كيف تبدو فصول أجندة الدور القطري في العراق؟

قطر والعراق

كيف تبدو فصول أجندة الدور القطري في العراق؟


29/04/2018

لطالما وصفتْ الولايات المتحدة الأمريكية دولة قطر بأنّها بيئة متساهلة مع تمويل الجماعات الإرهابية. وتقول الولايات المتحدة إنّ أفراداً في قطر يسهمون على المستوى الشخصي في تمويل تنظيم "داعش" وغيره من أمثاله، لا بل تعتبر واشنطن أنّ هذه الدولة الخليجية لا تبذل جهوداً كافية لوضع حد لهذه الظاهرة. وفي سبيل التأثير في السياسات القطرية، انتهجت الولايات المتحدة مقاربة العصا والجزرة مع حليفتها القطرية؛ بحيث انهالت عليها بالثناء على الأنظمة الجديدة التي وضعتها لمكافحة تمويل الإرهاب، فيما عمدت إلى ردعها في السرّ عن دعم التنظيمات الإرهابية وأحياناً لومها علناً على ذلك. هذا خلاصة ما كتبته لوري بلوتكين بوغارت، زميلة الأبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي نشر كلامها على موقعه الإلكتروني في شهر آب (أغسطس) 2014. وبعد أكثر من ثلاثة أعوام على هذا الكلام يتضح أنّ الشكوك ما تزال تحيط بأجندة السياسة الخارجية القطرية في الإقليم، وقد تبدو الساحة العراقية أنموذجاً يمكن مقاربة الدور القطري من خلاله، وهو ما يسعى هذا التقرير إلى الإضاءة عليه.

 

 

الدوحة واتهامات تمويل الإرهاب
وفي مقابلة صحفية تمّ بثها بتاريخ (20/8/2014) اتهم وزير المساعدة الإنمائية في ألمانيا آنذاك، غيرد مولر، دولة قطر بـ"تمويل" مقاتلي تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في العراق، مضيفاً "من الذي يموّل هذه القوى؟ إنني أفكر في دولة قطر".
بعد ذلك بشهرين اتهم تقرير أعدّه روبرت مينديك بصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية (4/10/2014) مواطنين قطريين بـ"تمويل" جماعات إسلامية متطرفة على صلة بتنظيم "القاعدة" في العراق وسوريا.
تقرير التلغراف: Banker who financed 9/11 mastermind now funding terrorists in Syria and Iraq

وكشف تقرير "التلغراف" عما يقول إنّه مواطن قطري كان أحد ممولي هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وهو من موّل تنظيمات جهادية متطرفة في سوريا بعد أن قامت السلطات القطرية بإطلاق سراحه. وأشار التقرير البريطاني إلى أن خالد محمد تركي السبيعي، (الذي قيل إنه قدم "دعماً مالياً" لخالد شيخ محمد، أحد أبرز منفذي هجمات أيلول/سبتمبر) قد سُجن بتهم هجمات إرهابية في عام 2008 ولكن أطلق سراحه بعد ستة أشهر فقط، واتهم في 2014 بتمويل "إرهابيين" إسلاميين في سوريا والعراق.
وقد كشفت وثائق نشرتها وزارة الخزانة الأمريكية عن وجود صلات بين السبيعي وممول اتُّهم بتمويل فرع تنظيم "القاعدة" الذي خطط لتفجير طائرات مسافرين باستخدام قنابل توضع في عبوات معجون الأسنان، كما قيل.

الولايات المتحدة: إنّ أفراداً في قطر يسهمون على المستوى الشخصي في تمويل تنظيم داعش وغيره من أمثاله

إلى ذلك، كشفت وثيقة من وزارة الخزانة الأمريكية، كما ذكرت "التلغراف"، عن أنّ السبيعي على صلة بشخصين وصُفا بأنهما "إرهابيان، وهما أردنيان، ولكنهما يحملان بطاقة هوية قطرية"، حسب مسؤولين أمريكيين. ويتعلّق الأمر بأشرف محمد يوسف عثمان عبدالسلام الذي ساعد السبيعي في نقل مئات الآلاف من الدولارات إلى تنظيم "القاعدة" في باكستان. ويوصف عبد السلام بأنه الداعم المالي لتنظيم "القاعدة" في العراق و"جبهة النصرة". كما تكشف الوثيقة عن صلات السبيعي بعبد المالك محمد يوسف عثمان عبدالسلام المعروف باسم "عمار القطري"، الذي أرسل، بحسب المسؤولين الأمريكيين، عشرات الآلاف من الدولارات إلى محسن الفضلي، زعيم "جماعة خراسان" في تنظيم القاعدة في سوريا.

تقرير ديلي تلغراف وعلاقة قطر بالعراق وسوريا

وقالت "التلغراف" في تقريرها: "يُعتقد أنّ الفضلي يقف وراء خطة لاستخدام عبوات معجون الأسنان كقنابل لتفجير الطائرات، وتفيد تقارير بأنّه قد قتل في غارة أمريكية على حلب أيلول (سبتمبر) 2014. ويقول تقرير الصحيفة البريطانية إنّ شخصية قطرية رفيعة أخرى هي عبدالرحمن بن عمير النعيمي، وهو مستشار لدى الحكومة القطرية صنّفه الأمريكيون ضمن "قوائم الإرهاب"، وكان متهماً في ذاك الوقت بنقل نحو 1.5 مليون دولار شهرياً إلى تنظيم "القاعدة" في العراق.
تبادل المنافع
وفي سياق تبادل المنافع والمصالح بين الدوحة وطهران من جهة، وبين الدوحة والجماعات المسلحة المدعومة من إيران من جهة أخرى جرى تمرير اتفاق المدن الأربع في سوريا (كفريا والفوعة ــ الزبداني ومضايا) الذي أبرم ربيع 2017، وهو لم يكن ليحصل لولا هذا التبادل؛ الذي لم ينقطع بين الدوحة وطهران، بل اتسع وتعضّد مع أزمة قطر منذ حزيران(يونيو) 2017.
وكانت معلومات من العاصمة العراقية (بغداد) قد تحدثت عن ظروف إبرام اتفاق المدن الأربع، والذي أفضى إلى إطلاق سراح 26 قطرياً في نيسان (أبريل) 2017، بعدما كانوا مختطفين في العراق منذ منتصف كانون الثاني (يناير) 2015. وذكرت المعلومات أنّ القطريين استثمروا كثيراً لإنجاز الصفقة لضمان عودة المخطوفين القطريين إلى الدوحة، وأنّ "حزب الله" اللبناني كان حاضراً ومشرفاً ومتابعاً لتفاصيل الصفقة. وتضيف المعلومات أنّ "كتائب حزب الله- العراق" هي التي تولت لأشهر الوساطة في هذا الصدد.

في سياق تبادل المصالح بين الدوحة وطهران والجماعات المسلحة جرى تمرير اتفاق المدن الأربع 2017 في سوريا

تضارب حول المبالغ
وفي حزيران (يونيو) 2017 أقر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بأنّ بلاده تحتجز مبلغاً كبيراً كانت قطر تنوي دفعه لفصائل عراقية مسلحة متورطة في اختطاف صيادين قطريين. وقال العبادي حينها إنّ البنك المركزي العراقي يحقق في قانونية إدخال طائرة قطرية مبلغ 250 مليون يورو و50 مليون دولار إلى بغداد، من دون إشعار السلطات الرسمية.
وكشف العبادي في ذلك الوقت، في حديثه لصحافيين في مكتبه ببغداد، عن بعض تفاصيل افتداء الصيادين القطريين الذين أفرج عنهم بعد اختطافهم لعام ونيف بالعراق، في منطقة قرب حدود البلاد مع السعودية، ونقلوا إلى إيران.
فيديو العبادي: 

 

 

وتضاربت الأنباء بشأن مبلغ الفدية الذي دفعته قطر للإفراج عنهم. لكن معظم التقديرات، وفق صحيفة "العرب" اللندنية (27/4/2017) تشير إلى نحو مليار دولار دفعت في العراق وسوريا لميليشيات ومنظمات إرهابية. وربطت مصادر صفقة إطلاق سراح الصيادين القطريين بتحرير رهائن عراقيين كانت تحتجزهم جبهة النصرة المقربة من قطر، وتم إطلاق سراحهم في الصفقة ذاتها، مؤكّدة أنّهم مقاتلون في حركة النجباء، أحد فصائل الحشد الشعبي التي تقاتل في سوريا.
وفي مداخلة بتاريخ (9/6/2017) خلال نقاش في مجلس الأمن الدولي حول التهديد الإرهابي، اتّهم نائب السفير المصري لدى الأمم المتحدة، إيهاب مصطفى، دولة قطر بـ"دفع فدية تصل إلى مليار دولار إلى مجموعة إرهابية تنشط في العراق لإطلاق سراح أفراد من أسرتها الحاكمة خُطفوا في العراق خلال مشاركتهم في رحلة صيد". وطالبت مصر حينها الأمم المتحدة بالتحقيق حول ملابسات الفدية الضخمة التي دفعتها السلطات القطر لمنظمات إرهابية.
"فايننشال تايمز": ما أغضبَ السعودية هو ملايين الدوحة لدعم التطرف
وفي سياق البحث عن تفاصيل الدور القطري في العراق وطبيعة الأجندة التي تُحرّك السياسة الخارجية القطرية في بلاد الرافدين، بقيت كثير من تفاصيل الصفقة القطرية وقيمتها الخاصة بتهم دعم منظمات إرهابية في العراق غامضة، لكنّ مقالاً نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ (14/3/2018) أعاد إلى الأذهان وقائع "أكبر فدية في التاريخ تدفعها قطر لدعم الإرهاب"، وذلك تعليقاً على دفع الدوحة مئات الملايين من الدولارات لجماعات إرهابية في العراق مقابل الإفراج عن "رهائن" قطريين. ويعزز ما نشرته الصحيفة الأمريكية ما ذكرته سابقاً "فايننشال تايمز"  في تقرير كتبته قبل أشهر من ذلك إريكا سولومون ونُشر في (5/6/2017) حول فدية دفعتها قطر تقارب المليار دولار لجماعات وأطراف عديدة: شيعية وسنية وإيران و"حزب الله".
تقرير فايننشال تايمز عن بي بي سي:  فدية بمليار دولار أججت الخلاف بين قطر ومنافسيها الخليجيين

وفي تقرير آخر لـ"فايننشال تايمز" الذي كتبه بتاريخ (6/6/2017) سيمون كير، يرى فيه، وفق ما جاء في عرض "بي بي سي" له أنّ ما حرّك المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات المتحدة والبحرين لقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في حزيران (يونيو) الماضي وإغلاق الحدود معها والأجواء والموانئ بوجه وسائل نقلها، كان فدية بمبلغ مليار دولار قدمتها قطر لتحرير أعضاء في عائلتها الحاكمة كانوا في رحلة لصيد الصقور واختطفوا في العراق.

ونقل سيمون كير عن أشخاص، قال إنهم على صلة بالصفقة التي تمّتْ في نيسان (أبريل) 2017، قولهم إن ما أغضب السعودية وحلفاءها هو دفع الدوحة لفدية إلى جماعة مرتبطة بتنظيم "القاعدة" تقاتل في سوريا وإلى رجال أمن إيرانيين. وقالت الصحيفة إنها تحدثت إلى أشخاص من كل الأطراف المشتركة في صفقة إطلاق سراح الرهائن، من بينهم مسؤولان حكوميان وثلاثة قياديين من الميليشيات الشيعية العراقية وشخصيتان قياديتان في المعارضة السورية. وذكرت "فايننشال تايمز" أن مبلغ 700 مليون دولار دفع إلى شخصيات إيرانية وميليشيات محلية تدعمها إيران، لتحرير القطريين الـ 26 المختطفين في العراق.  كما دفعت الدوحة، وفق فايننشال تايمز"، من 200 إلى 300 مليون دولار إلى جماعات إسلامية في سوريا، ذهب معظمها إلى جماعة "فتح الشام"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، مقابل إطلاق سراح 50 مسلحاً شيعياً كانوا في قبضتهم.

 

 

وجدنا الغطاء!
ونقلت "فايننشال تايمز" عن دبلوماسييْن لم تسمهما قولهما إنهما يعتقدان أنّ محفّز اختطاف القطريين كان لإعطاء "حزب الله" اللبناني وإيران ذريعة للتفاوض لإطلاق سراح مقاتلين شيعة محتجزين لدى جماعة "فتح الشام" السنية المتشددة في سوريا، التي كانت تعرف سابقاً باسم "جبهة النصرة"، وتمثل فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا. ويضيف الدبلوماسيان أنّ الصفقة شملت اتفاقاً منفصلاً لتسهيل إجلاء بلدتين يحاصرها مسلحو المعارضة السورية (الفوعة وكفريا) مقابل أخريين يحاصرهما مسلحون شيعة (مضايا والزبداني). ونقلت الصحيفة البريطانية عن دبلوماسي غربي قوله "لقد ظلت قطر وإيران تبحثان لوقت طويل عن غطاء لعقد هذه الصفقة، وقد وجدتا ذلك أخيراً" في المدن الأربع.
"نيويويرك تايمز": كثير من الدماء على أيدي قطر
أما مقال "نيويورك تايمز"، الذي كتبه روبرت أف وورث، فكشف عن محاولة قطر إدخال 360 مليون دولار في حقائب سوداء عبر طيرانها إلى مطار بغداد. كما وثق مقال الصحيفة الأمريكية الاتصالات القطرية مع الجماعات المتطرفة وتمويلها لهم بمئات الملايين من الدولارات التي ذهبت إلى الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" و"جبهة النصرة"، وهو ما يدفع إلى مطالبة الدوحة مجدداً بكشف الحقائق حول المبالغ التي دفعتها لتمويل جماعات إرهابية.
تقرير نيويورك تايمز: Kidnapped Royalty Become Pawns in Iran’s Deadly Plot
وتقول "نيويورك تايمز" في تقريرها: "إذا كان القطريون قد دفعوا ما يقرب من 400 مليون دولار إلى كتائب حزب الله في العراق (جماعة أدرجتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية)، فمن شأن ذلك أن يضع الكثير من الدماء على أيديهم، وعلاوة على ذلك، إذا تم دفع المال عن طريق بيروت، فمن المنطقي جداً افتراض أن حزب الله اللبناني (الذي تم إدراجه أيضاً كمجموعةٍ إرهابيةٍ) قد حصل على نصيبه منها. إن مبلغ 50 مليون دولار المدفوع إلى جبهة النصرة (الموضوعة على قائمة الإرهاب) وأحرار الشام، أمرٌ مزعجٌ أيضاً، على الرغم من أنّ تلك الجماعات تُشكل تهديداً في الغالب لنظام الأسد وحلفائه، وليس للغرب".

تقرير نيويورك تايمز وعلاقات قطر بجماعات إسلاموية

الصفحة الرئيسية