قلق في النمسا من تصاعد خطر الإخوان المسلمين

قلق في النمسا من تصاعد خطر الإخوان المسلمين


15/11/2021

ترجمة: علي نوار

لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تواصل مدّ أذرعها في أوروبا على الرُغم من انحسار تأثيرها في بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس. والحقيقة أنّ التنظيم الإسلاموي، الذي كانت نقطة انطلاقه عام 1928 من مصر ونجح بمرور الأعوام في الانتشار داخل بُلدان أخرى من الشرق الأوسط، بدأ يضع عينيه على القارة العجوز في عِقدي الستينات والثمانينات.

وكانت اللبنة الأولى هي افتتاح المركز الإسلامي في ميونخ على الأراضي الألمانية عام 1960 تحت إشراف سعيد رمضان زوج ابنة مؤسّس التنظيم حسن البنّا. واستغلّت الجماعة هذه المؤسّسة من أجل الترويج لأفكارها في كامل أنحاء أوروبا.

إقرأ أيضاً: فروع الإخوان المسلمين بين التقية والانحناء للعواصف

وتتواجد الجماعة في الوقت الراهن بجميع الدول الأوروبية تقريباً. وهو ما كشف عنه أحدث تقارير "مركز توثيق الإسلام السياسي" الذي ورد فيه "توجد في كل الدول الأوروبية الكُبرى شبكة صغيرة من الأفراد والمُنظّمات التي تتّصل بصورة أو بأخرى بجماعة الإخوان المسلمين". وأزاح التقرير الذي وضعه هذا المركز ومقرّه النمسا ويهتمّ على وجه الخصوص بالبحث العلمي في مجال الإسلام السياسي، الستار عن كثير من خبايا هيكل تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا ومصادر تمويله.

موطئ القدم الأول للإخوان في أوروبا

وقد أنشأت السُلطات النمساوية "مركز توثيق الإسلام السياسي" عام 2020 بهدف مراقبة ودراسة تحرّكات الجماعة وتنظيمات إسلاموية أخرى، كما يبحث المركز سُبل مكافحتها.

 وعلى مدار 200 صفحة تقريباً، يتطرّق كل من الخبير الإيطالي في الشئون الإسلاموية لورنزو فيدينو والباحث المتخصّص في شؤون الأصولية والإرهاب في معهد "إلكانو" الملكي الإسباني للدراسات سرخيو ألتونا، إلى كثير من التفاصيل حول حضور جماعة الإخوان داخل أوروبا على مدار العقود المُنصرمة.

أمكن توثيق آراء جماعة الإخوان في مقدّمتها العداء للسامية والأقلّيات الجنسية وإباحة تعدّد الزوجات. كما أنّ خطاب "نحن في مواجهة هم" يتناقض مع جهود إدماج المسلمين في أوروبا

وينقسم التقرير إلى أربعة أجزاء، يركّز أحدها بالكامل على وجود الإخوان في 11 دولة أوروبية على رأسها بلجيكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا. وعلى الرُغم من الاختلافات بين كل من هذه البُلدان، بيد أنّها تتشارك جميعًا خصائص بعينها.

ومثلما أشار التقرير، فإنّ حضور جماعة الإخوان المسلمين في القارة العجوز كان فكرة طُلّاب من الشرق الأوسط في الجامعات الأوروبية وعدد من كبار قيادات التنظيم، ويؤكّد فيدينو وألتونا أنّ "ما بدأ كوجود غير مُتوقّع ومؤقّت في أوروبا، صار مع الوقت دائماً ومتشعّباً بصورة هائلة".

مُنظّمات تحت مظلّة الإسلام السياسي

انبثقت من جماعة الإخوان المسلمين مُنظّمات عامّة كثيرة بهدف أساسي هو البحث عن مُريدين ومنظّرين. ومن بين هذه المُنظّمات يبرز "اتّحاد المُنظّمات الإسلامية في أوروبا" الذي تأسّس عام 1989 ومقرّه العاصمة البلجيكية بروكسل. ثم غيّرت اسمها إلى "مجلس مسلمي أوروبا" والذي أنشأ بدوره مُنظّمتين أخريين هما "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية" و"المركز الأوروبي للفتوى". وفي الوقت ذاته ظهرت "مُنظّمة الإغاثة الإسلامية" التي تنفي بقوّة أي صلة لها بالجماعة، لكن التقرير يؤكّد أنّها "مُقرّبة" من الإخوان المسلمين.

إقرأ أيضاً: 5 محن عصفت بجماعة الإخوان المسلمين 

ويوضّح التقرير "تجمع المُنظّمات التابعة للإخوان المسلمين في دول مختلفة بشكل منتظم تبرّعات وتدعم تقديم مساعدات إسلامية، فيما يرأس الأشخاص المنتمون إلى الجماعة عادة الأفرع المحلّية من الجماعة"، مشيراً كذلك إلى أنّ جماعة الإخوان تبثّ أفكارها عن طريق شبكة ضخمة من المساجد والمُنظّمات الخيرية والمدارس وجماعات الضغط "لوبي" أو حتّى مجموعات ناشطة في مجال الحقوق المدنيّة.

مصادر التمويل

وكشف المركز النمساوي في تقريره أيضاً أنّ "أحد أقوى الأسباب التي تفسّر النجاح النسبي لجماعة الإخوان المسلمين يتمثّل في حصولها على موارد مالية كبيرة". إلّا أنّ الخبراء يلفتون الانتباه في الوقت ذاته إلى أنّ العملية التي تتحصّل بها الجماعة على التمويل "مُعقّدة ويصعب اختراقها"، لكنّهم توصّلوا على أي حال إلى ما قسّموه إلى أربع فئات هي المصادر الرئيسة للأموال تعتمد عليها الجماعة.

إقرأ أيضاً: أوروبا تدرك خطر الإخوان على أمنها.. كيف ستواجه؟

وتأتي في المقام الأول التبرّعات التي يقدّمها المسلمون الذين يعيشون في أوروبا. وكذلك الأنشطة المالية التي تنفّذها الجماعة بنفسها. ويقول الباحثون إنّ الجماعة تعمل منذ وقت ليس بالوجيز على تطوير شبكة من الأعمال يركّز بعضها على أنشطة مُتعلّقة بالإسلام مثل تراخيص اللحم الحلال أو بيع المطبوعات الدينية. رُغم أنّ هناك أنشطة أخرى لا صلة لها بالدين وتوجد عادة في مجال العقارات أو الخدمات المالية.

سوزان راب وزيرة الاندماج النمساوية تتدارس مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي إجرءات مكافحة الإسلاموية في القارة: فيينا ينبغي أن تصير مركزاً لمواجهة الإسلام السياسي

ثم يستعرض التقرير عدّة دول تساند الجماعة مادياً مثل قطر وبدرجة أقل الكويت. كما أبرز "الدور المُهمّ الذي تلعبه تركيا في الأعوام الأخيرة". إلّا أنّ الخبراء عادوا وألمحوا إلى أنّ التبرّعات الأجنبية كان مصدرها "تاريخياً وعملياً من بعض دول الخليج".

وأخيراً وربّما تكون هذه هي النقطة الأكثر إثارة للجدل، إشارة التقرير إلى "مساعدات من حكومات أوروبية والاتّحاد الأوروبي". وقد أوضح التقرير أنّ المنظّمات المرتبطة بالإخوان تتلقّى أموالاً حكومية لتطوير أنشطة تستهدف الإدماج أو مكافحة معاداة الإسلام. ويوضّح التقرير "تتحرّك المنظمات المستفيدة التي تتصّل بشكل وثيق بجماعة الإخوان بصفتها وسيطًا عن وكالات مساعدة أوروبية حكومية لتنفّذ مشروعات في أقاليم أفريقيا والشرق الأوسط".

أهداف الجماعة

لكن لماذا تسعى جماعة الإخوان المسلمين نحو زيادة حضورها في أوروبا؟ وفقاً للمركز النمساوي، تحاول الجماعة التّرويج لرؤيتها الاجتماعية السياسية-الدينية بين مجتمع المسلمين في أوروبا عبر تعزيز الهويّة الإسلامية. وبنفس الطريقة، تسعى الجماعة الإسلاموية إلى أن تصبح مُمثّلاً رسمياً للمسلمين، فضلاً عن التأثير على السياسات المتعلّقة بأي ملفّ يمسّ الإسلام.

بيد أنّه رغم تقديم الإخوان أنفسهم بمظهر الإسلامويين المعتدلين، يحذّر التقرير من التعارض الذي تنطوي عليه أفكار الجماعة مع مبادئ الحرّية التي يطالب بها زعماء أوروبيون. وأمكن للخبراء توثيق بعض وجهات النظر المثيرة للجدل في مقدّمتها العداء للسامية والأقلّيات الجنسية وإباحة تعدّد الزوجات. كما أنّ خطاب "نحن في مواجهة هم" الذي تتبنّاه الجماعة يتناقض جملة وتفصيلاً مع جهود إدماج المسلمين في أوروبا.

إقرأ أيضاً: آليّات التجنيد عند الإخوان المسلمين

وفي الجزء الخاص بالنتائج والتوصيات، يطرح التقرير عدّة أفكار من شأنها مكافحة الفكر الإسلاموي وعلى رأسها وقف التمويل، مؤكّداً أنّ "الجهات الحكومية الأوروبية يجدر بها التوقّف عن منح المال لجماعة الإخوان".

وفي السياق ذاته، اجتمعت سوزان راب وزيرة الاندماج النمساوية وصاحبة مبادرة تأسيس "مركز توثيق الإسلام السياسي"في فيينا مع عدد من الشركاء في الاتحاد الأوروبي لمناقشة إجرءات مكافحة الإسلاموية في القارة وملفّات أخرى تتعلّق بالتقرير الصادر مؤخّراً، وصرّحت راب بأنّ "بداية الإسلام السياسي والإرهاب ليست مع تحوّلهما للعنف، بل تعود لما قبل ذلك بكثير"، مشدّدة على أنّ فيينا ينبغي أن تصير "مركزاً لمواجهة الإسلام السياسي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية