كيف بدأت مسارات التطرف الجهادي عند شباب الأحياء الشعبية التونسية؟

كيف بدأت مسارات التطرف الجهادي عند شباب الأحياء الشعبية التونسية؟

كيف بدأت مسارات التطرف الجهادي عند شباب الأحياء الشعبية التونسية؟


06/09/2023

تحولت بعض الأحياء الشعبية في العاصمة تونس، "عشرية" حكم حركة النهضة الإخوانية، إلى حاضنة لجماعات "جهادية" تستهدف ضرب كيان الدولة، بحسب آراء متطابقة لخبراء الجماعات الإسلامية، إذ كثيراً ما أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيكها خلايا نائمة لجماعات متطرفة بأحياء شعبية متاخمة للعاصمة تونس، مثل حي رواد والتضامن والمنيهلة ودوار هيشر وحي الخضراء وغيرها.

وينتمي أبرز منفذي الهجمات المسلحة إلى أحياء شعبية فقيرة، على غرار ياسين العبيدي أحد منفذي الهجوم على متحف باردو الذي كان يقطن مع عائلته في حي العمران الأعلى وسط العاصمة.

من هذا المنطلق سعى الكاتب التونسي جهاد الحاج سالم من خلال ورقة بحثية، نشرها المركز العربي لدراسات التطرف، بعنوان "فهم مسارات التطرف الجهادي عند شباب الأحياء الشعبية التونسية"، إلى فهم سياق معيشهم اليومي، الذي قال إنّه معيش مطبوع بتوتر صارخ بين شعور الإقصاء والإذلال من جهة، وشعور بالسخط والاحتجاج من جهة أخرى.

التحول عبر الجسد إلى "مسلم فائق"

انطلقت الورقة البحثية من تعريف المحلل النفساني فتحي بن سالمة للجهادي، الذي قال: إنّه "مسلم فائق"، لا يكتفي بأن يكون كأيّ مسلم، بل يرى ضرورة إظهار ذلك، وتبليغه عبر الرموز الخارجية والمغالاة السلوكية والتعبدية.

وأكد الكاتب أنّه عبر الانغماس في الساحات المحلية التي شكلها التيار الجهادي في بعض الأحياء الشعبية، تمكن من ملاحظة عدد من الممارسات الجسدية التي يتميز بها الشبان الجهاديون، وهي ممارسات تشكل نمطاً سلوكياً متميزاً عن النمط السلوكي المطبع فيه المجتمع التونسي.

الكاتب التونسي جهاد الحاج سالم

ورأى أنّ جل الشباب الجهادي يشترك في أسلوب مظهري سمته إطالة اللحية وحفّ الشارب، لكن مع الاختلاف في التعامل مع الشعر مع تجنب التصفيفات العصرية.

كما لاحظ ارتداء الكثير من الشبان الجهادي ما يُسمّى في "الصحافة السيارة" بـ "اللباس الأفغاني"، وهو من النوع الذي يسهل الحصول عليه من الأسواق الشعبية، إضافة إلى "عراقية" أو كوفية أو بزة على الطراز الأفغاني، تُستعمل في تغطية الرأس.

ولاحظ الحاج سالم أيضاً أنّ الشباب الجهادي يستعمل نوعاً خاصاً من العطور يسمونه "الطيب" أو "العطر"، يجلب عادة من المدينة المنورة وباكستان والهند، أو يُصنع في المنازل وبعض المحلات الخاصة، وذلك لاعتقادهم أنّ رائحتها مطابقة أو قريبة لرائحة أهل الجنة.

إلى ذلك، يتكنّى عدد من الشباب الجهادي بكنية مضافة إلى اسمه الفعلي، وتكون عادة في صيغة "أبو فلان"، وهي في نظرهم سُنّة مستحبة أوصى بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من باب التشبه بالصحابة.

كثيراً ما أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيكها خلايا نائمة لجماعات متطرفة بأحياء شعبية متاخمة للعاصمة تونس، مثل حي رواد والتضامن والمنيهلة ودوار هيشر

وتشير الورقة البحثية إلى أنّ الشباب الجهادي يرتب معيشه اليومي طبقاً لزمنية مخصوصة؛ فأغلب عوائده اليومية يرتبها بالنظر إلى فاصلة زمنية، هي وقت الصلاة.

إلى جانب ذلك، يُعتبر اكتساب القوة الجسدية استعداداً لخوض الجهاد أمراً أساسياً في تعليمات الحركات الجهادية، وذلك من خلال حلقات التدريب على الفنون القتالية التي ينظمها الشبان الجهاديون في عدد من المساجد والمنازل وقاعات التدريب الخاصة.

ومن بين العديد من الرياضات القتالية التي يتدرب عليها الشبان الجهاديون، برزت رياضة "الزمقتال" بوجه خاص، وهي فن قتالي فردي ادّعى الشيخ "المنصف الورغي"، مدرب الفنون القتالية المعروف بتوجهه الإسلامي ابتداعه، استناداً إلى التعاليم الروحية الإسلامية.

التحول الجوهري إلى مسلم فائق

وتُعدّ "الوصمة السلبية" من أبرز وجوه وضعيات الإقصاء الاجتماعي التي يعيشها شباب الأحياء الشعبية التونسية، التي تتعلق  بهويتهم  الذاتية.

ويتأتى جزء مهم من هذه الوصمة من هويتهم الجماعية بوصفهم من سكان حي شعبي، وعموماً تتشكل هذه الوصمة العالقة بالأحياء الشعبية في تونس من (3) أبعاد أساسية؛ وهي: الجريمة والعنف وظروف العيش المتدنية.

وعموماً، فإنّه بقدر ما يُعتبر تراكم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية مهمّاً في فهم موقع الأحياء الشعبية ضمن التكوين الحضري لمدينة تونس، فإن ّ هذه المعطيات تنبهنا إلى أنّ الرموز والصور السلبية مهمّة بدورها في تشكيل هذه الجغرافيا الاجتماعية المخصوصة.

يتكنّى عدد من الشباب الجهادي بكنية مضافة إلى اسمه الفعلي، وتكون عادة في صيغة "أبو فلان"

وبحسب الدراسة، فإنّ هذه الصور والرموز تنخرط عبر تراكمها في شكل وصمة جامعية سلبية ضمن أولويات الإقصاء التي تجعل من الأحياء الشعبية مناطق نبذ حضري، وهي وصمة ترزح بقوة على معيش سكان الأحياء الشعبية، وتساهم في إنتاج أشكال التمييز المادي التي يعانونها.

واعتبرت الدراسة أنّ العالم الاجتماعي يمثل بالنسبة إلى فئات واسعة من الشباب التونسي، بفعل الهشاشة الاقتصادية وانحصار دوائر الإدماج وتعطل أولويات الصعود الاجتماعي وموروث الاستبداد السياسي الكاسح، كلية ساحقة يختبرون تحت وطأتها نفي الاعتراف في شكله الجذري، إلى حدّ أن يصير عالماً لا يقدر فيه على البقاء سوى البطل.

الجهادي هو "مسلم فائق"، لا يكتفي بأن يكون كأيّ مسلم، بل يرى ضرورة إظهار ذلك وتبليغه عبر الرموز الخارجية والمغالاة السلوكية والتعبدية

ويغدو الانضمام إلى الفيالق الجهادية والدفاع عن إسلام "قوي وقاهر" نمط بقاء ووهماً هستيرياً بالاندماج ضمن فضاء يحمي ويرتق نرجسية مفتوقة، بحسب الدراسة. وإذا كان هذا المسلم الفائق يتمثل نفسه بطلاً، إلّا أنّه بطل سلبي بتعبير فرهاد خورسوخوفار؛ أي إنّ بطولته ليست بطولة إيجابية، تتأتى من سعيه للاندماج في المجتمع والنجاح ضمنه، ونيل تقديره الإيجابي، بل هي بطولة سلبية تتأتى من سعيه إلى إخضاع المجتمع لإرادة تفوقه على إرهابه، لذلك فإنّه كلما زاد كره المجتمع له، تعزز إحساس البطل السلبي بالتفوق.

كما لاحظت الدراسة البحثية التي أجرت عملاً ميدانياً، وحوارات مع عدد من شبان الأحياء الشعبية، أنّه لم يكن من باب المصادفة أن يكون مصطلح "الحقرة" أكثر المصطلحات استخداماً لدى ساكنة الأحياء الشعبية لوصف وضعيات الإقصاء الاجتماعية التي يعيشونها.

وأبرزت لقاءات كاتب الدراسة بهؤلاء الشبان أنّ اللقاءات اليومية والعادية بأعوان الشرطة انتهت أغلبها بتجربة احتقار يتزاوج فيها شكلان؛ وهما نفي الاعتراف، ونفي الحقوق والاعتداء الجسدي، وذهب الكاتب من خلالها إلى طرح فرضية مفادها أن ّمسارات التطرف الجهادي لشباب الأحياء الشعبية التونسية تمثل مسارات تحول جوهري يرتقون عبرها أنطولوجياً من وضعية إذلال إلى وضعية تفوق مبني على الاعتقاد في الانتماء إلى نخبة دينية مصطفاة، يؤدي ضمنها مفعول القوة الرمزية التي تتوفر عليها الطوبى الجهادية دوراً مهمّاً.

مواضيع ذات صلة:

الجماعات الجهادية.. هل انتهى زمن "التوحش"؟

كيف طوّر الإرهابيون الجهاد البحري؟ ولماذا؟

الدعاية الجهادية: تنظيم الخطاب الأصولي للإرهاب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية