كيف ساهمت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في محاربة التطرف بالعالم؟

كيف ساهمت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في محاربة التطرف بالعالم؟

كيف ساهمت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في محاربة التطرف بالعالم؟


22/10/2023

بما أنّ الغلو الديني والتطرف الفكري باتا يمثلان أحد أكثر القضايا التي تؤرق المجتمعات الدولية، وتشكل تهديداً خطيراً لنمائها واستقرارها وتطورها، والمنبع الرئيس للعنف والإرهاب وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ، فإنّه من الضروري والملح تكثيف الجهود لمراجعة الخطاب السائد وتنقية الفتاوى، للحدّ من هذا الغلو الديني.

وربما هذا ما يفسر توجه دار الإفتاء المصرية للإسهام في تجديد الخطاب الديني ومعالجة فوضى الفتاوى في أرجاء العالم الإسلامي، ومضيها في تنفيذ استراتيجيتها التي وضعتها لتنفيذ ذلك خطوة خطوة على المسارات المتنوعة في الداخل والخارج، وكانت الدار سبَّاقة لإعلان خطة تجديد الخطاب وتنقية الفتاوى.

تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء لتوظيف آلية المؤتمرات العالمية كإحدى أدوات ضبط الفتوى وترسيخ المنهج الوسطي في القول والرأي

وبعد جهود حثيثة في التخطيط والدراسة تمّ إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في كانون الأول (ديسمبر) 2015، ومقرها القاهرة، وضمت عضوية الأمانة ممثلين لأكثر من (80) دولة من مختلف قارات العالم.

هذا الهيكل سلّط عليه الضوء "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، في دراسة حديثة عنوانها "محاربة التطرف ـ الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم"، وجاء إنشاء الأمانة، بحسب المركز، من أجل رسم سياسات متعلقة بمعالجة فوضى الفتاوى والتصدي لفتاوى العنف والتطرف، عند المسلمين أجمعين عبر دول العالم كله.

التأسيس

الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم هيئة عالمية متخصصة مقرها في القاهرة، تقوم بالتنسيق بين دُور الفتوى والهيئات الإفتائية العاملة في مجال الإفتاء في أنحاء العالم بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائي لتلك الجهات، مع التنسيق فيما بينها لإنتاج عمل إفتائي علمي رصين، ومن ثَمَّ زيادة فعاليتها في مجتمعاتها حتى يكون الإفتاء أحد عوامل التنمية والتحضر للإنسانية.

تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لأن تكون المظلة الجامعة لهيئات الإفتاء

ولأنّ استقرار أمر الفتوى من أهم العوامل التي تساعد على استقرار الفرد والمجتمع، بحسب المركز الأوروبي، فقد عقدت دار الإفتاء المصرية أولى مؤتمراتها العالمية في القاهرة في آب (أغسطس) 2015، وأثمر هذا المؤتمر عدداً من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من التواصل والتشاور بين دور وهيئات الفتوى في العالم، وكان على رأسها إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الفتوى في العالم.

رؤية الأمانة العامة

تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لأن تكون المظلة الجامعة لهيئات الإفتاء، سواء في الدول الإسلامية أو لدى الجاليات المسلمة في كافة أرجاء العالم. وتؤمن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بأنّ الفتوى الصحيحة هي إحدى اللبنات الرئيسية لبناء فرد ومجتمع ودولة وأمّة مستقرين وفاعلين بين الأمم.

ومن أهدافها؛ تدعيم الاستقرار والسلم الوطنيين والعالميين بمحاربة أفكار المتشددين والسعي في إجراءات المواجهة، وترسيخ منهج الوسطية في الفتوى، وإيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة في العالم ترسخت عندهم قيم الوسطية والتعايش.

الغلو الديني والتطرف الفكري باتا يمثلان أحد أكثر القضايا التي تؤرق المجتمعات الدولية، وتشكل تهديداً خطيراً لنمائها واستقرارها

وتهدف إلى تبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء من الأعضاء، وتقديم الاستشارات العلمية والعملية لدور وهيئات الإفتاء لتنمية وتطوير أدائها الإفتائي، وبناء شراكات علمية تدعم المنهج الوسطي في بلادها باعتبارها خط الدفاع الأول عن مبادئ الإسلام الصحيح.

كما تهدف إلى المشاركة الفاعلة في تجديد الخطاب الديني عبر تقديم النماذج الواقعية في التجديد والتطوير وتأسيس المناهج وترسيخ الأفكار وتقديم البدائل، وتقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء من خلال التشاور العلمي بصوره المختلفة، وأيضاً تدعيم العلماء أصحاب المنهج الوسطي المعتدل.

جهود الأمانة في التصدي للفكر المتطرف

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات لفت أيضاً إلى أنّ الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم سعت للتصدي لظاهرة التطرف الفكري والديني، وتصحيح الصورة والمفاهيم المغلوطة المشوهة التي صدرتها الجماعات المتطرفة عن الإسلام، وذلك من خلال العديد من المبادرات والمؤتمرات والمشاريع والإصدارات التي شارك فيها عدد كبير من المفتين ورجال الدين حول العالم، وذلك لتقديم حلول واقعية فعالة للتحديات الإفتائية للمجتمعات المسلمة من خلال تعزيز التنسيق بين دور وهيئات الإفتاء في العالم.

مؤتمرات الأمانة العامة

تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء إلى توظيف آلية المؤتمرات العالمية كإحدى أدوات ضبط الفتوى، وترسيخ المنهج الوسطي في القول والرأي، وقد نجحت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في عقد (7) مؤتمرات منذ انطلاق مؤتمرها التأسيسي الأول في آب (أغسطس) 2015، بعنوان "الفتوى … إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل".

تهدف إلى المشاركة الفاعلة في تجديد الخطاب الديني

وعقدت الأمانة العامة مؤتمرها الثاني في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 تحت عنوان: "التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة"، الذي يُعدّ الأول من نوعه في معالجة قضية بعينها وتخصيص المساحة الكافية لها من حيث الدراسة والنقاش والتباحث.

وتحت عنوان "دور الفتوى في استقرار المجتمعات"، عقدت الأمانة العامة مؤتمرها الثالث  في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وعني من خلال جلساته وأبحاثه بدعم الاستقرار عن طريق الفتوى انطلاقاً من أنّ الدين أساس الاستقرار، وأكد على أنّ التطرف بكل مستوياته طريق للفوضى والتخريب، وأنّ إحدى كبريات وظائف المفتي في الوقت الحاضر هي التصدي للتطرف والمتطرفين.

ومع تصاعد حدة التطرف الفكري، وتعاقب الأحداث الإرهابية العالمية التي أصبحت الأمّة الإسلامية تئن من تداعياتها، نظراً لتخفّي تلك الجماعات المتطرفة خلف ستار الدين، وتحريف النصوص الدينية لتبرير سفك الدماء واستباحة الحرمات، عقدت الأمانة العامة مؤتمرها العالمي الرابع في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بعنوان: "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق".

يهدف المشروع إلى إخراج موسوعة علمية باللغات المختلفة تفكك وتناقش وتردّ على أفكار التطرف الديني خاصة، وتكتب باللغة العربية أصالة، ثم تترجم إلى اللغات العالمية الحية

وعقدت الأمانة مؤتمرها الخامس في تشرين الأول (أكتوبر) 2019  تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، ثم مؤتمرها السادس تحت عنوان: "مؤسسات الفتوى في العصر الرقمي... تحديات التطوير وآليات التعاون"، وذلك في آب (أغسطس) 2021؛ من أجل تطوير العمل الإفتائي بتطبيق التحول الرقمي، والدخول بالعملية الإفتائية في عصر النهضة الرقمية، وإدخال المؤسسات الإفتائية في العصر الرقمي، وتحديات تطبيق الرقمنة داخلها.

وعقدت الأمانة العامة مؤتمرها الدولي السابع في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 بعنوان "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة"؛ وذلك بهدف إبراز دَور الفتوى الشرعية في عمارة الأرض، وتحقيق التنمية المستدامة للدول والمجتمعات، بما يحقق رفاهية الإنسان، وسُبل إعادة بناء الوعي البشري تجاه قضايا البيئة والمناخ، والعلاقة بين الفتوى والتنمية المستدامة، وكيفية المساهمة في حماية المناخ.

المشاركة في مؤتمرات دولية

ووفق ما جاء في الدراسة، فقد شاركت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في العديد من المؤتمرات الدولية التي تعمل على مكافحة التطرف والتصدي للفكر المتطرف. إذ شارك رئيس الأمانة العامة الشيخ شوقي علام، مفتي مصر، في منتدى بناء الجسور الذي نظمته الأمم المتحدة خلال شهر حزيران (يونيو) 2023، وأوضح، في كلمته، أنّ انتشار العنف والإرهاب وقع بسبب الانحراف عن تعاليم الأديان التي تدعو إلى التعايش والتسامح.

وأكد رئيس الأمانة العامة أنّ إساءة استخدام الاختلافات الدينية والثقافية والعِرقية ما زالت وسيلة الجماعات المتطرفة لتبرير العنف والإرهاب وخطاب الكراهية، ولطالما وقف القادة الدينيون في مواجهة تلك الأفكار؛ وذلك إدراكاً منهم لعِظَم الصعوبات والتحديات التي تواجه المجتمع العالمي. وشدد رئيس الأمانة في كلمته على أهمية اتحاد القادة الدينيين من أجل تصحيح المفاهيم، مشيراً إلى أنّ ذلك سوف يحدُّ أو يمنع من انتشار العنف والإرهاب.

وشارك الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور إبراهيم نجم في اجتماع التحالف الدولي ضد (داعش)، الذي عُقد بواشنطن في تموز (يوليو) 2023، وأكد في كلمته أنّ المشاركة في الاجتماع تأتي إيماناً بأهمية التعاون والتكاتف بين كافة الجهات المعنية في مكافحة الفكر المتطرف، الذي لم يعد قاصراً على منطقة بعينها، ولكن بات يهدِّد العالم أجمع، ممّا يحتِّم علينا العمل معاً على كافة الأصعدة لمواجهة خطر الإرهاب ودحره.

مركز دراسات التشدد

عملت الأمانة العامة على تأسيس مركز بحثي وعلمي لإعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، يرتكز على مناهج وسطية إسلامية ليعالج مشكلات التشدد والتطرف الخاصة بالمسلمين حول العالم، وعلاقته بالإفتاء تأصيلاً وتنظيراً، ويقدّم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة الآخذة في الازدياد، ومحاربتها والقضاء عليها، واضعاً في الاعتبار الخصوصيات المرتبطة بتنوع الحالات وتعددها، واختلاف المناطق والبلدان، ليكون الذراع البحثية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.

ويسعى المركز للمساهمة في تعميق المناقشات العامة والأكاديمية المتعلقة بقضية التشدد بأبعادها المختلفة، ودعم عملية صنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التشدد، بحيث لا تقتصر على جانب المكافحة الأمنية، وإنّما تهتم أيضاً بالأبعاد الدينية والإنسانية والاجتماعية في عملية المكافحة.

المشروع العلمي لتفكيك فتاوى وأفكار التشدد والتكفير

سعت الأمانة العامة لتعزيز النهوض بالواجب المنوط بعلماء الأمّة ومفتيها. ويهدف المشروع إلى إخراج موسوعة علمية باللغات المختلفة تفكك وتناقش وتردّ على أفكار التطرف الديني خاصة، وتكتب باللغة العربية أصالة، ثم تترجم إلى اللغات العالمية الحية، تبدأ منها بالإنجليزية والفرنسية، ثم تترجم بعد ذلك إلى غيرها من اللغات، بحسب الدراسة.

مواضيع ذات صلة:

المؤسسات الدينية والمنعطف الرقمي

النظام التركي يستخدم مرة أخرى المؤسسات الدينية... ما الجديد؟

هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية