لم تكن هذه المرة الأولى التي تحجب فيها السلطة الفلسطينية صفحات ومواقع إخبارية فلسطينية؛ ففي عام 2017، تمّ حجب ما يقارب الـ 15 موقعاً إعلامياً، أغلبها مواقع إعلامية تابعة لحركة حماس، والقيادي في حركة فتح، محمد دحلان، وبعد ذلك تمّ إقرار قانون "الجرائم الإلكترونية".
بسام درويش: قرار محكمة صلح رام الله إغلاق 59 موقعاً إخبارياً، جريمة بحقّ حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام الفلسطينية
مؤخراً، ودون سابق إنذار، أو رفع دعوات قضائية، أصدرت محكمة صلح رام الله، وبتوصية من النائب العام الفلسطيني، قراراً يقضي بحجب نحو (59 موقعاً وصفحة إعلامية فلسطينية وعربية)، وذلك استناداً إلى قانون الجرائم الإلكترونية، وقد شكّل هذا القرار صدمة للعديد من الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، واعتبروه تكميماً للأفواه وتقييداً لحرية الرأي.
وتعدّ غالبية المواقع التي شملها قرار الحجب معارضة للسلطة الفلسطينية، ومنها يتبع لحركة حماس، و"التيار الإصلاحي لحركة فتح"، الذي يتزعمه القيادي محمد دحلان، إضافة إلى مواقع إلكترونية وصفحات إخبارية من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، واللافت أنّ قرار الحجب لم يشمل المواقع والصفحات الإسرائيلية مثل المنسق وغيرها".
وقدّم القائمون على تلك المواقع، من خلال الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ونقابة الصحفيين، اعتراضاً على قرار الحجب، واستجابت محكمة صلح رام الله، التي أصدرت القرار، وأحالت المادة (39)، من قانون الجرائم الإلكترونية إلى المحكمة الدستورية، لإعادة النظر به".
المهنية أزعجت السلطة
وفي هذا السياق، يقول محرّر شبكة "قدس" الإخبارية، في حديثه لـ "حفريات": إنّ "شبكة "قدس" الإخبارية وكالة فلسطينية تنقل الأخبار والقضايا الفلسطينية والعربية، وتتمّ مراعاة جميع المبادئ الصحفية خلال النشر، ولدينا سياسة تحريرية مستقلة ومهنية، وهدفنا نشر الحقيقة مهما كلّفنا الثمن، لكنّ هذا الأمر أزعج السُلطات، لذلك تمّ وضع الشبكة ضمن قائمة المواقع التي من المقرَّر حجبها".
اقرأ أيضاً: أشهر أفلام عالجت صراعات الصحافة والسياسة
ويضيف: "الحجب عبارة عن قرار سياسي لمصادرة الحريات والرأي والتعبير، وليس قراراً قضائياً، وهو مخالف لأبسط الحقوق وينتهك كافة المعايير الدولية، فلم يتم تبليغنا بالقرار، وتفاجأنا به عبر الإعلام، ولم يتم مسبقاً الاعتراض على أيّة مواد ننشرها، فهذا القرار يعدّ جريمة بحقّ الإعلام الفلسطيني".
ويواصل حديثه: "في الوقت الذي يكافح فيه المحتوى والإعلام الفلسطيني للبقاء، في ظلّ محاربة الاحتلال الإسرائيلي، وتعاون شبكات التواصل الاجتماعي ضدّه، وحذف الصفحات المناصرة للقضية الفلسطينية، نأسف؛ أن تطلّ علينا السلطة الفلسطينية في قرار قمعي ديكتاتوري لمصادرة الرأي الحرّ، فهذا القرار يهدف إلى إسكات أيّ صوت لا يتبع للسلطة الحاكمة".
تقييد الحريات
ويفيد محرر شبكة "قدس" الإخبارية؛ بأنّ قانون الجرائم الذي استُند إليه لتطبيق الحجب تمّ إقراره بشكل غير دستوري، ودون عرضه على المجلس التشريعي، ودون مشاورة نقابة الصحفيين، أو المؤسسات المدنية، وهو يخالف القانون الأساسي الفلسطيني، ويقيد الحريات لصالح الأمن لملاحقة واعتقال الصحفيين.
أحمد جرار: الحجب عبارة عن قرار سياسي لمصادرة الحريات والرأي والتعبير، وليس قراراً قضائياً، وهو مخالف لأبسط الحقوق
وبحسب جرار؛ فإنّ الشبكة تتعرض باستمرار لتضييق وملاحقات؛ فتعرضنا للحجب، المرة الأولى، عام ٢٠١٧، واليوم، بعد عامين، نتعرض للحجب من جديد.
وفي السياق ذاته، يقول عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين، بسام درويش لـ "حفريات" إنّ قرار محكمة صلح رام الله إغلاق 59 موقعاً إخبارياً، يعدّ "جريمة بحقّ حرية الرأي والتعبير ووسائل الإعلام الفلسطينية، ويوماً أسود في تاريخ الصحافة الفلسطينية، ويناقض تعهدات رئيس الحكومة، محمد إشتيه، بصون الحريات الإعلامية، والدفاع عنها".
ويضيف: "هذا القرار هو جزء من قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يعدّ سيفاً مسلطاً على رقاب الصحفيين، وقرار الحجب هو استخدام لهذا السيف، وتسلطيه بشكل مباشر ضدّ الصحفيين، فإصدار هذا القرار بشكل مفاجئ ودون إعلام أيّة جهة، خاصة نقابة الصحفيين، يعدّ استهتاراً بالنقابة والجسم الصحفي".
اتخاذ الإجراءات القانونية
وفي نظر درويش، فإنّ "قيام النيابة العامة بطلب حجب هذه المواقع يناقض كلّ التعهدات والتفاهمات السابقة مع النقابة، ويحلّل النقابة من أيّة التزامات بهذا الشأن، مضيفاً أنّهم سيتخذون كافة الإجراءات القانونية، وبأقصى سرعة، لاستئناف قرار الحجب، والطعن به وبمشروعيته".
اقرأ أيضاً: 2018 عام أسود على الصحافة في تركيا
من جهة أخرى، يقول الكاتب الفلسطيني، مأمون أبو عامر، لـ "حفريات": إنّ "قرار السلطة الفلسطينية، الذي يقضي بحجب 59 موقعاً إلكترونياً، وبقرار قضائي، عبر النائب العام، شكّل صدمة للجمهور الفلسطيني بشكل عام، والمؤسسات الإعلامية المستهدفة حتى القطاعات غير المستهدفة، فإنّ هذا القرار يشكّل رسالة خطيرة للمواقع الإخبارية، بأنّ أيّ سلوك يعارض السلطة، فإنّ مواقعهم ومؤسساتهم الإعلامية سوف تلقى المصير نفسه".
ويضيف: "قرار الحجب يعدّ تجاوزاً كبيراً من قبل الجهات الرسمية للصلاحيات الممنوحة لها، والتي على رأسها الحفاظ على المصلحة العامة، والتي تتمثل بحقّ المواطنين في الوصول إلى المعلومات، وتعدّ هذه الحملة الأكبر من نوعها، والتي لم یكن لها مبرّر من الناحية العملية، فيجب على السلطة قبل أن تقدم على إغلاق أيّ موقع، أن توجّه إنذاراً للجهات المسؤولة، إن كان هناك ما يضرّ بالمصلحة الوطنية.
التراجع عن القرار
ويتابع: "قد تكون هناك إشكاليات مع بعض المواقع المجهولة، وهذا الأمر تتمّ معالجته بوسائل أخرى، ونحن هنا نؤيد وقف مثل هذه المواقع التي تثير البلبلة في الجمهور فعلاً، وتقدم أخباراً مجهولة المصدر، ويمكن تسميتها "الأخبار الملفقة" (FACK NEWS )، وهذا الوصف لا ينطبق على كثير من المواقع المحجوبة؛ لذلك من الضروري التراجع عن هذا القرار".
ويبيّن الكاتب؛ أنّ تزامن قرار الحجب مع دعوة الرئيس، محمود عباس، لإجراء انتخابات شاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، يثير كثيراً من الشكوك حول الهدف من القرار؛ لأنّ الانتخابات النزيهة تحتاج إلى تكافؤ الفرص بين الأطراف، حتى تحظى بثقة الجمهور الذي من حقّه أن يعرف الحقائق، وأن يكون مطَّلعاً عليها في لحظة الحساب".
اقرأ أيضاً: 3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة
وشدّد على أنّ "قرار الحجب، إن كان يتعلق بنقد أداء السلطة وسياستها العامة، فهذا ما لا يمكن القبول به؛ لأنّ الإعلام هو الوسيلة للتعبير عن المواقف السياسية تجاه أداء السلطة عبر الوسائل القانونية والسلمية، وإغلاق النوافذ القانونية يعني فتح الطريق لقنوات غير قانونية وغير سلمية، ويشكل خطراً على المجتمع الفلسطيني، والقواعد الأساسية في العلاقة بين السلطة والجمهور الفلسطيني".
ويشير أبو عامر إلى أنّ المواقع التي تمّ حجبها لم تكن أكثر ضرراً من المواقع الصهيونية، خاصة المرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية، وعلى رأسها صفحة "المنسّق" التي تضرّ بالمصلحة الفلسطينية، في ظلّ الحديث عن توجه السلطة بالانفصال التام عن دولة الاحتلال.
قضية سياسية
بدروه، يقول معاذ حامد، السكرتير العام لمؤسسة "سكاي لاين" الدولية، إنّ "قرار الحجب يعدّ رأس الجليد لقانون أخطر، وهو قانون الجرائم الإلكترونية الذي يقيد بشكل كبير أيّ رأي يخالف السلطة الفلسطينية، فهذا القرار يعدّ تتويجاً للقانون الذي تمّ سنّه بمعزل عن جميع المؤسسات الحقوقية، والمجلس التشريعي الفلسطيني؛ فهي قضية سياسية بامتياز، كونها تستهدف الآراء المخالفة للسلطة".
ويضيف: "الهدف من قرار الحجب هو قمع الأصوات المخالفة للسلطة الفلسطينية، ولأي رأي آخر مخالف لتوجيهات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فهو يستهدف الحريات العامة من خلال تقييدها، وفرض رقيب ذاتي على كلّ شخص يريد التعبير عن رأيه من خلال السوشيال ميديا، سواء صحفي أو ناشط، أو حتى مواطن".
اقرأ أيضاً: هل يُنفذ قرار المحكمة المصرية بحجب "يوتيوب"؟!
ويتابع: "عندما أوصى النائب العام الفلسطيني بإصدار قرار الحجب، لم يقدم الأدلة الكافية للجمهور الفلسطيني حول مدى إخلال المواقع بالأمن والآداب العامة، ويُمكن أن يستند القرار إلى مجرد انتقادات ذات خلفية سياسية، لبعض المواقع والصفحات التي شملها قرار الحجب".
ويبين السكرتير العام لمؤسسة "سكاي لاين" الدولية؛ أنّ "أغلب المواقع التي تمّ إقرار حجبها هي صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وأنّ وهذا الموقع يستجيب لكثير من الحكومات المتسلطة، والتي تقيد حرية التعبير عن الرأي".
وطالب حامد السلطة الفلسطينية بالوقف الفوري لقرار حجب المواقع الإلكترونية في فلسطين، بذريعة "تهديد الأمن القومي والإخلال بالآداب والنظام العام"، مؤكداً على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحمايتها عبر مواقع الإنترنت، وحقّ التعبير عن الرأي، المكفول في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003.