قُتل ابنها بتفجير إرهابي.. كيف حوّلت لطيفة بن زياتن معاناتها سلاحاً ضد التطرف؟

قُتل ابنها بتفجير إرهابي.. كيف حوّلت لطيفة بن زياتن معاناتها سلاحاً ضد التطرف؟


08/03/2022

غوى خيرالله

عملت السيدة لطيفة بن زياتن، وهي امرأة مغربية فرنسية قُتل ابنها في هجوم إرهابي عام 2012، على توعية الشباب والحد من انسياقه وراء التطرف والإرهاب.

وحصلت بن زياتن على "جائزة زايد للأخوة الإنسانية" 2021 مناصفة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تقديرا لجهودها في "نشر روح التسامح والأخوة الإنسانية ومحاربة التطرف الديني لدى الشباب"، كما ذكر الأمين العام في رسالته بهذه المناسبة، شاكرا لها دورها الرائد في بناء جيل سلام.

ففي الحادي عشر من آذار (مارس) 2012، قـُتل ابنها عماد، المظلي في الجيش الفرنسي، على يد الشاب محمد مراح في تولوز بفرنسا في حادثة هزت البلاد. حادثة غيّرت قدر لطيفة.

وروت السيدة لطيفة لـ"النهار العربي" عن تجربة خسارة ابنها القاسية، وكيف حولت معاناتها الى أمل، وهي قد مدت يدها لمن تسببوا في ألمها.

وقالت: "في تلك الفترة أبلغوني أن ابني قتل، فسارعت إلى مكان الحادث على رغم اعتراض عائلتي، لرؤيته أو التماس أثر منه، لعلي أطفئ نار قلبي ولكني لم أجد إلا بقايا دمائه على الأرض والتي أكدت لي أن حياة ابني انتهت". 

فصل جديد

وروت: "هنا بدأ فصل جديد في حياتي إذ تحولت إلى مناضلة وناشطة من أجله، بحثت عن قاتل ابني، وتوجهت إلى مدينة تولوز حيث يقيم القاتل، والتقيت بمجموعة من الشباب وسألتهم إن كانوا يعرفون مراح قاتل ابني، فأجابوني :ألا تشاهدين التلفاز يا سيدتي؟ إنه بطل، وشهيد في سبيل الإسلام"! 

وكرروا عبارة: "إن هذا الرجل شهيد في سبيل الإسلام" .

واندهشت السيدة لطيفة من المشهد متسائلة كيف "يمكن أن ينظر المجتمع للقاتل على أنه بطل يناضل في سبيل الإسلام؟". 

وقالت: "نظرت إليهم باستغراب وأخبرتهم أني والدة الضحية الأولى لهذا الهجوم الإرهابي، أعربوا عن أسفهم لمصابي الجلل، وأجبتهم: كيف يمكنكم أن تسموا هذا شهيداً في سبيل الإسلام، هل تعتقدون أن هذا هو دين الإسلام؟".

ورأت علامات الأسف على وجوههم: "فهم يؤمنون أنه بعيد كل البعد عن الإسلام"، وكان ردهم إن الظروف المحيطة والمكان الذي يقطنون فيه هو من ساهم بترسيخ هذه الصورة في أذهانهم، "فضلاً عن عدم وجود أي دعم من قبل الحكومة لهم مما ساهم في انتشار أعمال العنف". 

وكشفت عن استدراكها آنذاك أنّ هؤلاء الشباب يعيشون الألم والمعاناة، فهم بمفردهم دون رعاية من قبل الجهات المختصة في الدولة: "لقد جئت إلى هذا المكان لأجد قاتل ابني وألتقي بأسرته، وبدلاً من أن أنتقم ممن كانوا مصدر ألمي وحزني، وجدت نفسي أتفاعل معهم وأحاول مساعدتهم ومدّ يد العون لهم". 

ووعدتهم بن زياتن بأنها ستبذل كل جهدها لتغيير واقعهم. وأوضحت: "هنا كانت نقطة البداية، عملت على تنظيم مؤتمر في مدرسة قريبة من المكان الذي توفي فيه ابني. كان المؤتمر يترجم أحوالهم الصعبة بمنتهى العمق والموضوعية، ونال إعجاب الجميع حتى فئة الشباب".  

دفعتها التجربة لإنشاء جمعية "عماد للشباب والسلام" في 24 نيسان (أبريل) 2012 بهدف مساعدة الشباب ممن يواجهون صعوبات وتحديات، خاصة الذين يعيشون في أحياء فقيرة عاطلين عن العمل، ممن افتقدوا الأمل بالاندماج مع المجتمع الفرنسي. 

وتساعد الجمعية اليوم العديد من الشباب الذين لم يتمكنوا من نيل فرصة التعلم، وفقدوا وجود الأسرة والآباء ولم يجدوا بيئة ملائمة لدعمهم، وساهمت في تفعيل تواصلهم مع مجتمعهم واندماجهم معه.

السجون والجمعيات

وعن نشاطها في السجون والجمعيات، كشفت السيدة لطيفة أنّ "هؤلاء الأشخاص هم بأمس الحاجة إلى الدعم والمساندة، ولهذا السبب قد لا تلبي ورشة العمل كافة التطلعات". 

وتابعت: "أنا بحاجة إلى إجراء محادثات ومؤتمرات في الوقت نفسه، لزرع الأعمال الجيدة وانتزاع الكراهية من قلبوهم، كي يصيروا أهلاً للمسؤولية بعد تركهم السجن والاندماج بالمجتمع والحياة اليومية". 

وخلال مسيرتها، تمكنت من تقديم الكثير من الدعم للشباب في السجن، من خلال توفير فرص عمل لهم عند خروجهم. وتعتبرهم "أشخاصاً مثلنا مثلهم ليسوا خطيرين كما يظن البعض". وقد حققت نتائج إيجابية بالفعل في تغيير حياتهم، ما دفعها إلى المضي قدماً وتقديم المزيد من المساعدات. 

"جائزة زايد للأخوة الانسانية"

وأضافت بن زياتن"جائزة زايد للأخوة الانسانية" ساهمت بدعم مسيرتها "المتمثلة في إسعاد العائلات وجيل الشاب الصاعد".

وأشارت الى أنها شعرت بسعادة غامرة عند الفوز بالجائزة، وأضافت: "اليوم لدينا مركز في فرنسا وخطتنا المقبلة هي افتتاح مركز جديد في المغرب أيضاً، لأساعد المهاجرين الشباب أو الأشخاص الذين أرادوا السفر إلى أوروبا، في دعم مسيرتهم لتلقي التعليم والعثور على عمل للبقاء في بلدهم وعدم إضاعة حياتهم في الحلم بالذهاب إلى أوروبا".

وأوضحت أنها استطاعت بفضل الجائزة تقديم المساعدة للمهاجرين، وتمكنت من التبرع بمبلغ معين. 

وتطمح من خلال المركز الجديد في المغرب للوصول إلى المزيد من الأشخاص المحتاجين للمساعدة. وشكلت "جائزة زايد للأخوة الإنسانية" أهمية كبيرة بالنسبة لها: "قد ساعدني الفوز بالجائزة المالية على العمل أكثر مع الشباب ومع كبار السن، أعتقد أن جائزة زايد جلبت لي السعادة والنجاح، ويجب عليّ تحقيق المزيد من النجاح من خلال مساعدة الأشخاص الذين يستحقونها ويحتاجون إليها". 

التطرف في المجتمع

ورأت بن زياتن أنّ التطرف والعنف تحديان يوميان يستهدفان استقرار مجتمعاتنا وأمننا ويهددان كافة الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، و"يمكننا أن نقضي عليهما بالتسامح". 

وسبق لها أن أطلقت حركة خاصة بالسجناء تهدف إلى تبني التسامح نهجاً أساسياً في حياتهم اليومية داخل السجن وبعد الخروج، لأن السجون هي عادة ما تكون من الأماكن الأشد كراهية في العالم. وكان للجائزة دور كبير "في تحفيزي على متابعة مسيرتي والاستمرار بتبني نهج العطاء وإسعاد الأخرين".

المجتمع الفرنسي

واعترفت السيدة لطيفة أنّ الوضع في فرنسا "صعب للغاية في الوقت الحاضر"، فهناك سوء فهم حول دين الإسلام على وجه الخصوص، وهناك جزء كبير من الكراهية في المجتمع الفرنسي، الأمر الذي يجعل إيجاد فرص عمل للشباب أمراً في غاية الصعوبة.

ولفتت الى أنّ فرنسا تتميز "ببيئة مشحونة بالنزاعات. هناك العديد من الآراء والأفكار والمعتقدات الخاطئة. ووسائل الإعلام والسياسيون لا يؤدون دورهم بشكل صحيح، ما يولد شحنة من عدم الثقة بقدراتهم لدى الأجيال القادمة".

ويكمن دور بن زياتن بالعمل بشكل جدي "لتعزيز الوعي وترسيخ المبادئ والقيم السامية لكافة الأديان". 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية