كيف تطوّرت حالات اختطاف المدنيين في السويداء؟

سوريا

كيف تطوّرت حالات اختطاف المدنيين في السويداء؟


02/03/2020

"أرجو من الله أن تروا منشوري هذا، قمتم بسرقة سيارتي وهو أمر قدّره الله لي، ولن أحزن على رزق ما دامت صحتي وصحة عائلتي وأحبتي بخير، فإن أراد الله شيئاً قال له كن فيكون، ولكن أطلب منكم، إن كنتم تملكون المرجلة والنخوة، بأن تحافظوا على الأوراق والثبوتيات والعقود الموجودة بالسيارة، وهي لن تفيدكم بشيء، لكنّها تضرّني وتضرّ أشخاص وضعوا أماناتهم في عنقي، وأنا متأكد أنكم ستجدون الطريقة المناسبة لإرجاعهم. والله ولي التوفيق".
هذا ما نشرته صفحة "شبكة أخبار السويداء S.N.N" على الفيسبوك، بتاريخ 26 شباط (فبراير) من العام الجاري، على لسان المهندس غسان حمد، الذي سرقت سيارته الحديثة من نوع "تويوتا" في مدينة السويداء.

وثّق موقع "السويداء 24" 22 حالة خطف في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري
تعيش محافظة السويداء، منذ عام 2011، حالة من الفلتان الأمني الذي لم يتوقف حتى هذا اللحظة، ولم يقتصر الأمر على سرقة السيارات، بل أيضاً حالات الخطف المستمرة للمدنيين في السويداء، سواء داخل المحافظة أو من خارجها. 
مع بداية شهر شباط (فبراير)؛ وثّق موقع "السويداء 24" 22 حالة خطف في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، وذكر في تقرير أنّ هناك "عصابات وجهات مجهولة" مسؤولة عن "خطف 15 مدنياً في محافظة السويداء، وضابطاً وعنصرين من الجيش والأجهزة الأمنية، فيما كانت عصابات وجهات مجهولة في محافظة درعا، مسؤولة عن خطف مدنيَّين اثنين من السويداء، إضافة إلى عنصرَين من أبناء المحافظة مجندَين في الجيش السوري"، كما سجّل التقرير "إطلاق سراح قسم من المخطوفين مقابل فديات مالية، أو نتيجة تعرض الخاطفين لضغوط من فصائل محلية في بعض الحالات، بينما ما يزال قسم آخر محتجزاً وتطالب الجهات الخاطفة لهم بفدية مالية مقابل إخلاء سبيلهم".
توجيه إنذار إلى العصابات
وبحسب موقع "السويداء 24"؛ عقدت شخصيات دينية وقادة فصائل محلية اجتماعاً في مضافة سلطان باشا الأطرش، في بلدة القريا، تحت اسم "اللجنة الدينية الوطنية في جبل العرب"، التي يترأسها الشيخ فضل الله نمور، إضافة إلى الشيخ مهران عبيد، الذي يتولى قيادة فصيل محلي، وقالت مصادر للموقع؛ إنّ "الحاضرين قرروا بالإجماع توجيه إنذار ومهلة لعصابات الخطف، تنتهي الساعة السابعة من مساء، اليوم الأحد، وطلبوا من كلّ العصابات إطلاق سراح المخطوفين لديهم، وأن يعلنوا توبتهم ويتجنبوا أيّة أعمال مخالفة للعادات والتقاليد والقانون، وقد انتهت المهلة المحددة دون أيّة مبادرة من العصابات"، مضيفة: "الفصائل التي حضرت الاجتماع قررت مواجهة أيّة عصابة تمارس أعمال الخطف، في حال عدم استجابتها للمهلة، والمواجهة ستكون بالنار، معتبرين ذلك خطوة جديّة في سبيل مكافحة جميع الظواهر المشينة والمسيئة للعادات والتقاليد، كما طالب المجتمعون أهالي المحافظة والجهات المعنية بالتعاون معهم".

نسبة كبيرة من أفراد العصابات التي تقوم بعمليات الاختطاف كانوا أفراداً ضمن مليشيات قاتلت إلى جانب النظام السوري

"حفريات" تواصلت مع الناشط ضياء أحمد (اسم مستعار) من مدينة السويداء، والذي عايش عن قرب كيف تطورت أشكال وأساليب الخطف للمدنيين في محافظة السويداء، على مدار التسعة أعوام الماضية.
يقول ضياء: "حالات الاختطاف بدأت منذ عام 2011، ولم تكن عملية الاختطاف قد تطورت للشكل الذي عليه الآن، بأن تكون دوافع الخطف بغرض طلب فدية مادية، بل كانت هناك حالة الخطف والخطف المضاد، على سبيل المثال، حدث ذات مرة أن تمّ اختطاف مجند عسكري من مدينة السويداء من مكان خدمته في مدينة درعا، ليكون الردّ على ذلك عملية خطف أخرى لشخص ما من مدينة درعا، كي يجبروا الجهة التي اختفطت العسكري على تسليمه لأهله".
وأضاف ضياء: "قد تحدث حالة اختطاف مختلفة؛ أن يتمّ اختطاف سائق سيارة أجرة أثناء سفره من مدينة السويداء إلى مدينة درعا، أو إلى منطقة الغوطة، بغرض توصيل راكب إلى هناك، أو إحضاره منها، فيكون الردّ باختطاف أشخاص ينتمون إلى تلك المناطق ويعملون في السويداء، للسبب نفسه، وهو استرجاع شخص ما مخطوف".
بعد اغتيال الشيخ الدرزي وحيد البلعوس، بدأت تتكشف مظاهر الفلتان الأمني في محافظة السويداء

اختطاف تاجر سلاح
يتابع ضياء كلامه: "في شهر أيلول (سبتمبر) 2015، وبعد اغتيال الشيخ الدرزي وحيد البلعوس، بدأت تتكشف مظاهر الفلتان الأمني في محافظة السويداء، المرتبطة بتجارة السلاح والمخدرات، والتجارة في السيارات التي لا توجد لها أوراق رسمية، والتي هي في الأساس مسروقة. في هذه الفترة نشطت عمليات الخطف، التي يكون سببها الأساسي طلب فدية مادية، على سبيل المثال، يأتي تاجر السلاح إلى مدينة السويداء بغرض بيع السلاح لمجموعات وفصائل مسلحة في السويداء، فيبيعهم السلاح، ويتم اختطافه وهو في طريق العودة، لأنّ المجموعات التي اختطفته تكون على علم بأنّ في حوزته مبلغاً مالياً ضخماً، يأخذون منه أمواله وسيارته ومن ثمّ يتركونه".

اقرأ أيضاً: حين عضّ الجوعُ السوريين في السويداء فهتفوا "بدنا نعيش"
ويرى ضياء أنّ حالات الاختطاف تطورت بعد تلك الفترة أيضاً؛ إذ باتت عمليات الاختطاف مدروسة وممنهجة، فيقول: "بدأت العصابات تستهدف شخصيات محددة، سواء كانوا تجاراً أو مهندسين، أو شوام ( من دمشق)؛ أي شخصيات قادرة على تغطية فدية مالية ضخمة، وكان يتمّ استدارج هذه الشخصيات بأسلوب مدروس، على سبيل المثال كانوا يستهدفون المهندسين، بالتواصل مع مهندس ما، وإخباره بأنّ هناك مشروع بناء ضخماً في السويداء، ويرغبون بمهندس لديه خبرة عالية لهذا المشروع، ويلجؤون أيضاً للإعلان عن مشروعهم وحاجتهم للمهندسين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وعندما يصل المهندس إلى السويداء يقومون باختطافه، وطلب فدية مادية مقابل إطلاق سراحه".
إعلان عن حالة خطف وهمية
يقول ضياء: "بعد ذلك ظهرت حالات خطف مفتعلة، فمثلاً؛ يشاع أنّ فلاناً الفلاني خُطف من السويداء، لهدف أن تكون هنا عملية اختطاف مقابلها لمجموعة أشخاص، ويطلبون مقابل إطلاق سراحهم مبلغاً مالياً ضخماً، والشخص الذي يدّعون أنّه مخطوف يكون شريكهم بالعملية، وبعد مرور الوقت يقولون إنّ المبلغ الضخم الذي حصلوا عليه لإطلاق سراح الأشخاص المختطفين، دفعوه فدية لإطلاق سراح الشخص المخطوف سابقاً من قبل جماعات مسلحة أخرى في منطقة أخرى، لنكتشف أنّ الشخص المخطوف صديقهم، أو فرد من أفراد عصابتهم".

هناك حالات اختطاف لأشخاص من خارج سوريا أيضاً
يحكي ضياء أنّ "هناك حالات اختطاف لأشخاص من خارج سوريا أيضاً؛ إذ إنّه، وفي مطلع العام الجاري، تمّ استدراج شابَّين من خارج سوريا، شاب من لبنان وشاب من مصر؛ كان هذا في فترة موسم التفاح؛ تواصلت العصابة مع الشابين، بهدف تصدير التفاح وبيعه خارج سوريا، وكان الشابّان، اللبناني والمصري، يعملان بمجال استيراد الفواكه من سوريا، ولديهما شركة استيراد بين لبنان ومصر، فتمّ استدراجهما إلى مدينة شهبا في السويداء، وعرض أفراد العصابة، الذين ادّعوا أنّهم مزارعون، على الشابين صفقة بيع قرابة الـ 100 طنّ من التفاح، وبسعر مغرٍ، لكن بشرط تأمين شاحنات النقل المخصصة لنقل الفاكهة، بحجة أنّه لا يوجد في مدينة شهبا سيارات نقل كبيرة قادرة على نقل الفاكهة".

اقرأ أيضاً: من وراء تصفية واختطاف ناشطي الحراك الشعبي في العراق؟
وأضاف: "عندما نجحوا باستدراجهم إلى مدينة شهبا، ودخل الشابّان إلى المدينة، انقطع الاتصال من هواتفهم النقّالة، وبالطبع كان مع الشابين سيارة ومبلغ مالي يقدّر بـ 25 ألف دولار و17 مليون ليرة سورية، إضافة لمجموعة هدايا كانا قد أحضراها معهما للأشخاص الذين من المفترض أن يشتروا منهم التفاح؛ أي أنّ الشابّين كانا قادمَين إلى مدينة شهبا بكلّ نيّة طيبة، على اعتبار أنّهما سيتعرفان إلى مزارعين جدد، وقد يكونوا مصدراً مهماً لهم في سوريا، فيما يخصّ استيراد الفاكهة بأسعار مناسبة".
إطلاق سراح مقابل فدية مالية
ويتابع ضياء كلامه: "كانت النتيجة أن وقع هذان الشابان في أيدي العصابة التي خطفتهما، وطلبت من أجل إطلاق سراحهما فدية مالية، لكن بعد فترة أطلقوا سراحهما من دون فدية، لكن في المقابل جرّدوهما من المبالغ المالية التي كانت بحوزتهما، وحصلوا على الهدايا التي كانت معهما، وهي عبارة عن موبايلات حديثة وهدايا تذكارية ثمينة، إضافة إلى ذلك أخذوا منهما سيارتهما".
إلى أيّة جهة ينتمي أفراد العصابات التي تختطف المدنيين؟ طرحنا هذا السؤال في على الناشط ضياء أحمد، في ختام كلامنا معه؛ إذ إنّ أغلب التقارير التي تنشر في المواقع المحلية تشير إلى أنّ هذه العصابات على أنّها "جهات مجهولة".
يجيب ضياء: "أفراد العصابات التي تقوم بعمليات الاختطاف، وبنسبة كبيرة منهم، كانوا أفراداً ضمن مليشيات كانت تقاتل إلى جانب النظام السوري في المناطق الساخنة، سواء في درعا، أو الغوطة (في ريف دمشق)، أو حمص، أو حلب، أو حتى في دير الزور؛ هم من أهالي السويداء، الذي كانوا متطوعين ضمن هذه الميليشيات، مثل "كتائب البعث" و"جيش الدفاع الوطني"، وإضافة لإحدى الفصائل التابعة لـ "الحزب القومي السوري"، وأغلبهم يحملون بطاقات أمنية، منذ عام 2011".
أما على صعيد التدخل الرسمي للدولة في حالات الخطف؛ فقد نشرت صفحة "شبكة أخبار السويداء S.N.N" على الفيسبوك، بتاريخ 24 شباط (فبراير) من العام الجاري، خبراً عاجلاً جاء فيه أنّ هناك "انتشاراً كثيفاً للجيش العربي السوري في محيط مدينة صلخد والبلدات والقرى المحيطة بها، وذلك بعد تمادي عصابات الخطف والقتل، والتي عاثت رعباً وفساداً وفوضى في المدينة وفي المحافظة، في عادات تعدّ دخيلة على صلخد الكرامة والرجولة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية