حامد الكيلاني
قلق جامعة الدول العربية لا يستوفي الرد على مخاطر العدوان الإيراني على الأمة العربية، بل إن القلق يتضاعف مع وجود دول عربية تنسق في مواقفها داخل الجامعة العربية وفي المحافل الدولية مع النظام الإيراني.
السفير الإيراني في بغداد، ايرج مسجدي، عبَّرَ عن سعادته بالتنسيق السياسي بين إيران والعراق في المؤتمرات الإقليمية والدولية في وقت متزامن مع انعقاد الدورة الـ149 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب.
إيران من جانبها وصفت البيان الختامي الذي صدر عن اجتماع المجلس بأنه بيان زائف، رغم أن البيان لا يرتقي فوق سياسة الحد الأدنى من التضامن العربي ضد الأعمال العدوانية والتخريبية التي شملت عددا من الدول العربية غير الدول الأربع المعلنة على قائمة التدخل المباشر، ونعني بها العراق وسوريا واليمن ولبنان.
الإعراب عن القلق العربي من تسليح الميليشيات وإطلاق الصواريخ الباليستية والكشف عن خلايا إرهابية وما يجري من أفعال مشينة تقوم بها الفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ كل ذلك في حقيقته لا يقدم لنا إعرابا شاملا ومجزيا لجملة عربية مفيدة عن مستوى الصمود بخطوات عملية واثقة تتناسب وحجم مخاطر إرهاب المشروع الإيراني الكارثية. القلق وحده ربما يكون مجاملة للتضامن العربي بوجود دول عربية صودرت قراراتها السياسية بالإرادة الإيرانية، أو لمتطلبات الأعراف الدبلوماسية.
قد نجد مبررا وتفسيرا لمصطلح القلق المتداول كثيرا في أروقة مجلس الأمن الدولي تجاه قضايا حساسة جدا تتعلق بجرائم وإبادات تعرضت لها الشعوب، ومنها الشعب السوري، أو بما تتعرض له الآن الغوطة الدمشقية حد استخدام عبارة صادمة مثل “نهاية العالم” في مقاربة لعجز الكلمات عن إيصال تفاصيل العبث بأعصاب مشتركات ولو الحد الأدنى من القيم والقوانين الضامنة لحياة المجتمعات الإنسانية.
نتفهم أحيانا، لكن بامتعاض، دوافع القلق في تراتبية عبارات الدبلوماسية الدولية لأسباب ليست مجهولة كمكانة الدول وتأثيرها في اتخاذ القرارات أو رفضها أو لترك مساحة للقرار السياسي والمشاورات واللقاءات.
لكننا كمواطنين في أمة، لنا جامعة ننتمي لها قولا واسما وفعلا، لا نتفهم ولا نعذر من يستخدم مصطلح القلق للتعبير عن وقائع مستمرة من الجرائم والإبادات ومن إقحام الميليشيات الإيرانية بالتلميح والتصريح في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي في عدد من الدول العربية بالاحتلال والتوسع وتمدد الفتنة.
بربرية الدهاء الإيراني في مشروع ولاية الفقيه تتماشى مع حلم إمبراطوري قومي استغل إحدى مدارس الفقه الإسلامي العربي في الارتداد على الأمن القومي العربي بطروحات إسلامية محايدة أحيانا، عندما تقتضي الظروف إيجاد منافذ عبور لا تتوفر على عناصر طائفية متمذهبة معه وتكون الوسائل عادة بالدعم المادي، وغالبا غير محايدة في البيئات العقائدية التي يراد منها مغادرة أمتها العربية وتدجينها فقط لخدمة مشروع ولاية الفقيه الذي يسير بخطى متسارعة باتجاهين؛ اتجاه إلى الخارج يضمن إبعاد الصراعات المسلحة عن أمنه الداخلي، واتجاه آخر يستهدف تطويق الأزمات المتفجرة في عمق الشعوب المحددة بالجغرافيا الإيرانية.
الحوار الجيد والمفيد بين اثنين يشبه عملية ولادة ينبغي أن تتوفر لها مستلزمات الحياة الطبيعية للوافد الجديد؛ والنظام الإيراني كما جرت العادة منذ عقود يلجأ إلى الوجبات السريعة والجاهزة في ورش الدبلوماسية، عندما يردد النصح بضرورة حل المشاكل بالحوار والسياسة في قضايا تم تدخله فيها بالسلاح مسبقا، مع العمل على الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة.
قلق جامعة الدول العربية لا يقلل ولا يستوفي الرد على مخاطر العدوان الإيراني السافر على الأمة العربية الذي هدد مصيرها وغدها، بل إن القلق يتضاعف مع وجود دول عربية تنسق في مواقفها داخل الجامعة العربية وأيضا في المحافل الدولية مع النظام الإيراني قبل وبعد انعقاد أي اجتماع أو مؤتمر. القلق العربي وبخبرة التجارب يتبلور إلى مستوى دق ناقوس الخطر في اجتماع الدورة الـ29 للقمة العربية المقرر عقدها في شهر أبريل القادم على مستوى الزعماء في الرياض لتنبيه إيران دبلوماسيا وسياسيا للتراجع عن تمدد مشروعها، والانصراف إلى حل مشاكلها الداخلية والمساهمة في إعادة الاستقرار الغائب إلى المنطقة.
القلق من الإرهاب الإيراني في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية تردد بأصداء لها وقع الإعلان عن حالة الطوارئ القصوى في نفوس أبناء أمتنا العربية خاصة من الذين تعايشوا مع مأساة التمدد الميليشياوي لإيران في بلدانهم.
جامعة الدول العربية في ذهنية النظام الإيراني ومن يقلده بحكم الولاءات الطائفية والسياسية لمشروعه مخطط لها، أي للجامعة، أن تتحول إلى تجمع جغرافي يبتعد كثيرا عن غايات التأسيس في كونها عزاء للخروج من الحقبة الاستعمارية لالتقاط أجزاء وحـدة الأمة من أجل التنمية والتحرر، والحرب على جبهة عدم الإذعان، أو عدم التفريط بالمشروع العربي تحت مطرقة تناوب اليأس وفشل التجارب الوحدوية التي أوصلتنا إلى السقوط في فخ التسليم لفكرة أن وحدة الأمة تبدأ بوحدة الأنظمة السياسية الحاكمة دون الالتفات إلى مكونات الوحدة الإنسانية والمزاج العام للحياة المشتركة والذي دونه تتحول الوحدة إلى خرافة تضاف إلى أوهام مازالت تحت الاستجواب في ضمير كل إنسان عربي.
تنشط سفارة الاحتلال الإيراني في بغداد بتنظيم اللقاءات والزيارات للوفود الرسمية المعلنة قبل الانتخابات، والتي تشهد تصعيدا في تطبيق مقولات أو رغبات إيرانية كالتي صرح بها علي أكبر ولايتي مستشار المرشد خامنئي عن أهمية منع أو حرمان الأحزاب الشيوعية والليبرالية من حق التنافس على مقاعد البرلمان المقبل.
بعضهم تعاطى مع تلك المقولة كوصية من المرشد على الأحزاب الدينية والمذهبية والطائفية تنفيذها بقوة الردع في الدعوة جهارا نهارا إلى تصفيات جسدية دون اعتبار لقانون أو خوف من ملاحقة بتهم التحريض على القتل. تحت بند العلاقات والاستثمار في العراق حضر نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري للقاء زعماء الأحزاب الطائفية لضمان عدم انحراف السلطة في العراق عن مسارها الإيراني المحدد، سياسيا واقتصاديا، ولو نحو أمته العربية أو نحو أي إصلاح محتمل.
السلطة في العراق محرجة دائما تحت سياط الجلد المستمرة من قادة إيران، وهي سياسة لا تدع مجالا لأحزابها الطائفية من التصرف بإرادتها ولو الشكلية كقرار وطني مستقل، وكثيرا ما تبالغ لدرجة نسيان الحقائق الطبيعية في الجغرافيا تماهيا مع ذاكرة وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري المستلبة تماما من إيران حين قال في أحد مؤتمراته الصحافية “إن نهر دجلة ينبع من إيران”.
فعل ذلك أيضا مستشار المرشد خامنئي للشؤون العسكرية يحيى رحيم صفوي وهو قائد سابق للحرس الثوري، إذ هدد العراق تحديدا وحذره باستخدام القوة في حالة التوتر بقضية المياه بين البلدين؛ متناسيا أن نظامه الفاشي أقدم على تحويل مجرى الأنهار إلى داخل إيران لمنع تدفقها إلى خارج الحدود، وهو ما تسبب بكارثة بيئية في مدينة البصرة ومقترباتها أدت إلى هجرة السكان الذين يعتمدون على الزراعة لنقص المياه وزيادة الملوحة.
المياه في إيران سياسة عامة كما يقول مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في إشارة إلى ورقة المياه في قمع الشعوب الأذرية والكردية والعربية وغيرها، وتجفيف بحيرة أرومية شاهد على تمدد إرهاب النظام أولا في الداخل الإيراني.
وقائع لا حصر لها عن أسباب القلق من الإرهاب الإيراني، لكن يظل السؤال في العراق عن ثلاثية العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران ودور سلطة العراق بينهما في استغلال واستغفال شعب العراق؟ الإعراب عن القلق في جامعة الدول العربية من الإرهاب الإيراني عين سحرية نتطلع بها إلى ما هو قادم لالتقاط كل شاردة وواردة تحيط بأمتنا العربية حتى خائنة الأعين.
عن "العرب" اللندنية