تركيا وشرق الفرات: ابتلاع الأراضي السورية بذريعة المناطق الآمنة

تركيا

تركيا وشرق الفرات: ابتلاع الأراضي السورية بذريعة المناطق الآمنة


07/08/2019

أطلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديداً الأحد الموافق 4 آب (أغسطس) الجاري قائلاً "سندخل شرق الفرات مثلما دخلنا عفرين وجرابلس والباب.. صبر تركيا على الولايات المتحدة نفد". وجاء هذا التهديد في سياق المفاوضات التركية الأمريكية حول إقامة منطقة عازلة شمال سوريا.

سيطرة تركيا على شرق الفرات ربما يؤدي إلى تقسيم سورياً أولاً والزيادة من احتمالات عودة تنظيم داعش الإرهابي لنشاطه

الرد الأمريكي جاء أمس الثلاثاء وكان حازماً؛ حيث حذّرت واشنطن من قيام تركيا بأية عملية عسكرية أحادية الجانب بمناطق شرق الفرات في شمال سوريا، بعد تهديدات أردوغان.
وقال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، إنّ بلاده ستمنع أي توغل أحادي الجانب شمالي سوريا، وإنّ أي عملية تركية هناك "غير مقبولة".
كما قال إسبر، في تصريحات للصحفيين المرافقين له في زيارة لليابان، إنّ تنفيذ عملية تركية في شمال سوريا، قد يحول دون تركيز "قوات سوريا الديمقراطية" على منع تنظيم داعش من استعادة أراض كان يسيطر عليها من قبل.
وتعد وحدات حماية الشعب الكردية الفصيل المسلّح الرئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية". وترى تركيا أنّ وحدات الحماية هي منظمة إرهابية. لكن تعامل تركيا وتصريحاتها بشأن شرق الفرات، تقود إلى ما هو أبعد من مجرد مكافحة الإرهاب، فإلى أين تتجه تركيا، وماذا تريد؟
على طريقة عفرين
منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العام الماضي نيّته سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، اتفقت بلاده مع تركيا على إقامة منطقة عازلة على امتداد الحدود الشمالية الشرقية مع تركيا، على أن تخلو من وجود وحدات الحماية الكردية. لكن ما يحصل حالياً، تضمن تصريحاتٍ مثيرة من أردوغان مفادها أنّ "تركيا عازمة على تدمير "ممر الإرهاب" شرقي نهر الفرات في سوريا بغض النظر عما ستصل إليه المحادثات مع الولايات المتحدة"، بحسب تقريرٍ نشرته "سكاي نيوز" في 26 تموز (يوليو) الماضي؛ حيث أكد التقرير أيضاً، أنّ الولايات المتحدة تحاول تأمين سلامة المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا إلى جانبها في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي شرق الفرات.

اقرأ أيضاً: لماذا انقلب "الأنصار" في تركيا على "المهاجرين" السوريين؟
ورغم أنّ المباحثات بين الولايات المتحدة وتركيا، تم التعبير عنها مطلع الشهر الجاري، على أنها فشلت، خصوصاً أنّ كلاً من الطرفين يرى عدواً إرهابياً معيناً يتوجب عليه قتاله، إلا أنّ التوغل الثالث المحتمل من قبل تركيا في الأراضي السورية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لا يمكن حصره في إطار مكافحة الإرهاب فقط؛ إذ إنّ عمليتي عفرين والباب في شمال سوريا سابقاً، كشفتا عن أطماع تركية بعيدة الأمد، تشتمل على ممارساتٍ ديموغرافية وسياسية واجتماعية تقود إلى (ابتلاع الأراضي)، رغم التحذيرات الدولية والعربية، من أنّ هذا الأمر ربما يؤدي إلى تقسيم سورياً أولاً، والزيادة من احتمالات عودة تنظيم داعش الإرهابي لنشاطه في شرق الفرات ثانياً. لكن تركيا تتطلع مباشرةً إلى "منطقةٍ آمنة بعمقٍ يزيد على 30 كيلومتراً، حتى تتسع لأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري تريد تركيا نقلهم إلى هناك، على أن تبقى تلك المنطقة تحت إدارتها" بحسب ما نقله موقع "عثمانللي".
تركيا، التي حولت مكافحتها للإرهاب، ودفاعها عن أمنها في عفرين إلى احتلال، من خلال سياساتٍ عديدة تدل على أنها تسعى ربما إلى تتريك عفرين وما حولها، تخوض صفقةً متكررةً بشأن مدينة إدلب، تتخفى في طيات التهديد التركي بالهجوم على شرق الفرات، فما هي هذه الصفقة؟

رغم تهديدات أردوغان: هل يرتبط أمن تركيا بابتلاع أراضٍ سورية؟

إدلب ونزع القِناع
تتعقد الأزمة حين يتم ذكر إدلب، فهي تشكل خزاناً بشرياً من ناحية، ومجموعةً من المقاتلين المسلحين من ناحيةٍ أخرى، حيث قامت تركيا سابقاً باستغلالها كورقة أمنية وسياسية مقابل الحصول على مكاسب عسكرية مع روسيا بشأن صفقة صواريخ إس 400. أيضاً، بدا أنّ تركيا مستعدة للتخلي عن إدلب ضمناً عدة مرات "أول مرة حين توافق وقت هجومها على عفرين مع الهجوم الروسي على إدلب في 2018، والثانية من أجل منطقة الباب قرب حلب، وأخيراً؛ من أجل عملية الموائمة أو الموازنة التي يقوم بها أردوغان ما بين إدلب وشرق الفرات"، وفق تقرير نشرته "سبوتنيك".

تحاول تركيا إثبات ضرورتها للقوى العالمية كروسيا والولايات المتحدة من خلال التركيز على زعزعة الاستقرار شمال سوريا

لكن المسألة الأخطر، بعد نزع القناع التركي في إدلب، والكشف عن مدى التلاعب التركي طويل الأمد بالثورة السورية، يكمن في معلومةٍ مفادها أنّ أنقرة ربما "تسعى لإرجاع الآلاف من مقاتلي داعش إلى المنطقة، ليكونوا وكلاءها في حربها ضد الأكراد، والضغط على الغرب والجهات الإقليمية الفاعلة في المنطقة، لدعم مصالحها في سورية". وفق ما زعم به تقرير موقع "عثمانللي" الآنف الذكر.
وفي السياق ذاته، فإنّ تركيا تفكر في وضعها المستقبلي مع الولايات المتحدة بعد توتر العلاقات بين البلدين مؤخراً؛ إذ يوجد احتمالٌ ولو ضئيل، بأن يؤدي قيام أي كيانٍ كرديٍ مستقل أمنياً وجغرافياً في شمال سوريا، إلى نقل أمريكا قاعدة أنجريليك الجوية الأمريكية من تركيا إلى مناطق حليفها الكردي في سوريا. وهو ما تخشاه تركيا، لكنها تخفي مخاوفها من خلال الشعار الرئيسي لسياستها في شمال سوريا، وهو محاربة الإرهاب.

أطفال من قرى عفرين يحملون علم تركيا في ظل تغييب علم بلادهم سوريا

لكن ورقة محاربة الإرهاب، التي يدحضها التعامل التركي مع إدلب من باب الأطماع والمصالح، يمكن دحضها من جهةٍ أخرى، وهي عفرين وما حولها، حيث "تفرض تركيا طوعاً أو إجباراً، سياسة تتريك واضحة، إضافة إلى نشر ثقافتها بين أجيال من الأطفال والشباب السوريين عبر بوابة التعليم والتربية. وعلى مدى سنتين، رسمت القرارات التي يتخذها الجانب التركي في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، كل السياسات والخطط المحلية. ولم تكتف الإدارة التركية بفرض العَلم والهوية التركية على السكان، في استباحة واسعة للهوية السورية، بل غيّرت أسماء الأماكن والساحات والدوائر الخدمية وغيرها إلى أسماء تركية". وفق تقرير لـ "اندبندنت عربية" في الرابع من آب (أغسطس) الجاري.

اقرأ أيضاً: هل هرب 30 ألف داعشي أجنبي إلى تركيا؟ تقرير أممي
تركيا إذاً، تعمل على عدة محاور، وها هي تحشد قواتها على الحدود من أجل مهاجمة شرق الفرات في أي لحظة، من أجل الإبقاء على مصالحها مع أمريكا وروسيا، ومن أجل الإثبات لهذه القوى العالمية أنّها تحتاج تركيا، وأنّ عدم الاستقرار والإرهاب موجودان، حتى لو كلف ذلك عودة الدمار والحرب إلى الشمال، أو كلف إدلب ككبش فداء يعاد تقديمه كل مرة، مقابل قوةٍ تركية عسكرية، وسياسية، وحتى ديموغرافية وثقافية طويلة الأمد في شمال سوريا، تسهم ربما في ابتلاع المزيد من الأراضي السورية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية