هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟

هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟

هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟


12/02/2023

أسامة يماني

يقول الدكتور محمد الخشت في مقدمة كتابه (نحو تأسيس عصر ديني جديد) «الفكرة الصواب هي التي تعمل بنجاح في الواقع وتنفع الناس. والإسلام الأول كانت نتائجه باهرة في تغيير الواقع والتأريخ، أما الإسلام الذي نعيشه اليوم فهو خارج التأريخ ومنفصل عن واقع حركة التقدم. ولذلك باتت من الضرورات الملحة اليوم العودة إلى الإسلام المنسي. ولا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من الموروثات الاجتماعية وقاع التراث والرؤية الأحادية... لذلك من الفرائض الواجبة توجيه النقد...».

السؤال الذي يثار هنا لماذا لا تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقوم بالتجديد؟ الواقع أن هناك أسباباً عدة تجعل هذه المؤسسات عاجزة عن التجديد والتغيير والإبداع في التفكير كما فعل الأوائل، ويمكن إجمال أهم هذه المسببات في العناصر التالية:

أولاً: البرمجة الفكرية التي خضع لها المجتمع عامة وأغلب من هم في هذه المؤسسات؛ فالإنسان يألف ما نشأ عليه. وكما يقال الإنسان كائن تأريخي يرتبط بالماضي وبتراثه وثقافته، قال تعالى (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)، من الصعب أن لا يحن الإنسان إلى ماضيه وتراثه حتى لو كان ملوثاً ومغلفاً بالأخطاء. البرمجة الفكرية التي نخضع لها من اليوم الأول لظهورنا في هذه الحياة تجعلنا نسيجاً في هذه الأرض دون فكر أو وعي، ونأخذ الكثير من الأمور كمسلمات وثوابت لا يجوز الخروج عليها، فللأساطير سلطتها على النفس، والقداسة قدر على قهر العقل وكبت الفكر في قمقم مظلم مكفهر غارق في السواد، حتى يصبح الفرد مأخوذاً بعقدة الذنب والشعور بالنقص والتقصير، وتسلّطت هذه العقدة عليه، فاستسلم للتراث ومخلّفات الماضي.

ثانياً: الأزمة في المؤسسات ترجع إلى أزمة في الفكر والثقافة، أزمتنا الحقيقية ليست في القراءة والكتابة والعلوم التطبيقية، مشكلتنا أو الأزمة الحقيقية ليست في الرجل الجاهل، ولكن في الرجل المتعلم واسع الاطلاع؛ الرجل الذي يملك إجابة عن كل سؤال، لأن معلوماته مستمدة -كما يظن أو يدعي- من مصدر إلهي غير قابل للخطأ، إنه الأستاذ الدكتور أو حضرة الإمام أو سماحة الشيخ أو فضيلة العلامة أو آية الله العظمى أيّاً كانت المسميات، إن الأزمة التي تعيش فيها الأمة قروناً عدة ظهرت مع ظهور الناطق الرسمي باسم الرب، عندما استعاضت الأمة الشرع الجماعي بالشرع الفردي أو الإقطاعي الذي تنفرد به مؤسسة أو جماعة أو فئة من دون الآخرين وتتكلم باسم الله.

ثالثاً: سلطة الجمهور في الواقع أقوى مما يتصور البعض؛ لأن المؤسسات تخاف أن تفقد جمهورها إذا خرجت عن المألوف وما نشأ عليه المجتمع وتربى عليه من مفاهيم وعادات وتقاليد. المؤسسات الدينية التقليدية حريصة على إرضاء جمهورها حتى ولو على حساب المنهج العلمي السليم، حتى القضاء في بعض دول عالمنا الإسلامي محكوم بمفاهيم تراثية تتماشى مع مفاهيم الجمهور وعاداته وذكوريته وعنصريته والقبلية والطائفية والمذهبية.

رابعاً: عدم وجود استراتيجية ومنهجية تتصل بالأهداف القريبة والبعيدة لهذه المؤسسات، للخروج بها من ضيق المذهبية والطائفية وأحادية الرؤية والعصبية، وعدم اعتماد هذه المؤسسات لمنهجية علمية ونقدية واتباع تفكير منهجي. يقول دكتور خشت «إن التفكير المنهجي الذي يتبعه ديكارت هو من أجل الهروب من دوامة الخداع والتضليل أيّاً كان احتمال مصدرها وهو يشك في القديم ليبحث عن يقين جديد، ولذا فإن الشك المنهجي ليس شكّاً مطلقاً من أجل التشكيك المغرض، واللاأدرية المعرفية، وفوضى الأفكار، وفوضى الواقع، بل كل ما يطلبه هو الدليل الرصين الحاسم ضد منظومة فكرية راسخة في بنية تضليلية متكاملة الأركان ومن هنا فهو ليس شكّاً مَرضيّاً، ولا شكّاً فوضويّاً، وليس تردداً بين نقيضين لا ترجيح لأحدهما على الآخر. إنه فحسب خطوة على «طريق» نحو الحقيقة القائمة على الأفكار الواضحة والمتميزة لا على أقوال القدماء ولا سلطة قياس الحاضر على الماضي».

إن المؤسسات الدينية التقليدية لن تستطيع أن تخرج من دوامة التقليد والنقل والعيش في الماضي وعصور الشقاق وحروب الفرق والسياسة والتطرف إلا باعتماد منهج علمي وخطة عمل واستراتيجية ورسالة واضحة وأهداف محددة لا لبس فيها ولا غموض وقواعد وأسس تقوم على المصلحة والعدالة والرحمة وتقبل التنوع والاختلاف.

الأمل معقود في الحكومات أن تلزم هذه المؤسسات بإعادة هيكلتها وتبني سياسات واستراتيجيات وأهداف ورسالة تحقق التجديد والإصلاح وعودة الوعي والفكر والإسلام المنسي؛ إسلام السماحة والرحمة والعدل والإحسان.

عن "عكاظ"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية