كيف سترد مصر واليونان وقبرص على اتفاقيات الطاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة؟

كيف سترد مصر واليونان وقبرص على اتفاقيات الطاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة؟

كيف سترد مصر واليونان وقبرص على اتفاقيات الطاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة؟


24/10/2022

يبدو أنّ التحركات التركية بشأن تغيير نمط السياسيات الخارجية في الفترة الماضية، لم تخرج عن طور "المناورة السياسية"، كما وصفها مراقبون، فقد عادت أنقرة، بعد أسابيع قليلة من تصريحات متتابعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول أهمية التقارب مع مصر والحوار مع سوريا، عادت إلى السياسات ذاتها التي تسببت في تأجيج الخلافات في السابق، خاصة ما يتعلق بالتحركات الأحادية من جانب تركيا في ليبيا ومياه شرق المتوسط، والتي تُعدّ استفزازاً واضحاً للقاهرة ودول الجوار التركي، اليونان وقبرص.

وقد وقّعت تركيا في 3 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري (3) مذكرات تفاهم مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في مجالات الطاقة والأمن والإعلام، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وفد تركي رفيع المستوى إلى طرابلس، الذي تضمّن كلاً من وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، والدفاع خلوصي آكار، والتجارة محمد موش، والطاقة فاتح دونماز، فضلاً عن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، بيد أنّ أهم هذه المذكرات هي تلك المتعلقة بالسماح لأنقرة بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية، وذلك بعد نحو (3) أعوام من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني السابقة.

 غضب دولي وإقليمي

وقد أثار الاتفاق ردود فعل إقليمية ودولية غاضبة، بحسب دراسة نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحت عنوان "عودة الاستقطاب: تأثير مذكرة الطاقة بين تركيا وحكومة الدبيبة في أزمة ليبيا" للباحث عدنان موسى، فقد عبّرت مصر واليونان عن رفضهما القاطع لتلك الاتفاقيات، وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لا تملك حق إبرام أيّ اتفاقيات دولية أو مذكرات تفاهم، وأعلنت وزارة الخارجية اليونانية أنّ لأثينا حقوقاً سيادية في المناطق التي تنتوي أنقرة التنقيب فيها، وأنّها ستدافع عنها بالوسائل القانونية كافة، سواء على المستوى الثنائي أو من خلال الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

 وأجرى وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في 9 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في القاهرة مباحثات مع نظيره المصري سامح شكري بشأن التحركات التركية الأخيرة في ليبيا، وأشار الوزير اليوناني إلى أنّ المذكرة الموقعة بين تركيا وحكومة الدبيبة غير قانونية، وتمثل انتهاكاً للسيادة اليونانية.

 أثار الاتفاق ردود فعل إقليمية ودولية غاضبة

 ومن جهته، أعرب الاتحاد الأوروبي عن رفضه لمذكرة التفاهم، التي جاءت مستندة إلى الاتفاق الذي وقعته تركيا مع حكومة الوفاق السابقة قبل نحو (3) أعوام، معتبراً أنّها تشكل انتهاكاً لقانون الأمم المتحدة للبحار، والحقوق السيادية لعدة دول، كما دعا الاتحاد إلى ضرورة تجنب أيّ أعمال تهدد الاستقرار الاقليمي، لافتاً إلى أنّ ثمة حاجة إلى نشر تفاصيل أكثر بشأن مضمون هذه المذكرة.

 مصر تحشد لترسيم الحدود مع اليونان وقبرص

الرد المصري لم يتوقف عند حدّ الإدانة والرفض، لكن ثمة تحركات للرد من خلال الدعوة لترسيم الحدود البحرية، بينها وبين قبرص واليونان في البحر الأبيض المتوسط.

 وتحشد مصر التي دخلت في تحالف ثلاثي مع قبرص واليونان حين بدأت تركيا عمليات مسح وتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط مثيرة توترات خطيرة في المنطقة، تحشد من أجل مواجهة ما تعتبره القاهرة وشركاؤها في المنطقة انتهاكات تركية للقانون الدولي للبحار، بحسب موقع "أحوال تركية".

 وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأحد 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين بلاده وكلّ من قبرص واليونان في البحر المتوسط، والمملكة العربية السعودية في البحر الأحمر.

باحث مختص بالشؤون الأفريقية: من المرجح أن تؤدي الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة الدبيبة إلى تعزيز التنسيق بين دول منظمة "غاز شرق المتوسط" للحيلولة دون فرض تركيا لسياسة الأمر الواقع

 

 وقال السيسي خلال المؤتمر الاقتصادي (مصر 2022): "إنّ حقل ظهر للغاز الطبيعي لم يكن ممكناً اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط، والسعودية في البحر الأحمر".

 وأضاف أنّه لولا ترسيم الحدود البحرية، لما تمكنت شركات التنقيب من العمل في هذه المناطق، مضيفاً أنّ "اكتشاف حقل ظهر كان عظيماً، ولولاه لكانت مصر مظلمة".

 ما أبرز الانعكاسات المتوقعة؟

رأى الباحث المصري المختص بالشؤون الأفريقية والمدرّس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عدنان موسى، في دراسته المنشورة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات  المتقدمة، أنّ هناك جملة من الانعكاسات المحتملة لمذكرة التفاهم الأخيرة بين تركيا وحكومة الدبيبة في ليبيا.

 وأبرز هذه الانعكاسات، بحسب موسى، هو تكريس التنافس والاستقطاب الإقليمي، ويتوقع الباحث، في ظل الرفض الواسع لمذكرة التفاهم هذه، أن تواجه أنقرة تحديات كبيرة في منطقة شرق المتوسط، لا سيّما مع الانتقادات الأوروبية والأمريكية الأخيرة، ويبدو أنّ ليبيا ستشكل بؤرة للتنافس الإقليمي الحاد خلال الفترة المقبلة، وتكريس لحالة من الاستقطاب بين دول المنطقة، عبر تشكيل تكتل إقليمي داعم لحكومة باشاغا، مقابل تكتل آخر تقوده تركيا لدعم حكومة الدبيبة.

الرئيس المصري أكد على أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين بلاده وكلّ من قبرص واليونان والمملكة العربية السعودية

 وينوه الباحث إلى أنّه "على الرغم من أنّ التحركات التركية الأخيرة في طرابلس قد تنعكس سلباً على مستقبل التقارب التركي -المصري، الذي كان قد شهد بعض التقدم خلال الفترة الماضية، يرى البعض أنّ أنقرة ما تزال متمسكة بالتقارب مع القاهرة، وربما يدعم هذا الطرح تصريحات المسؤولين الأتراك الذين عمدوا إلى توجيه الانتقادات بالأساس إلى اليونان والاتحاد الأوروبي، رداً على رفضهما لمذكرة التفاهم مع حكومة الدبيبة، بينما تجنبت أنقرة توجيه انتقادات للموقف المصري."

 من ناحية أخرى، ثمة تحذيرات من الانعكاسات المحتملة لتصاعد التوترات الراهنة بين تركيا واليونان، وهما عضوان في حلف الناتو، وهذا ما قد يزيد من حدة الاستقطاب بين دول الحلف، في ظل توقع تصاعد وتيرة الخلافات بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة من ناحية، وتركيا من ناحية أخرى، لا سيّما بعدما كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أعلن مؤخراً نشر طائرات بدون طيار في قبرص التركية، مؤكداً أنّ أنقرة ستعمل على زيادة وجودها العسكري في قبرص، وذلك بعدما رفعت واشنطن الحظر على إمدادات الأسلحة إلى قبرص اليونانية، وذلك في مؤشر ضمني على دعم واشنطن لموقف أثينا في مواجهة أنقرة، في ظل التوترات المتصاعدة بين الجانبين في بحر إيجة، وفق موسى.

عدنان موسى: على الرغم من أنّ التحركات التركية الأخيرة في طرابلس قد تنعكس سلباً على مستقبل التقارب التركي -المصري، الذي كان قد شهد بعض التقدم خلال الفترة الماضية، يرى البعض أنّ أنقرة ما تزال متمسكة بالتقارب مع القاهرة

 

 ومن الانعكاسات المحتملة أيضاً، وفق الباحث، تعميق الانقسامات الداخلية في ليبيا، فقد تؤدي مذكرة التفاهم التركية -الليبية إلى تعميق الانقسامات والتوترات بين الأطراف الليبية، خاصةً مع إعلان غالبية هذه الأطراف رفضهم لهذا الاتفاق، وهو ما ينذر بتأجيج مزيد من الصراعات الداخلية، وعرقلة محاولات التسوية السياسية للأزمة الحالية.

 ويرى الباحث أن هذه الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة الدبيبة قد تؤدي إلى تعزيز التنسيق بين دول منظمة "غاز شرق المتوسط"، فربما تعكس التحركات اليونانية الراهنة والرفض الخارجي الموسع لمذكرة التفاهم التي وقعتها أنقرة مع حكومة الدبيبة، مؤشرات على احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التنسيق بين دول منظمة "غاز شرق المتوسط"، للحيلولة دون فرض تركيا لسياسة الأمر الواقع، وتوقع أن تسعى دول المنظمة لصياغة موقف جماعي تجاه التحركات التركية.

 

مواضيع ذات صلة:

استئناف إرسال مرتزقة بالتزامن مع اتفاقية التفاهم النفطي.. تركيا تصر على التواجد في ليبيا

هل أحكمت تركيا سيطرتها على ليبيا؟

قطر وتركيا في ليبيا: صديقتان دائماً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية