدسة، وإذا انزلق التصعيد إلى أحداث خطيرة في الحرم، فستشتد الضغوط عليها لأنّ ترد وتطلق الصواريخ من غزة.

 وهنا التغيير في صورة الوضع مع القطاع يمكن أن يكون سريعاً، اذا لم ينجح جهاز الأمن في أن يوقف وتيرة الأحداث المتصاعدة في مختلف مدن الضفة والقدس، وهذا الواقع يتطلب السير نحو مستقبل أفضل في إسرائيل بعيداً التهديدات الداخلية والخارجية الخطيرة، فالمطلوب من الحكومة المستقبلية أن تضع على رأس جدول أعمالها خططاً لمواجهة التحديات الداخلية التي تواجه الدولة.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-952908




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية