كيف ستنعكس سياسات اليمين المتطرف في إسرائيل على السلام في الشرق الأوسط؟

كيف ستنعكس سياسات اليمين المتطرف في إسرائيل على السلام في الشرق الأوسط؟

كيف ستنعكس سياسات اليمين المتطرف في إسرائيل على السلام في الشرق الأوسط؟


02/11/2023

منذ هجمات حركة حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات وهجوماً واسعاً داخل إسرائيل، وتتهمه دوائر سياسية عديدة في الداخل بالفشل الأمني والسياسي، وتطالب بإقالة حكومته على خلفية الأزمة، والاعتراف بالفشل والخطأ في السياسات، خاصة ما يتعلق بتوسيع المستوطنات بشكل لا يتناسب مع الاتفاقيات الدولية والقانون.

 وتشير غالبية التقديرات إلى انتهاء المستقبل السياسي لرئيس الوزراء بعد (15) عاماً من الحكم، ويُعدّ بنيامين نتنياهو صاحب أطول مدة في تولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وهو من أشدّ الرافضين لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، كما أنّه من أكثر الداعمين لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية.

هذا التصعيد وتأثيره على السلام في المنطقة، تناوله (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI) في دراسة بعنوان "انعكاسات اليمين المتطرف في إسرائيل على السلام في الشرق الأوسط".

ملفات تهدد مستقبل نتنياهو

وبحسب المركز، فإنّ الخلافات بين نتنياهو والقادة في إسرائيل باتت واضحة جداً، ففي تغريدة نشرها في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادة الأمن بالمسؤولية الكاملة، وربما التقصير في تأدية عملهم، والتسبب في نجاح هجمات حماس.

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات وهجوماً واسعاً داخل إسرائيل، وتتهمه دوائر سياسية عديدة في الداخل بالفشل

وقال في تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية: إنّهم لم يُحذّروه، وبعد (9) ساعات عاد نتنياهو وحذف المنشور الذي أحدث حالة غضب كبيرة داخل الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، واتهم قادة الأمن والسياسة نتنياهو بالتنصل من المسؤولية، وقد ردّ عليه زعيم المعارضة يائير لابيد، وقال: إنّ "نتنياهو تجاوز الخط الأحمر الليلة" بعد كتابة هذه الاتهامات، ويتوجب عليه الاعتذار، وأكد لابيد أنّه بينما يحارب جنود وضباط الجيش، يثير نتنياهو غضبهم بمثل هذه الاتهامات.

وبثت حركة حماس في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 مقطع فيديو ظهرت فيه (3) من الرهائن لدى الحركة، وهاجمت إحداهن بنيامين نتنياهو، واتهتمه بالتقصير في محاولة إطلاق سراح الأسرى، وطالبت بسرعة العودة إلى المنزل مع بقية الأسرى المحتجزين لدى حماس.

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات وهجوماً واسعاً داخل إسرائيل.

 كما وجهت عدة رسائل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي اتهمته بالفشل الأمني والسياسي الذي نتجت عنه عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وأكدت أنّ المحتجزين وجهوا نداءات للجنود والمسؤولين لإنقاذهم، لكن لم يستجب أحد، وقالت: "نحن مواطنون إسرائيليون أبرياء، ندفع ضرائبنا، ومن حقنا توفير الحماية لنا"، واتهمت الجيش الإسرائيلي بقتلهم، وطالبت نتنياهو بالتوقف عن ذلك فوراً، وإعادتهم إلى منازلهم فوراً.

سياسات الاستيطان

(المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI) أشار في الدراسة إلى موافقة لجنة التخطيط الإسرائيلية في القدس في 15 أيلول (سبتمبر) 2023 على خطتين قانونيتين لبناء ما يقرب من (4) آلاف وحدة استيطانية سكنية في القدس الشرقية، وتحقق هذه المستوطنات رؤية حكومة نتنياهو التي تحركها إيديولوجية متطرفة، وفي أعقاب قمة العقبة في شباط (فبراير) 2023، التي جمعت مسؤولين رفيعي المستوى من إسرائيل وفلسطين والأردن ومصر والولايات المتحدة، التزمت إسرائيل "بوقف مناقشة أيّ وحدات استيطانية جديدة لمدة (4) أشهر، ووقف الترخيص لأيّ بؤر استيطانية لمدة (6) أشهر".

ومع ذلك، لم يكن للقمة أيّ قيمة حقيقية، فقد تراجعت تل أبيب على الفور عن وعودها. وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش: "لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير، ولا حتى ليوم واحد".

هجمات حماس جاءت نتيجة طبيعية لسياسات التعصب والغطرسة التي تتبعها حكومة نتنياهو

وردّاً على ذلك، أفاد تور وينيسلاند، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، متحدثاً عبر الفيديو، في 27 أيلول (سبتمبر) 2023، عن استمرار النشاط الاستيطاني من قبل السلطات الإسرائيلية التي قدّمت خططاً لبناء (6300) وحدة سكنية في المنطقة (ج)، وحوالي (3580) وحدة سكنية في القدس الشرقية، مشيراً إلى خطط الحكومة الإسرائيلية التي من المرجح أن تسرع التوسع الاستيطاني، وأضاف: "في اتجاه مستمر، غادر العديد من الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال".

وأشاد قادة المستوطنات بـ (سموتريتش ونتنياهو)، لدفعهما التغيير والموافقة عليهما، ورحبا بعملية الموافقة المبسطة، التي قالوا إنّها ستجعل الموافقة على التخطيط "روتينية"، وتجعل التخطيط للبناء في الضفة الغربية أكثر تشابهاً مع ذلك في إسرائيل ذات السيادة، وفي المقابل، نددت المجموعات المعارضة لحركة الاستيطان بالقرار، قائلة إنّه يشكل المزيد من "الضم الفعلي" للضفة الغربية، وسيسمح بتوسيع المستوطنات دون رادع. "أمن دولي ـ السيناريوهات المتوقعة لهجوم إسرائيل على غزة".

ورفضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 20 حزيران (يونيو) 2023 سياسات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وأصدرت وزارة الخارجية بياناً جاء فيه أنّ "الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء القرار الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية بشأن المضي قُدماً في التخطيط لبناء أكثر من (4) آلاف وحدة استيطانية في الضفة الغربية، ونشعر بالقلق بالمثل إزاء التقارير التي تتحدث عن تغييرات في نظام إدارة المستوطنات الإسرائيلي، ممّا يسرع التخطيط والموافقة على المستوطنات".

انعكاسات سياسة الاستطيان على أمن إسرائيل

الدراسة لفتت أيضاً إلى أنّ أزمة الـ (7) من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فجرت الأصوات التي تحمّل نتنياهو المسؤولية الكاملة عمّا حدث، ورغم أنّ الإخفاق استخباراتي وعسكري، لكنّ كثيرين يرون أنّ هذا لا يعفي نتنياهو من مسؤوليته الشاملة عن الأزمة، كونه المقرر الأعلى في شؤون خارجية وأمن إسرائيل.

ورأى بعضهم أنّ رئيس الوزراء بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة تبنّى "سياسة اليمين 100%"، وهو ما قاد إلى تفجر الأوضاع، ومنح الفرصة لحماس لتنفيذ هجومها المباغت، كما أنّ نتنياهو المتهم بقضايا فساد لا يمكنه الاهتمام بشؤون الدولة، لأنّ المصالح القومية ستُسخَّر، بطبيعة الحال، لإنقاذه من الإدانة والسجن.

تحقق المستوطنات رؤية حكومة نتنياهو التي تحركها إيديولوجية متطرفة

وبحسب أميت سيغال، المعلق السياسي الإسرائيلي، لن يتمكن نتنياهو من إنكار الفشل السياسي، والخطأ في إدارة الصراع مع حركة حماس، الذي أدى إلى تنامي نفوذ الحركة بشكل كبير، كما يشير السياسي الإسرائيلي شلومو بن عمون إلى أنّ التعصب الذي تمارسه حكومة بنيامين نتيناهو اليمينية المتطرفة أدى إلى اشتعال الحرب، وجعل مسألة سفك الدماء أمراً طبيعياً، خاصة أنّها تتبنّى استراتيجية تمنح إسرائل الحق الحصري في كامل الأراضي، وتنسف مبدأ حلّ الدولتين.

ويرى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت أنّ هجمات حماس جاءت نتيجة طبيعية لسياسات التعصب والغطرسة التي تتبعها حكومة نتنياهو، وهي من تتحمل كامل المسؤولية عن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل.

انعكاسات توسع المستوطنات على أمن فلسطين

ووفقاً لما جاء في الدراسة، فإنّ الاستراتيجية التي تتبنّاها إسرائيل تتلخص في مواصلة بناء المستوطنات بشكل مخالف للقانون إلى إثبات "الحقائق على الأرض"، وهي الخطة التي بدأت مباشرة بعد غزو تل أبيب للضفة الغربية وغزة في عام 1967 أثناء حرب الأيام الـ (6).

 ومن خلال هذه الاستراتيجية تسعى إسرائيل لبناء المستوطنات، وزيادة عدد المستوطنين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تتظاهر في الوقت نفسه بجهود صادقة للتوصل إلى تسوية للصراع عن طريق التفاوض، وبمجرد التمكن من بناء ما يكفي من المستوطنات، فهذا من شأنه أن يمنع أيّ عودة إلى حدود ما قبل عام 1967، ويضمن سيطرة إسرائيلية دائمة على فلسطين المحتلة.

رأى بعضهم أنّ رئيس الوزراء، بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، تبنّى "سياسة اليمين 100%"، وهو ما قاد إلى تفجر الأوضاع ومنح الفرصة لحماس

هذا، ويحمّل المجتمع الإسرائيلي نتنياهو المسؤولية كاملة عن الأزمة السياسية والأمنية في البلاد؛ لأنّ ما حدث كان نتاجاً طبيعياً من نهج ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتقوية حركة حماس، عبر إدارة الصراع معها، وغضّ الطرف عن نشاطها، وبالمقابل إضعاف السلطة الفلسطينية بهدف منع إقامة دولة فلسطينية، كما تواجه حكومة نتنياهو انتقادات واسعة بسبب سياسات إضعاف الجيش في الجبهة الجنوبية، وتوجيه التركيز حول المستوطنات، تلبية لطلبات وزراء حكومة نتنياهو من تيار اليمين المتطرف، مثل بن غفير وسموتريتش، الذين يضعون الاستيطان في الضفة في سلّم أولويات الحكومة.

انعكاسات توسع المستوطنات على اتفاقات أوسلو

شهد شهر أيلول (سبتمبر) 2023 مرور (30) عاماً على توقيع اتفاقيات أوسلو، وهي اتفاقية عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلية. وكان من المفترض أن تبشر هذه الاتفاقيات بعصر جديد من السلام، من خلال إرسال الطرفين إلى الطريق نحو الهدف الرئيسي المتمثل في "حل الدولتين"، ومع اندلاع الأزمة الراهنة بين حماس وإسرائيل تبدو الاتفاقية في مهب الريح، أو ربما سقطت بالفعل.

وبعد مرور (3) عقود، أصبح من الواضح أنّ اتفاق أوسلو لم يقدّم سوى القليل من الخير للفلسطينيين، ومن المرجح أن تكون إسرائيل أكثر ارتياحاً للكيفية التي سارت بها الأمور، وفق الاتفاقية فقد عمّقت أوسلو هيمنتها على فلسطين تحت ستار عملية السلام، وجمدت حلّ الدولتين؛ الأمر الذي أعطى المجتمع الدولي الغطاء للإبقاء على الوضع الراهن، وبدلاً من وقف نمو المستوطنات على النحو المنشود، مكّن اتفاق أوسلو إسرائيل من توسيع مشروعها الاستيطاني غير القانوني إلى حدّ كبير، وكان نحو (250) ألف مستوطن يعيشون بشكل غير قانوني في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية عندما تم التوقيع على اتفاق أوسلو في عام 1993، أمّا اليوم، فقد أصبح العدد يزيد على (700) ألف مستوطن، وفقاً للدراسة.

جرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية

"المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات" أكد في الدراسة أيضاً أنّ حرب غزة تسببت في تجدد الضربات على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، ليعود انخراط واشنطن العسكري في الشرق الأوسط، وحمّلت الولايات المتحدة مجموعات مدعومة من إيران مسؤولية ازدياد الهجمات المنفّذة بصواريخ ومسيّرات ويقدّر عددها بنحو (14) على الأقلّ في العراق و(9) في سوريا منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر)، وعلى الرغم من امتلاكها قدرة هائلة على الردّ، إلّا أنّ ردّها العسكري على الهجمات بقي مقتصراً على هذه الضربات التي أفاد البنتاغون بأنّها لم تؤدِّ إلى سقوط ضحايا، على ما يبدو، في مسعى لتجنّب نزاع أوسع نطاقاً.

وتقترب الولايات المتحدة من الاحتمال الحقيقي للغاية للتورط المباشر في حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وقال الباحث الكبير في شؤون الدفاع جيفري مارتيني: إنّ "هناك خطراً كبيراً بالتصعيد بين الولايات المتحدة وإيران؛ نظراً إلى اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وحماس"، سواء بتوجيهات من طهران، أو لاتّخاذ وكلائها قراراً من أنفسهم في هذا الصدد.

وتراقب إدارة بايدن عن كثب تحركات حزب الله في لبنان، ومخاطر أن تضطر إسرائيل إلى خوض حرب على جبهتين؛ ممّا قد يورط الولايات المتحدة في الصراع.

مواضيع ذات صلة:

العدوان على غزة.. قصف متواصل وتحذيرات أممية من ارتكاب إسرائيل جرائم حرب

مجازر ودمار.. حصيلة جرائم العدوان الإسرائيلي على غزة في 25 يوماً

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية