لماذا انقلب "الأنصار" في تركيا على "المهاجرين" السوريين؟

تركيا

لماذا انقلب "الأنصار" في تركيا على "المهاجرين" السوريين؟


05/08/2019

تتواصل الإجراءات التي اتخذها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بقيادة الرئيس أردوغان، بحقّ اللاجئين السوريين في تركيا، والبالغ عددهم ٤ ملايين سوري تقريباً، ربعهم في مدينة إسطنبول، تلك الإجراءات التي ضربت بعرض الحائط مقولة "المهاجرين والأنصار"، التي قرّر الرئيس أردوغان فتح حدود تركيا أمامهم، في بداية الأزمة السورية على أساسها، بعد أن نقلوا أكثر من ألف مصنع معهم من حلب إلى تركيا، وتتصاعد تلك الإجراءات يوماً بعد يوم، حتى وصلت إلى ملاحقة السوريين في الأزقّة والشوارع، خاصة في إسطنبول، من قبل الشرطة التركية، بوصفهم "مجرمين"، والعمل على ترحيلهم إلى مناطق إدلب وعفرين السورية، المسيطَر عليها من قبل تركيا بشكل مباشر، أو من خلال وكلاء.

اقرأ أيضاً: أردوغان يتخلى عن اللاجئين السوريين والشرطة التركية تطاردهم في الشوارع

قرارات حزب العدالة والتنمية ضدّ اللاجئين السوريين، الذين وصفهم الرئيس أردوغان بأنّهم "مهاجرون"، مستحضراً التاريخ  والمعاني الإسلامية للهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، والتي تستهدف التضييق عليهم اليوم، بما في ذلك إجبارهم على العودة إلى بلادهم، في ظروف غير آمنة، تطرح تساؤلات حول خلفية تلك الإجراءات وتوقيتها، وكيفية تعاطي أردوغان مع قضية اللجوء السوري:

ملاحقة السوريين في الأزقّة والشوارع خاصة في إسطنبول من قبل الشرطة التركية

أولاً: إنّ الصيغة التي طرحها حزب العدالة والتنمية في التعاطي مع اللجوء السوري،على أساس إسلامي "مهاجرون وأنصار"، جاء في إطار استثمار الحزب للخطاب الإسلامي، وللتحايل على التعامل مع اللاجئين، بوصفهم لاجئين، وما يتطلبه ذلك من الالتزام بالمواثيق الدولية الخاصة باللجوء واللاجئين، والمعمول بها في الأمم المتحدة، بما في ذلك إشراف ومتابعة مؤسسات الأمم المتحدة المعنية لأوضاعهم، وقد مكّنت هذه الصيغة الحكومة التركية من إخضاع قضية اللجوء السوري لمتطلبات السياسة التركية، بوصفها ورقة تفاوضية بيد تركيا، تمّ استخدامها بالتفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي، وابتزازها للحصول على مساعدات مالية باسم اللاجئين "من غير الواضح كيف تمّ صرفها" بعد فتح الحدود التركية أمامهم للهجرة بصورة غير مشروعة، وإشراف جهات تركية غير بعيدة عن الحكومة على عمليات التسفير عبر البحر.

اقرأ أيضاً: تركيا تتخذ خطوات جديدة تجاه اللاجئين السوريين.. أبرزها

ثانياً: توقيت الإجراءات التركية الجديدة مرتبط بعاملين، هما:

تمّ استخدام قضية اللجوء ورقة للتفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي وابتزازها للحصول على مساعدات مالية

الأول: محاولة استعادة حزب العدالة والتنمية شعبيته المفقودة، وخسارته في الانتخابات البلدية، خاصة بلدية إسطنبول المعادة، "أعادت الحكومة التركية الانتخابات بقرارات قضائية، بحجة أنّ المعارضة ارتكبت تجاوزات"، خاصة أنّ المعارضة استثمرت الرفض الشعبي للتسهيلات التي قدمها العدالة والتنمية للاجئين السوريين، ويعتقد العدالة أنّ موقف المعارضة من اللاجئين السوريين كان سبباً في نجاحها، خاصة في بلدية إسطنبول.
والثاني: إعادة لاجئين سوريين من تركيا إلى مناطق إدلب؛ حيث تسيطر تنظيمات جهادية، بهدف مدّها بعناصر يمكن أن تكون مقاتلة، وإرسال جزء من المعادين إلى عفرين، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة "المحتلة من قبل تركيا" وإلغاء صفة "الكردية" عنها.

ثالثاً: التلويح لأوروبا التي تتصاعد خلافاتها مع الرئيس أردوغان، بإمكانية إعادة استخدام قضية اللجوء السوري في تركيا بتسهيل هجرتهم غير الشرعية، و"خلق" أزمة جديدة أمام الدول الأوروبية، التي أصبحت قضية اللجوء موضوعاً رئيساً ومعياراً في نجاح أو فشل الأحزاب السياسية في الانتخابات، والتي كادت تطيح بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وحزبها على خلفية موقفها بضرورة التعامل إيجابياً مع اللاجئين.

الإجراءات الجديدة تعكس ارتباك حزب العدالة والتنمية الذي يواجه جملة من المشاكل خاصة على الصعيد الداخلي

رابعاً: لم تحظَ قضية الإجراءات التركية بتغطية إعلامية مناسبة في إعلام "الممانعة" العربية والإسلامية، ويبدو أنّ ذلك مرتبط  بمستويين؛ الأول: الانشغال بتغطية أخبار التصعيد الذي يشهده الخليج العربي، خاصة أنّ أحد أقطاب الممانعة "إيران" أحد أطرافه. والثاني: تواطؤ من قبل إعلام الممانعة، وخاصة "الإسلامي"، مع السلطات التركية، وتبرير إجراءاتها، وهو ما عبرت عنه حوارات وجدالات داخل أروقة قيادة الإخوان المسلمين السوريين، الذين لم يكتفوا بتبرير الإجراءات التركية، بل هاجموا كلّ من قدّم رأياً تجاه تركيا، حتى لو لم يتضمن استنكاراً لتلك الإجراءات.

اقرأ أيضاً: ..وقطاع غزة أيضاً يضيق باللاجئين السوريين

ومما سبق، يبدو أنّ الإجراءات التركية تعكس ارتباك حزب العدالة والتنمية، الذي يواجه جملة من المشاكل، خاصة على الصعيد الداخلي، والتي تدلّ مؤشرات كثيرة على أنّ بقاءه في الحكم لم يعد مضموناً، وأنّ المقولات الدينية لا قيمة لها، إلا بقدر خدمتها للحملات الانتخابية، غير أنّ تلك الإجراءات تطرح قضية أكثر أهمية، على هامش الإجراءات ضد السوريين، في ظلّ تزايد خطاب "الكراهية" المتصاعد الذي أصبح الحزب ينافس فيه المعارضة "القومية"؛ وهي ما مصير الاستثمارات العربية في تركيا، بما فيها آلاف الشقق التي تمّ شراؤها من قبل مواطنين عرب "خليجيين وأردنيين وسوريين ومصريين وعراقيين" سواء بقي حزب العدالة والتنمية في الحكم أم فشل ونجحت المعارضة "القومية"؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية