كيف أثّر ارتفاع سعر الدولار على الحياة اليومية في سوريا؟

سوريا

كيف أثّر ارتفاع سعر الدولار على الحياة اليومية في سوريا؟


18/09/2019

في شهر أيلول (سبتمبر) من كلّ عام؛ تستعدّ العائلات والأهالي في سوريا، لاستقبال موسم دراسي جديد، ويتوجهون إلى السوق لشراء الحقائب المدرسية والدفاتر وأدوات القرطاسية لأولادهم.
ويلي الموسم الدراسي الجديد، قدوم فصل الشتاء، الذي يستدعي أيضاً ميزانية مالية إضافية؛ لشراء ملابس شتوية تحميهم من برودة الطقس. لكنّ شهر أيلول (سبتمبر) هذا العام فاجأ الناس في سوريا؛ إذ بعد ثمانية أيام من الشهر الجاري، شهد سعر الليرة السورية انخفاضاً حاداً مقابل الدولار الأمريكي.

اقرأ أيضاً: أين سيُحاكم المعتقلون من تنظيم داعش في سوريا؟
ففي يوم الأحد 8 أيلول (سبتمبر) 2019، وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 680 ليرة سورية للمبيع، و676 للشراء، حسبما جاء في موقع الليرة السورية، وهذا بعد أن حافظت الليرة السورية على سعر 500 مقابل الدولار الواحد، طوال عام 2018، و2017، وهذا الانخفاض في سعر الليرة السورية كان قد شهد انخفاضاً مماثلاً عام 2016؛ إذ وصل سعر الدولار الواحد في ذلك العام إلى 645 ليرة سورية، ومع نهاية عام 2018؛ بدأ سعر الليرة السورية ينخفض تدريجياً، حتى وصل إلى الانخفاض الحادّ الذي شهدته سوريا مطلع الشهر الجاري.

وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 680 ليرة سورية للمبيع
لكنّ سعر الليرة السورية بدأ يرتفع بعد أسبوع من انخفاضه؛ إذ سجلت الليرة السورية، يوم الأحد 15 أيلول (سبتمبر)، سعر 605 للشراء، و610 للمبيع مقابل الدولار.
وتعدّدت التحليلات حول أسباب هذا الانخفاض الحاد في سعر الليرة السورية؛ فذهب محللون إلى ربط انخفاض الليرة السورية بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية على النظام السوري، وتحديداً تصريحات نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، والمبعوث الخاص لسوريا، جويل رايبورن، أثناء زيارته إسطنبول، في السابع من الشهر الجاري ، وحديثه لوسائل إعلام سورية حول الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا.

اقرأ أيضاً: الدور العربي المطلوب في سوريا.. الإمارات نموذجا‬ً
وبحسب تقرير نشره موقع قناة سوريا حول المؤتمر الصحفي، قال رايبورن: إنّ بلاده "ستواصل عقوباتها إلى جانب العقوبات الأوروبية؛ لتجفيف موارد النظام وحلفائه، مما يجعل وضعهم أسوأ فأسوأ، مستشهداً بانهيار الليرة السورية (التي تجاوزت قيمتها ٦٦٠ ليرة مقابل الدولار الواحد)، وتوقّع أن تواصل نزيفها لـ ٧٠٠ ليرة وأكثر، مع انخفاض احتياط القطع الأجنبي لدى النظام، إلا أنّه، في الوقت ذاته، بيّن أنّ النظام راغب في هذا الانهيار الذي يضمن له مواصلة العمليات العسكرية في إدلب بقيمة أقل".
أما موقع "سيريا ريبورت"؛ فقد أشار في تقرير له، نشر في الثالث من الشهر الجاري؛ أنّ أسباب تدهور الليرة السورية تعود إلى ارتفاع الطلب على الدولار في لبنان؛ إذ إنّ لبنان تعدّ سوقاً أساسياً للدولار بالنسبة إلى المستوردين السوريين الذين يستخدمون النظام المصرفي اللبناني للقيام بعملياتهم التجارية.
موقع "حفريات" تواصل مع بعض الشابات والشباب السوريين، ممّن يعيشون داخل سوريا، ومن مناطق مختلفة، للحديث معهم عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرون بها في ظلّ الأزمة الاقتصادية.
الحياة في دمشق
وصفت المصورة الفوتوغرافية السورية، يمام الشاعر، يوم ارتفاع سعر الدولار بـ "اليوم المشؤوم"، وتقول يمام لـ "حفريات": "في ذلك اليوم؛ كانت وجوه الناس شاحبة، وبعضهم كانت ظهورهم محنية، ولم ينجُ أحد من ارتفاع سعر الدولار؛ لا المحلات، ولا بسطات الخضار والفواكه، ولا حتى أكياس بودرة الحليب الصغيرة".

اقرأ أيضاً: لمصلحة من عاد تنظيم داعش بقوة شرق سوريا؟
"شو صاير لهالبلد! حدا يطلع يحكيلنا شي أي شي؟" هذه الجملة كانت تعلو في إحدى وسائل النقل العام، بين النساء اللواتي يحاولن تقنين احتياجاتهنّ، بالاختصار في جلب بعض الخضار، لتكفي وجبة اليوم فقط، ومحاولة "تسليك" الأمور، "بلكي الله بيفرجا وهالدولار بينزل شوي" تقول إحداهن.

ذهب محللون إلى ربط انخفاض الليرة السورية بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية على النظام السوري
وكثُرت العبارات والنكات المتهكمة، والمتعلقة بارتفاع سعر الدولار، والتي يرددها السوريون في حياتهم اليومية، و"يتفننون" بتأليفها.
وتتابع يمام حديثها: "يقول لي جاري "أبو جورج"، صاحب السوبر ماركت: "يا عمو جاي تحاسبيني؟ روحي حاسبي المسؤول"، وذلك بعد أن جادلته لنصف ساعة؛ لأنّه لم يرد لي شيئاً من ١٠٠٠ ليرة سورية، سوى حبتين من علكة بنكهة النعناع".
يتابع أبو جورج تذمّره من تساؤلاتي حول الغلاء بقوله: "يا عمي اليوم الدولار بـ ٧٠٠، وأنا هيك لازم بيع".
وتضيف: "لأجل الصدفة، تزامن ارتفاع سعر الدولار مع بداية الشهر، وكوني أعمل مع وكالة أجنبية، فإنّ معاشي بالدولار، فابتسمت ابتسامة عريضة، وبدأت أجمع وأطرح الفرق بين الدولار والليرة السورية، لكن للأسف الشديد، الشركات ومكاتب الصرافة المرخصة في دمشق تمتنع عن بيع العملات الأجنبية، مما يجعلني أتعامل مع السوق الحرة، والذين، بدورهم، لا يقبلون بشراء الدولار، إلا عندما يكون منخفضاً".
وتحدّثت يمام أيضاً عن أخيها الصغير، الذي يبلغ من العمر 19 عاماً، ويدرس إدارة الأعمال في جامعة حلب: "أخي يحاول إقناعي بالهجرة؛ إذ إنّ الدراسة في الجامعة باتت مكلفة جداً، في ظلّ وضع اقتصادي أقل ما يمكن وصفه أنّه "مخيف" بالنسبة إلى طالب جامعة".

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا ومغارة علي بابا في تركيا
وتتساءل يمام؛ ماذا سيكون مصيرها في حال تخرجت وتوظفت وظيفة حكومية؟ لتستنتج أنّ متوسط دخلها سيكون تحت خطّ الفقر العالمي للفرد الواحد، وتسأل نفسها: "كيف لي أن أكوّن عائلة في سوريا؟!" ما يجعلها ترى في الهجرة الحلّ المثالي للحلم في حياة جيدة.
تقول يمام: "أزمة الدولار تقتحم بيوتنا وأحلامنا وأطباقنا، بشكل يومي، والوضع الاقتصادي المتردّي في البلد، حرم أطفالاً كثيرين من الحليب، وهجّر شباباً كثيرين، وأبعدهم عن عائلاتهم، الشعب السوري تصدى للصواريخ والقذائف، لكنّ الدولار انتصر عليه".
وتضيف: "كما أننا لم نتحدث إلى الآن عن الشباب الذين يرغبون أو يفكرون في الزواج، ففكرة أن يحضر الشاب لزوجته المستقبلية، خاتماً وعقداً من ذهب، بات أمراً مستبعداً في الظروف الاقتصادية السيئة في الوقت الحالي، حتى فكرة تكوين عائلة جديدة باتت بالغة الصعوبة، كون المدخول المادي للفرد السوري، لا يتناسب مع ارتفاع الدولار، كما كان قبل الحرب". 
تأخذ يمام والدها ووالدتها مثالاً حيّاً على الوضع الاقتصادي الذي تمرّ فيه البلاد، فتقول: "أمي تعمل مدرّسة، وأبي موظف في قطاع الكهرباء، عملياً، إذا جمعت راتب الاثنين، لا يصل إلى الـ 100 ألف ليرة سورية؛ ففي حال فكرت في شراء حذاء جديد من أيّ محل اليوم، أقل حذاء يبلغ ثمنه 40 ألف ليرة سورية، تخيَّل الوضع الذي وصلنا إليه، أب وأم يعملان، ويفعلان ما بوسعهما كي يكونا أشخاصاً منتجين، لكنّهما غير قادرَيْن على تأمين جميع المستلزمات الأساسية في الحياة؛ لذلك أنا وإخوتي مجبرون على العمل، إلى جانب أبي وأمي، حتى تستمر الحياة، فهما لا يستطيعان أن يصرفوا علينا، وغير قادرَين على تأمين مصاريف الجامعة لإخوتي، على سبيل المثال".

اقرأ أيضاً: فاينانشال تايمز: حكومة أردوغان تعاقب السوريين على فشلها الاقتصادي
أما ريم محمد (اسم مستعار)، التي تعمل مدرّسة حرة (freelance)، ومتطوعة بالعمل المجتمعي مع الأطفال والنساء، فقالت لـ "حفريات": إنّ الصعوبات التي يعيشيها الناس في دمشق هذا العام، لا تنفصل عما مرّوا به من صعوبات في الأعوام الماضية، في ظلّ الحرب، وانعكاسها المباشر على الحياة المعيشية"، مضيفة "جميع الناس مضغوطون ومرهقون؛ بسبب الأوضاع المعيشية، ولارتفاع الدولار، مقابل انخفاض سعر الليرة السورية، تأثير كبير عليهم".
وتعزو ريم الضغوطات الشخصية، وخصوصاً داخل نطاق الأسرة، إلى "ارتفاع أغلب أسعار المنتجات التي تستهلكها العائلات في سوريا بشكل أساسي، كتحضير مستلزمات "المونة"، والاستعداد لفصل الشتاء، والاستعداد للمدارس، والتي تزامنت مع ارتفاع سعر الدولار في الأيام الأخيرة".

الناس باتوا يبحثون عن بدائل لأغلب المستلزمات التي ثمنها مرتفع فإذا ارتفع سعر اللحمة يتم الاستغناء عنها

الضغوط اليومية كبيرة، أبرزها أنّ الدخل الذي يحصل عليه الفرد لا يتناسب مع حجم الإنفاق، مثل ما يقول المواطن السوري بالعامية: "المصاري ما عاد فيها بركة"، وباتت قيمة مبلغ قدره 2000 ليرة سورية، مثل قيمة الـ 200 ليرة سورية. ولحسن الحظ؛ أنّه إلى الآن هناك مواصلات عامة، بقيمة 50 ليرة، و100 ليرة، كـ "السرافيس". وهناك أشياء ما تزال أسعارها مقبولة إلى حدّ ما، رغم ظروف الحرب، مثل الألبسة المستعملة، التي باتت ملاذ أفراد كثيرين، من شرائح عديدة في المجتمع السوري، أضف إلى ذلك أسواق الجملة".

اقرأ أيضاً: تركيا قد تبدأ عملية ترحيل جماعي للسوريين بحجة المنطقة الآمنة
وتتابع ريم كلامها: "الضغوطات ترمي بثقلها على أغلب شرائح المجتمع السوري، والدخل المادي، بالكاد يغطي التزاماتهم الشخصية؛ من مصاريف ركوب المواصلات، وشحن رصيد للهواتف الجوالة، وثياب، وفواتير كهرباء، وماء، وغذاء، ...إلخ؛ أغلب المستلزمات موجودة، لكن هناك دائماً حسابات دقيقة للصرف. على سبيل المثال: لو صرفنا هذا الشهر مبلغاً كبيراً، فعلينا في الشهر القادم أن نوفّر في المصاريف".
تضيف ريم: "في المقابل؛ تشهد الأسواق والمحلات حركة كبيرة، والأشخاص الذين دخلهم متوسط، لا يستطيعون العيش إلا وفي أيديهم آلة حاسبة، أو الاضطرار للعمل بعدة وظائف، أو أعمال لتوفير الاحتياجات".
وعلى الصعيد الشخصي أيضاً؛ تقول "مدخولي المادي بالكاد يكفي مستلزماتي الشخصية، ولا أستطيع الادّخار إلا بعد تخطيط وتنظيم مصروفي".

اقرأ أيضاً: تركيا وشرق الفرات: ابتلاع الأراضي السورية بذريعة المناطق الآمنة
وتروي ريم، لـ "حفريات"، كيف أنّ الناس باتوا يبحثون عن بدائل لأغلب المستلزمات التي ثمنها مرتفع؛ فإذا ارتفع سعر اللحمة، يتم الاستغناء عنها، أو يتم شراؤها مرتين أو مرة في الشهر فقط، و"كما قلت إنّ الناس استغنوا عن شراء الملابس الجديدة، وباتوا يشترون ثياباً مستعملة، وفي الشتاء، يستعملون المدافئ الكهربائية، في حال لم تنقطع الكهرباء. حتى الخضار والفواكه الغالية يستبدلونها بأخرى أرخص سعراً، لأنّ الفقر داخل شرائح المجتمع باتت له درجات".
أما عن غلاء أسعار بعض المأكولات الجاهزة، التي تباع في المطاعم ومحلات الأكل في دمشق، فتقول ريم: "سندويشة "الشاورما" بات سعرها اليوم يتراوح بين 300 و400 ليرة سورية (كان سعرها قبل عام 2011 يتراوح بين 30 و50 ليرة سورية)، أما وجبة دجاج "البروستيد"؛ فيتراوح سعرها بين 1700، و2000 ليرة سورية، السندويشات الجاهزة، مثل "الشيش طاووق" أو "السكالوب"؛ تبدأ أسعارها من 800 ليرة سورية، وقد تصل إلى 1500 ليرة سورية، بحسب الإضافات، وهناك وجبات دجاج تبدأ من سعر الـ 2000 ليرة سورية".

شمال سوريا – إدلب
أما الإعلامي أحمد الضعيف، الذي يعيش في مدينة إدلب، فيروي لـ "حفريات" كيف أنّ ارتفاع سعر الدولار بات يؤثر في الناس بشمال سوريا بشكل كبير، خاصّة أنّ أغلب المواد الأساسية لمستلزمات الحياة اليومية تستورد للمنطقة من تركيا.
يقول أحمد: "أكثر شيء أثّر فينا، خلال أزمة ارتفاع سعر الدولار، هو ارتفاع سعر المحروقات، مثل البنزين والمازوت، الذي ارتفع خمسين ليرة لسعر اللتر الواحد، كما ينطبق الأمر على أبسط التفاصيل؛ كسعر "القداحة" على سبيل المثال؛ حيث كان سعرها 50 ليرة سورية، وبات اليوم 100 ليرة سورية، وكيلو السكر كان سعره 400 ليرة سورية، واليوم سعره 500 ليرة؛ أي إنّ الأسعار ترتفع بشكل جنوني".

اقرأ أيضاً: لماذا انقلب "الأنصار" في تركيا على "المهاجرين" السوريين؟
ويضيف: "بالمقابل، في حال انخفض سعر الدولار، فالأسعار لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الارتفاع؛ إذ يقول لك التاجر إنّه اشترى هذه البضاعة بسعرها المرتفع، ولن يبيعها اليوم بسعر رخيص، حتى لو انخفض سعر الدولار، وارتفع سعر الليرة السورية، ستبقى الأسعار نفسها، لن يتغير عليها شيء".
ويرى أحمد أنّ هذا الموضوع أثّر كثيراً في أغلب المواطنين السوريين، الذين يكسبون مدخولهم المادي بالليرة السورية، لا بالدولار؛ ويقول: "عامل البناء، مثلاً، في حال وصل أجره اليومي إلى 10000 ليرة سورية، لن يكفيه، بسبب ارتفاع الأسعار".
ويختم كلامه قائلاً: "الخضروات والفواكه ارتفعت بالتزامن مع ارتفاع المحروقات، ويقول لك البائع إنّه دفع مبلغاً كبيراً من المال لقاء أجرة نقل الخضروات والفواكه، كلّ ذلك كان له تأثير كبير على المواطنين هنا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية