كيف استقبل العراقيون لقاء مبعوثة أممية مع قائد في الحشد الشعبي؟

كيف استقبل العراقيون لقاء مبعوثة أممية مع قائد في الحشد الشعبي؟


06/10/2020

مثّل اللقاء الذي جمع بين رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، والقيادي في الحشد الشعبي، عبد العزيز المحمداوي، المدعوم من إيران، في أحد المقرات الرسمية للتنظيم، درجة من التعقيد والغموض، أبرزتهما تشابكات اللحظة السياسية، سواء من حيث التوقيت أو الدلالة، خاصة، في ظل استمرار الهجمات الميلشياوية على المنطقة الخضراء، واستهداف مقرات الحكومة الرسمية، وهيئات البعثة الدبلوماسية، ومطار بغداد، من ناحية، والأحاديث المترددة حول غلق السفارة الأمريكية، من ناحية أخرى، والمتزامنة مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ناهيك عن الوضع الاحتجاجي السائد ضد الفساد والنفوذ الإيراني، منذ انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي.

حذر أمريكي

أثارت الزيارة العديد من الانتقادات الواسعة بين العراقيين والنشطاء السياسيين، خاصة، المنتمين لانتفاضة تشرين؛ إذ إنّ المحمداوي المعروف باسم "أبو فدك"، والمصنف على قوائم الإرهاب الأمريكية، متهم بأعمال عنف وقتل ضد المتظاهرين. كما قام بتنفيذ العديد من الأعمال الميدانية في سوريا والعراق، لاسيما الهجمات الموجهة ضد المصالح الأمريكية، مثلما حصل في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، حين جرى الاعتداء على السفارة الأمريكية ببغداد، ومن ثم، كتب على جدرانها "الخال أبو فدك مرّ من هنا"، في دلالة على تورطه وصلاته بمنفذي العملية.

وبحسب مصادر إعلامية محلية، فإنّ المحمداوي الذي خلف أبو مهندي المهندس، في منصب رئيس ميليشيات الحشد الشعبي، بعد استهدافه في ضربة أمريكية، مطلع العام الحالي، ارتبط بالفصائل الولائية التابعة لإيران منذ بدأ نشاطه التنظيمي بالانتساب لمنظمة بدر، بقيادة هادي العامري، ثم تولى قيادة حزب الله العراقي، وقد عرف بصلاته الوثيقة بقائد فيلق القدس، قاسم سليماني.

اقرأ أيضاً: "الحشد الشعبي" حسب الدعاية الإيرانية الكاذبة

وفي الثالث من كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن الحشد الشعبي "تعيين عبد العزيز المحمداوي، رئيساً لأركان قوات الحشد الشعبي، خلفاً لأبو مهدي المهندس، الذي قضى مع قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في غارة أمريكية ببغداد"، وذلك حسبما قال نائب رئيس الحشد، أبو علي البصري، الذي أضاف في بيان رسمي: "إنّ القائد العام للجيش العراقي سيصدر مرسوماً بهذا التعيين". كما وصفه قائد عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، بأنّه "قائد قوي، وزعيم حقيقي، له مواقف مشرفة وعلاقات طيبة بالجميع".

عبد العزيز المحمداوي الذي خلف أبو مهندي المهندس، في منصب رئيس ميليشيات الحشد الشعبي، بعد استهدافه في ضربة أمريكية، ارتبط بالفصائل الولائية التابعة لإيران

وقد سبق للباحث العراقي في الجماعات الإسلامية، هاشم الهاشمي، والذي تم اغتياله من قبل العناصر الميلشياوية المدعومة من طهران، في تموز (يوليو) الماضي، أن نشر مجموعة من المعلومات عن المحمداوي والذي وصفه بأنّه "رافق سليماني، مدة طويلة، وتنظيمياً عمل مع منظمة بدر، العام 1983، كما كلف بمهام الاستخبارات في المنظمة باعتباره مساعداً لزعيمها، هادي العامري، العام 2004، كما رفض التخلي عن السلاح، وشكل مجاميع خاصة لمقاومة الأمريكان مرتبطة مالياً بمنظمة بدر".

من هو الخال؟

وأضاف الهاشمي، عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاحتماعي "تويتر"، أنّ المحمداوي "هو المقصود بعبارة "الخال مرّ من هنا"، التي كتبت على جدران السفارة الأمريكية. وقد رحبت قيادات سياسية شيعية وفصائلية باختياره، واصفة إياه بأنّه إداري جيد، وبإمكانه قيادة الحشد بنفس إمكانيات المهندس، ولديه علاقات حسنة مع الأكراد والسنة".

وفي العام 2006، عاد المحمداوي للعمل مع المهندس، وارتبطت ميليشياته مع مكتب سليماني، بحسب الهاشمي؛ حيث شكلت كتائب حزب الله العراقي بمباركة عماد مغنية وسليماني والمهندس، كمجموعات خاصة عالية التدريب والتجهيز لقتال الأمريكيين.

اقرأ أيضاً: قواعد الاشتباك تتغير في العراق: الحشد الشيعي مقابل الحشد الشعبي

ومن جانبه، أصدر الحشد الشعبي بياناً، في أعقاب اللقاء الذي جمع بين رئيسة بعثة الأمم المتحدة، في بغداد، والقيادي في الحشد الشعبي، قال فيه "إن المحمداوي استقبل بلاسخارت في مقر الهيئة ببغداد، وبحث معها التطورات الأمنية في البلاد، وملاحقة بقايا فلول داعش الإرهابي التي تحاول تعكير صفو الأمن والاستقرار في بعض المناطق".

الباحث محمد نعناع لـ"حفريات": اللقاء الاستثنائي الذي جمع بين بلاسخارت والمحمداوي، كان يتركز على جس نبض الميليشيات حول العديد من الأوضاع السياسية المحلية والإقليمية

وعلى إثر الهجوم الذي تعرضت له بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، غردت الأخيرة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "الحياد والاستقلال في صميم تفويض الأمم المتحدة، يعني أنّنا نتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب الشأن في السعي لتحقيق السلام. وعملنا في العراق ليس استثناء".

وإلى ذلك، دشن عدد من النشطاء العراقيين هاشتاغ بعنوان: "بلاسخارت عدوة الإنسانية"، وطالبوا بسحب الثقة منها في العراق، حيث غرد ناجي حرج، المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة: "نحن نفهم أنّ الإرهابي (أبو فدك)، الذي يضع خلفه صورتي سليماني والمهندس لا شك يقول الآن: ها هي الأمم المتحدة تشرعن ما قمنا به من قتل وتهجير وتعذيب للعراقيين، وما قمنا به من قنص للشباب والمدافعين عن حقوق الإنسان"، مضيفاً: "لكننا لا يمكن أن نفهم ما الذي تود الأمم المتحدة قوله، وكيف تبرر ذلك".

ما رسالة ثوار تشرين؟

وعلق "اتحاد تنسيقيات ثورة تشرين" على تغريدة البعثة الأممية، والتي وصفت بـ"الغامضة"، بأنّ "بلاسخارت محرجة، من تسويغ اجتماعها مع المحمداوي، الذي لا يتولى وظيفة حكومية، ولا يشغل موقعاً سياسياً، وإنّما نُصّب، رئيساً لأركان قوات الحشد، من دون أن يصدر به قرار، أو أمر ديواني، من رئيس الحكومة، والقائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، ولا يعترف به رئيس هيئة الحشد الشعبي الرسمي، فالح الفياض، كـ(رئيس أركان)، وإنّما وصفه، بمسؤول إداري لـ(تصريف الأعمال)، فإنّ البعثة الدولية، ارتبكت في تغريدتها المقتضبة، عن الاجتماع، ولجأت إلى الغموض والعموميات، وهذا يعني، أنّ بلاسخارت، تجاوزت كون (أبو فدك) على قائمة الارهاب الأمريكية، وتعاطت معه، بوصفه صاحب شأن في العراق، وحاورته لتحقيق (السلام)، وهنا برز حجم التناقض في مضمون التغريدة القلقة، وأغلب الظن أنّها كتبت على عجالة، للتهرب من الخوض في دوافع الاجتماع، وما بحث فيه".

والحاصل، أنّ اجتماع بلاسخارت وأبو فدك، يمكن تصنيفه بأنّه خطر، وجاء في وقت حرج، باتت فيه الخارجية الامريكية، عازمة على إغلاق سفارتها في بغداد، خلال الأيام القليلة المقبلة، لغاية انتهاء الانتخابات الرئاسية، في الشهر المقبل، بحسب الاتحاد، وذلك تحسباً لأعمال عدائية قد تؤثر سلباً، على سير تلك الانتخابات الأمريكية، ونتائجها، في أعقاب عجز رئيس الجمهورية، برهم صالح، ورئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، عن تقديم ضمانات لمنع استهداف السفارة، وحركة أرتال الخدمة والنقل للجيش الأمريكي، وواضح أيضاً، أنّ المبعوثة الأممية، نقلت رسالة قد تكون تحذيرية، إلى المحمداوي، ظاهرها من المنظمة الدولية، وحقيقتها من الإدارة الأمريكية، ومضمونها التقريبي، أنّ واشنطن ستلجأ إلى خيارات خشنة، ضد كل من يستهدف مصالحها وقواتها، ولن تخشى عقب إغلاق سفارتها، ردود فعل غاضبة، أو كاتيوشية، ما دامت قواتها محمية، بدرجة (معقولة)، في عين الأسد الانبارية، وحرير الكردية.

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الباحث العراقي، الدكتور محمد نعناع، إلى أنّ اللقاء الاستثنائي، بحسب وصفه، الذي جمع بين بلاسخارت والمحمداوي، كان يتركز من جهة الأولى على جس نبض الميليشيات في ما يتصل بالعديد من الأوضاع السياسية، المحلية والإقليمية، وذلك من خلال أحد أكبر رؤوسها، وهو عبد العزيز المحمداوي، الذي يشغل منصباً رسمياً في الحشد الشعبي، بالإضافة إلى موقعه المتنفذ جداً في كتائب حزب الله العراقي.

ويضيف الباحث العراقي، أنّ ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق، كانت تتوخى اصطياد موقف يدعم التهدئة من الرؤوس الكبيرة، مضيفاً: "ظاهرياً حصلت بلاسخارت على مبتغاها؛ حيث أكد لها (الخال أبو فدك) أنّه مع تقوية الدولة، وتعهد لها بتحسين مسار عمل الحشد الشعبي، وأن يكون عملهم في ظل الدولة. ومن جهته، حصل المحمداوي على ما يريده من هذا اللقاء، وهو الاعتراف بصفته الرسمية داخل الدولة العراقية، واقترح إيصال ذلك للأمريكيين، وإفهامهم أنّ استهدافهم يعني المزيد من التوترات كالتي تلت اغتيال سليماني والمهندس".

اقرأ أيضاً: مصير "الحشد الشعبي"

ومن المتوقع أن تتراجع الأنشطة الميدانية التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق، خلال الفترة المقبلة، بحسب نعناع، لكن سيكون هناك استهدافات من المجموعات الأخرى التي تقوم بإطلاق القذائف الصاروخية، وتفجير العبوات، لجهة إبعاد الشبهات عن العناصر الميلشياوية التقليدية، كما أنّ المجموعات التي عرفت نفسها، مؤخراً، بأسماء متباينة، مثل "أصحاب الكهف" و"عصبة الثائرين"، ستشكل ضغوطات مختلفة على خط مقاومة الوجود الأمريكي، وذلك في حال لم تتم التهدئة الثنائية داخل بغداد، وكذلك بين واشنطن وطهران؛ لأنّ الميليشيات التي اتخذت لنفسها هذه التسميات الجديدة، جميعها مرتبطة بإيران، على حد سواء، بل وتستخدمها الجمهورية الإسلامية كأوراق ضغط أثناء التفاوض.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية