كيف طوّر الإرهابيون الجهاد البحري؟ ولماذا؟

الإرهابيون وتطوير الجهاد البحري

كيف طوّر الإرهابيون الجهاد البحري؟ ولماذا؟


20/02/2023

يتناقل الإرهابيون الآن أنّ الحرب الروسية الأوكرانية دلّلت على أهمية اصطياد السفن، وتطوير الجهاد البحري ليدخل إليه مجال الغواصات الصغيرة والكوماندوز البحريين، وتطويرات أخرى تجعل حربهم أكثر فاعلية.

تاريخ من الإرهاب البحري

لقد بان في رسائل أبوت أباد، التي وجدت في البيت الذي قتل فيه زعيم القاعدة أسامة بن لادن مجموعة من الرسائل أولى فيها أهمية للسيطرة على الموانئ البحرية، ودعا فيها إلى الجهاد البحري.

وفي 12 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000 هاجم انتحاريان في زورق محمَّل بالمتفجرات السفينة "يو إس إس كول" بميناء عَدن اليمني، فقتلوا (17) بحّاراً أمريكياً، وأصابوا (39) بجروح، وألحقوا أضراًراً بالسفينة بلغت قيمتها (250) مليون دولار، واستغرق إصلاحها فيما بعد (14) شهراً.

أمّا في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2002م فقد اصطدمت ناقلة النفط الفرنسية العملاقة "ليمبورغ" بزورق محمَّل بالمتفجرات في خليج عدن أيضاً، ممّا أسفر عن تفجير (90) ألف برميل، ومقتل أحد أفراد الفريق وإصابة (12) آخرين، وذكرت تقارير أمنية أنّ تنظيم القاعدة استخدم سفناً لنقل الأسلحة والمتفجرات والإرهابيين والأموال الخاصّة بالعملية من منطقة إلى أخرى.

وتبنّت في 27 آذار (مارس) 2021 حركة الشباب الصومالية مقطعاً مصوّراً لزعيمها أبي عبيدة أحمد عمر، يطالب فيه أعضاء الحركة بوضع القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية في جيبوتي في أولوياتهم وعملياتهم.

التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما (القاعدة وداعش)، أعطت أولوية كبيرة لما يُسمّى الجهاد البحري

كما وقع اختطاف سفينة مملوكة لكينيا عام 2014 من قبل حركة الشباب، فرع القاعدة الصومالي، وتم فيها احتجاز (11) بحاراً من جنسيات مختلفة كرهائن.

وفي الأعوام الـ (3) الأخيرة حدث تطور غير اعتيادي في مستوى العمليات البحرية وسيطرة التنظيمات على الموانئ، وهذا ما ظهر في تمدد جغرافية الإرهاب واتجاهاته الساحلية، واستخدامه المجال البحري وسيلة لشنّ هجمات على أهداف برية.

مسارح الجهاد البحري

إنّ التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما (القاعدة وداعش)، أعطت أولوية كبيرة لما يُسمّى الجهاد البحري، لذا فقد اتسعت خلال الأعوام الـ (3) الأخيرة أماكن السيطرة البحرية للإرهابيين، ففي الصومال على الجانب الأفريقي من ناصية المحيط الهندي مع البحر الأحمر، تقوم حركة الشباب في الصومال بالعديد من الاشتباكات البحرية، وتستخدم صواريخ "بر/ بحر"، وتستخدم بعض الموانئ لنقل الأسلحة من وإلى الصومال واليمن.

ويُعتبر خليج غينيا من المراكز المهمّة لانتشار الإرهاب البحري لداعش والقاعدة، وأيضاً لانتشار ونقل المخدرات شمالاً عبر الصحراء الكبرى بفضل شبكات ضخمة موالية لبوكو حرام في نيجيريا والقاعدة في المغرب الإسلامي في مالي وموريتانيا، وأيضاً ليبيا عبر بعض الميليشيات التي تتولى تأمين وصول المخدرات إلى السوق الأوروبية.

بان في رسائل أبوت أباد، التي وجدت في البيت الذي قتل فيه زعيم القاعدة أسامة بن لادن، مجموعة من الرسائل أولى فيها أهمية للسيطرة على الموانئ البحرية

وقد تصاعدت عمليات الإرهاب البحري والهجمات على ناقلات النفط والمنشآت النفطية البحرية في خليج غينيا، في ظل الهشاشة الأمنية وتصاعد عمليات القرصنة، وهجمات سرقة النفط الخام من الناقلات وخطوط الأنابيب من أجل نقله بشكل غير قانوني إلى مصافي تكرير النفط، وذلك وفق التقرير الذي نقلته شبكة "سي إن إن".

وتعمل الجماعات الإرهابية على تعزيز نفوذها، في ظل القلق المتزايد بشأن امتداد الأنشطة الجهادية تجاه الدول الساحلية في منطقة خليج غينيا، وخاصةً دول غانا وساحل العاج (كوت ديفوار) وتوجو وبنين، كأولوية للتوسع الاستراتيجي واستهداف الوصول إلى البحر.

وشهد عام 2021 تصعيداً في أعمال العنف من قِبل تنظيمي القاعدة وداعش على طول الحدود الشمالية لدولتي (بنين وتوجو)، مع تسلل خلايا متشددة حتى دول غانا وساحل العاج، عبر استخدام قوارب الصيد، وصولاً لأسلحة متطورة وسفن بخارية للوصول إلى أهدافهم بشكل سريع.

يتيح الجهاد البحري التدريب وتبادل الخبرات القتالية عن طريق الانتقال عبر المدن الساحلية

وأوضحت دراسة أصدرها معهد الدراسات الأمنية "آي إس إس أفريقيا" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أنّ منطقتي كيدوغو وتامباكوندا بجنوب شرق السنغال، المتاخمتين لمنطقة كايس في مالي، تتعرّضان لضغوط أمنية متزايدة، لوقوعهما في مرمى نشاط التنظيمات الإرهابية في مالي ومنطقة بحيرة تشاد، عبر الهجوم بالسفن والزوارق.

من هنا، فإنّ أهم المسارح لعمليات الجهاد البحري هي في خليج عدن عبر الإرهاب القادم من اليمن، أو القراصنة المنتشرين في البحر، وأيضاً من حركة الشباب، التي أولت الاهتمام الكبير لهذا النوع من الإرهاب.

أهم المسارح لعمليات الجهاد البحري هي في خليج عدن، عبر الإرهاب القادم من اليمن، أو القراصنة المنتشرين في البحر، وأيضاً من حركة الشباب التي أولت الاهتمام الكبير لهذا النوع من الإرهاب

ويليها في الأهمية خليج غينيا، ثم الإرهاب البحري في بحيرة تشاد، حيث تكثر في المنطقتين كلتيهما العمليات الإرهابية، ونقل الأسلحة والمخدرات.

الاهتمام بتطوير الجهاد البحري

يقول المنظّر الجهادي أبو الوليد مصطفى حامد في موقعه الذي يصدر من طهران (مافا السياسي): لقد استُخدِمت ضد السفن الروسية بعض الصواريخ وحققت فيها إصابات، وهذا يفتح احتمالاً لرفع روسيا الحظر عن صواريخها البحرية، لصالح القوى الإسلامية المشتبكة مع أمريكا وإسرائيل وأعوانهما، وذلك يهم مجاهدي الصومال واليمن ولبنان، لإيجاد مقاومة بحرية إسلامية جهادية مشتركة من اليمنيين والصوماليين.

ما سبق يدلل بوضوح على التوجهات المقبلة لهذه التنظيمات نحو التركيز على البحار لتحقيق عدة مصالح وأهداف أهمها:

أوّلاً: تمويل عملياتها الإرهابية عبر التهريب عن طريق البحر؛ فالجماعات الإرهابية في شرق أفريقيا وموزمبيق تمول جزءاً من أنشطتها عبر التهريب البحري، الذي يشمل المخدرات والأسلحة والبشر وكذلك المواد الغذائية والفحم، وعلى سبيل المثال نجحت حركة الشباب في زيادة دخلها عبر عمليات الابتزاز وفرض الضرائب غير المشروعة على ميناء مقديشو ومن الأعمال المستقلة المرتبطة به، فمثلاً تحصل الجماعة على بيانات الشحن التي تسمح لها بفرض رسوم على الشركات، والتي تقدّرها بنحو (100) دولار لكل حاوية، و(160) دولاراً للحاويات الأكبر، وذلك تحت التهديد بالعنف، وتقدّر أرباح الحركة الصومالية المتطرفة بنحو (7) ملايين دولار كل عام من الجرائم البحرية، ويأتي داعش بعدها بعد أن ثبّت أقدامه مسيطراً على مدينة قندلة الصومالية الساحلية الشمالية.

يُعتبر خليج غينيا من المراكز المهمّة لانتشار الإرهاب البحري لداعش والقاعدة

ثانياً: يتيح الجهاد البحري التدريب وتبادل الخبرات القتالية عن طريق الانتقال عبر المدن الساحلية، وعلى سبيل المثال تنظيم داعش الذي قام بتوصيل موارد إلى فرعه باليمن، وشملت أسلحة ومقاتلين، وسمح للمدربين ذوي الخبرة بتدريب عناصره في الصومال وتعليمهم بعض التكتيكات والمهارات التي جرى تطويرها أثناء الصراع اليمني، ورغم طرده من قندلة استمر التنظيم في جلب الأسلحة والمقاتلين، وغالباً عبر شبكات التهريب وإبرام اتفاقيات مع السكان المحليين.

ثالثاً: الوصول إلى مناجم الذهب والألماس ونقل المخطوفين وتهريب العناصر والانتقال الجغرافي عبر مناطق التوتر، وهذا بعض ممّا يسمح به الجهاد البحري.

ومن ثمّ، فقد رأينا القاعدة، خاصة حركة الشباب الصومالية، وتنظيم داعش في غرب أفريقيا، يوليان الاهتمام بتدريب بعض عناصرهم على الغوص القتالي، والقرصنة، وقيادة السفن، لتحديث قدراتهم القتالية البحرية باستمرار؛ ليكونوا جاهزين لتنفيذ هجمات بحرية، وهو ما يعطي أولوية للتنسيق الأمني، وتكثيف العمل الاستخباري لمواجهة هذا التطور الكبير في قدرات التنظيمات المتطرفة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية