الجماعات الجهادية.. هل انتهى زمن "التوحش"؟

الجماعات الجهادية.. هل انتهى زمن "التوحش"؟

الجماعات الجهادية.. هل انتهى زمن "التوحش"؟


18/06/2023


اعتمد الجيل الأول من الجماعات الجهادية على (نظرية القتال المحلي)، ثم انتقل الجيل نفسه، أو جزء منه إلى ما يُسمّى (القتال التضامني مع المستضعفين)، فذهبت مجموعات منه إلى أفغانستان، والبوسنة، والشيشان، والصومال... إلخ، وهناك تطورت وتحولت الأفكار، وساهم كثيرون ومنهم (أبو مصعب السوري)، ثم (أبو عبد الله المهاجر - مصري)، و(عبد الله العدم - مصري)، في نشأة نظريات (التوحّش) أي الفوضى وصناعتها وإدارتها، لكي يتم من خلالها (التمكّن)، أي السيطرة على الأرض، لكن بعد أن انتهى زمن الربيع العربي، وبدأت أماكن التوتر الرئيسية في البحث عن استقرارها، هل انتهى زمن هذا التوحّش؟.

 مقصد التوحّش

كانت استراتيجية القاعدة القديمة هي إقامة الخلافة في عام 2022 بعد نجاح خطتها التي تحدث عنها الضابط المنضم للتنظيم محمد مكاوي، وهي استفزاز الفيل الأمريكي، ومن ثم احتلاله لدولة إسلامية، وساعتها سيسهل تجنيد العناصر لمقاومته وتوريطه في حرب طويلة الأمد، وبعدها إثارة الفوضى في المنطقة، وإقامة دولة الخلافة!

 عبّر أبو بكر ناجي في كتابه "إدارة التوحش" وشرحها بالتفصيل، فقال: إنّها ستكون عبر (3) مراحل؛ هي: "النكاية"، و"التوحش"، المقصود به الفوضى، ثم "إدارة التوحش"، بمعنى إدارة المناطق التي تمّت السيطرة عليها، وهي المرحلة الأخيرة التي سينتقل بعدها التنظيم إلى احتلال البلاد المجاورة، أو يوجه هجماته منها إلى أنظمة حاكمة قريبة عبر المرحلة الثانية وهي النكاية والإنهاك، حتى يأتيها التمكين والمجموعات المسلحة من الخارج، وهذا إلى حدٍّ قريب ما نجحت فيه تنظيمات السلفية، مشيراً إلى أنّ التنظيم سيسيطر عبر الجماعات المتحالفة معه على منطقة، تكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان، منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، ممّا يجعل أهلها الأخيار يتعطشون للقاعدة لكي تحكمهم.

أبو مصعب السوري

قال ناجي في كتابه: "إنّها ليست فوضى، بل هي توحش؛ لأنّها ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني من الفوضى أو مجموعة من الجيران في حي أو منطقة سكنية، أو حتى مجتمعاً مسالماً يعانون منها، لكنّها طبقاً لعالمنا المعاصر ولسوابقها التاريخية المماثلة، وفي ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية، وفي ظل الصورة التي نتوقعها، يكون الأمر أعمّ من الفوضى، ممّا يجعل العقلاء يقبلون أيّ تنظيم من الأخيار أن يدير هذا التوحش، بل يقبلون أن يدير هذا التوحش، قبل أن تتحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش".!

التوحّش هو استراتيجية عسكرية تعمل على تشتيت جهود وقوات العدو، واستنزاف قدراته المالية والعسكرية، واستراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين؛ فئة الشعوب، بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للتنظيمات، والفئة الثانية جنود العدو

 

 وفي كتابه "حرب العصابات" وضع (أبو عبيدة البنشيري ـ مصري، المؤسس الرئيسي لتنظيم القاعدة) قبل غرقه في بحيرة فكتوريا، خطة مفادها أنّ الفكرة الجهادية هي الأساس في الاستراتيجية، وبعدها تأتي بيعة الفرد للتنظيم، ليكون عضواً في خلية أو سرية، ثم يتم ربط كل أطياف الخلايا والسرايا والجماعات بـ (3) روابط؛ هي: الاسم المشترك والبيعة، والعقيدة المشتركة، والهدف المشترك، عن طريق نشر فكر الجهاد المسلح، وتعبئة الشباب، وتوجيههم إلى ضرب الأهداف المعادية، وذلك لتحقيق المردود السياسي والهدف، ثم إرشاد الشباب إلى أن تعدّ كل مجموعة نفسها بنفسها، على ما يلزم من العمل العسكري، بدءاً من أساليب المقاومة الشعبية وانتهاءً بالعمليات الاستراتيجية المعقدة، ومروراً بكل أشكال ومستويات عمليات العصابات، سواء كانت في المدن أو الأرياف، وعلى هذا تتكون كل سرية من فرد أو أكثر، وتكون وحدة مستقلة يرأسها أميرها ويدبر شؤونها، وتتجه للعمل العسكري مباشرة ولا تتجه لأيّ شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية، بل تختار هدفها وتهاجمه، وتبلغ أيّ وسيلة إعلام باسمها الخاص الذي اختارته، وتعلن مسؤوليتها عن العمل الذي قامت به.

 لخّص البنشيري خطته فى نقاط محددة؛ وهي: استراتيجية عسكرية تعمل على تشتيت جهود وقوات العدو، واستنزاف قدراته المالية والعسكرية، واستراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين؛ فئة الشعوب، بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي والتعاطف السلبي ممّن لا يلتحق بالصف، والفئة الثانية جنود العدو أصحاب الرواتب الدنيا لدفعهم إلى الانضمام لصفنا، أو على الأقل الفرار من خدمة العدو.

 كانت مراحل خطة البنشيري هي: سياسة دفع الثمن، والتي تعني جعل الأنظمة تدفع الثمن إن فكرت في أي عمل إجهاضي لهم. وتحقيق الشوكة، أي الانتصار. وفهم السياسة الإعلامية للخصوم والتعامل معها، وكسب المعركة الإعلامية مع الأنظمة، واستقطاب المجندين إلى التنظيمات.

 غلاف كتاب "إدارة التوحش" لـ أبو بكر ناجي

 وعقب سقوط حكم جماعة الإخوان بمصر رأينا التوحّش عملياً، واتفقت كل الجماعات على استراتيجية واحدة للعمل تبدأ بمرحلة الإنهاك، وهي مرحلة العصابات الصغيرة، وحروب الإرهاب المحدود، عبر أسلوب الاغتيالات والإغارات والكمائن الصغيرة وأعمال المتفجرات المنتقاة، لتنهك الأمن وتربك السياسة وتجهد الاقتصاد، والمرحلة الثانية، وتدعى مرحلة التوازن، ثم مرحلة الحسم، وفي خلال هذه المراحل تم الاعتماد على عدة مصادر للتمويل، تبدأ بمساهمة الأعضاء والمناصرين المقربين عند انطلاق العمل، وتبرعات المحسنين المحليين والخارجيين فى المراحل الأولى، والاعتماد على دعم بعض الأنظمة المجاورة المستفيدة من تلك التنظيمات في السياسات الإقليمية، والغريب أنّ الجماعات الإرهابية اعتمدت على ما يُسمّى "الغنائم" لتكون مورداً أساسياً للتمويل، وهو سرقة الأموال والأملاك العامة للحكومات التي اعتبرتها مرتدة، كما أجازت أموال أهل الذمة والسياح الأجانب، وغير المسلمين.

 هل انتهى التوحّش؟

ومع التحولات الجيوسياسية الحالية في العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط، وتوجه بعض مناطق التوتر ناحية الاستقرار، ومنها على سبيل المثال سوريا، فلا يمكننا أن نقول إنّ زمن التوحّش انتهى، بل هو ما زال قائماً، في مناطق كثيرة في العالم، فعلى سبيل المثال لا الحصر وصلت العمليات الإرهابية إلى حدود (400) عملية إرهابية في الأشهر الـ (12) الماضية، في منطقة الكاميرون ونيجيريا، وفي سلسلة جبال ماندارا في المنطقة المحيطة بمورا، وفي المنطقة المحيطة بالحدود التشادية بالقرب من فوتوكولو في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد وموزمبيق.

 ويمكن أن نشهد (4) من مسارح العمليات الرئيسية الـ (5) في أفريقيا؛ وهي: الصومال، وحوض بحيرة تشاد، ومنطقة الساحل الغربي، وموزمبيق.

يمكن أن نشهد (4) من مسارح العمليات الرئيسية الخمسة في أفريقيا؛ وهي: الصومال، وحوض بحيرة تشاد، ومنطقة الساحل الغربي، وموزمبيق

 

وما زالت الجماعات الإرهابية تعمل وفق سياسة التوحّش في الشام والعراق، خاصة في سلسلة جبال حمرين في محافظات ديالي وكروكوك وصلاح الدين العراقية، وفي سوريا بمنطقة دير الزور.

 وفي وسط آسيا ينشط الإرهاب الذي يسعى للتوحّش والتمكن بمنطقة وزيرستان، ووفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي،  فإنّ (7) من الدول الـ (10) التي سجلت أكبر زيادة في الإرهاب تقع في هذه المنطقة بآسيا، وفي أفريقيا ببوركينا فاسو، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، والنيجر، والكاميرون.

 لذا، فلا يمكن أن نقول إنّ تلك الاستراتيجية الإرهابية قد انتهت، يقول سيف العدل، الزعيم المحتمل للقاعدة: "إنّ انتشار العمليات الصغيرة وتصاعدها سيكون له تأثير على المدى الطويل، مثل جذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام كل فترة زمنية مناسبة من حيث التوقيت والقدرة بعمليات نوعية تلفت أنظار الناس، مع ملاحظة أنّه يجب أن تُحسب قيمة العملية العادية الصغيرة جيداً ونتائجها، فأحياناً تؤدي العملية الصغيرة لمفاسد أو مشاكل أو كشف مجموعات أخرى تُحضّر لعملية نوعية متوسطة، وإذا كان من يقومون بعمليات صغيرة قادرين على الترقي وتطوير أنفسهم للقيام بعملية نوعية متوسطة، فعليهم ذلك، حتى لو تم إلغاء العملية الصغيرة من أجلها، إلا أنّه في الجملة أفضل طريق للترقي للمجموعات الناشئة للقيام بعمليات نوعية هو القيام بعمليات صغيرة في البداية، ما التزموا بتحركات واحتياطات سليمة".

مواضيع ذات صلة:

كيف نواجه استلهام شن الإرهاب من الألعاب؟

"وسطاء الإرهاب" في أفريقيا... ما دورهم؟ وما أسباب تزايدهم؟

أفريقيا... بين الجماعات الإرهابية والأطماع الدولية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية