قلب العاصمة التونسية ينبض بالحياة بعد يوم عصيب

قلب العاصمة التونسية ينبض بالحياة بعد يوم عصيب


29/06/2019

عاشت تونس يوم الخميس الماضي على وقع توتر وضغط سياسي وأمني كبيرين: عملية إرهابية مزدوجة وخطيرة وأنباء متضاربة عن تدهور صحة الرئيس الباجي قائد السبسي. لكن، ما كان لافتا هو تعاطي الشارع التونسي مع هذا الوضع. أبدى التونسيون وعيا ورصانة تعتبر نادرة باعتبار حداثة بلادهم في التعامل مع الإرهاب من جهة ومع خبر بقيمة مرض الرئيس، وإشاعة وفاته، من جهة أخرى.

ووصف الكثير من التونسيين الخميس بأنه “خميس أسود”. ومع ذلك، واصلوا حياتهم بشكل طبيعي يدفع إلى التساؤل حول كيف غيّرت فترة ما بعد ثورة 2011 المجتمع التونسي وكيف أعادت كل الأحداث التي عاشها التونسيون تشكيل وعيهم في التعاطي مع الأزمات والإرهاب.

عودة الحياة إلى قلب العاصمة

أبدى التونسيون شجاعة في تحدي الإرهاب، عندما عادت الحركة إلى طبيعتها بعد وقت قصير من العملية الإرهابية. الموسم الصيفي في تونس هو موسم الأعراس والاحتفالات، وهذه الفترة تحديدا تكثر فيها التنقلات والحركة في وسط العاصمة، وبشكل خاص في الشارع الذي استهدفه التفجير الإرهابي الأول، شارع شارل ديغول، في قلب العاصمة.

ويمثل هذا الشارع شريان الحياة الاقتصادية والتجارية في العاصمة إذ يضم العشرات من المحلات التجارية والمطاعم على جانبيه. ويحاذي المدينة العتيقة وباب البحر والأسواق الشعبية التي يقصدها التونسيون لشراء مستلزمات أفراحهم.

واصل الناس مشاغلهم متحدين الإرهاب. الأمر يبدو في ظاهره برودا أو عدم اهتمام. وقال البعض إن التونسيين تعوّدوا على الهجمات الإرهابية، حتى أن التلفزيون الوطني مرّر حفلة افتتاح مهرجان الإذاعة والتلفزيون، ووسائل الإعلام واصلت برامجها بشكل عادي، في اليوم الموالي، دون إعلان حداد.

لكن كثيرين ردّوا على ذلك بالتأكيد على أنها طبيعة التونسيين المحبين للحياة وأنها رسالة تحدّ لأعداء الحياة، ولمن يدعمهم ولمن يريد خلق الفوضى في تونس. وغير بعيد عن شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي غصت المقاهي بالزبائن وكان السياح يتجولون في قلب العاصمة ويتوقفون في خيام مخصصة للصناعات التقليدية وزاروا أسواق المدينة العتيقة.

أراد الإرهابيون إيجاد حالة ذعر وصدمة لدى التونسيين، إلا أن مشهد عودة فتح المقاهي والمحال التجارية أمام الزبائن، وعودة الباعة إلى أعمالهم، وتجول أعداد مهمة من المواطنين، كل ذلك لا يوحي أبدا بأن هذا المكان شهد قبل يوم تفجيرا انتحاريا “اهتزت” له البلاد.

عبر عن ذلك خالد، نادل بمقهى يقع قبالة الطريق الذي شهد العملية الإرهابية، بقوله “التونسي لا يرهبه شيء، كله أمل وحب للحياة.. والدليل أن الأمور عادت كالسابق؛ فالمحال فتحت أبوابها أمام الحرفاء (الزبائن) والمقاهي والمطاعم كذلك”.

ويدعم ذلك قول وزير السياحة روني الطرابلسي إن الحادث لن يؤثر على صناعة السياحة في البلاد، في ظل التأمين المحكم للمواقع السياحية، مضيفا أن ثقافة الحياة ستظل منتصرة في تونس. وشددت على ذلك امرأة اسمها سناء، قالت وهي بصدد دخول متجر “نحن لا نخاف من الإرهاب.. ولن نستسلم.. سنواصل حياتنا وستستمر ديمقراطيتنا التي تخيفهم”.

وبنفس الحماس، قالت نسرين (29 عاما)، التي كانت قريبة من المكان الذي وقعت فيه العملية الإرهابية في شارع شارل ديغول، وبقيت متواجدة رغم الوضع الأمني، “هذه تونسنا، لن نتركها للإرهاب والظلاميين.. بلد الحرية يصدر الحرية ولا يصدر العنف والإرهاب”.

وأضافت معلقة على مرض الرئيس الباجي قائد السبسي “هذا رئيسنا الذي مهما كانت عيوبه ومهما اختلفنا معه ، نتمنى له الشفاء… نتحدث عن مرضه بكل حرية… وينزل خبر وفاته في إشاعات دون أن يسجن أحد… ويعالج في مستشفى حكومي تحت إشراف كفاءات طبية تونسية تستحق الثقة”.

كانت نسرين تتحدث بلهجة الشباب الثائر المحب للحياة. وبينما كانت تتحدث لـ”العرب”، كان المارة من التونسيين يلقون كلمات تأييد، وهم ماضون لقضاء شؤونهم في حركة مستمرة، يقطعها من وقت لآخر توقف لإلقاء نظرة على فيسبوك أو مشاهدة شريط الأخبار الذي يعرضه تلفزيون مفتوح في أحد المقاهي، لمعرفة آخر الأخبار.

ويؤكد خالد عبيد، المحلل والمؤرخ التونسي، “أن تونس تعيش أزمة، وهو أمر لا يمكن إنكاره”، لكنه لا يعتقد أن الأزمة سترتقي إلى مستوى الشلل التام باعتبار أن تونس دولة عريقة وكيان ضارب في التاريخ ودولة استقلال أرست دعائم صلبة بالرغم من محاولات الهدم ومحاولات تركيعها أو تشتيتها”.

وفجر انتحاري نفسه مستهدفا دورية أمنية وتسبب في وفاة عنصر أمني وإصابة آخر بالإضافة إلى إصابة ثلاثة مدنيين. وتزامن هذا مع تفجير ثان في مدخل لمقر أمني عند المدخل الجنوبي لوسط العاصمة خلف أربعة جرحى في صفوف الأمنيين.

وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجومين اللذين هزا العاصمة قبل شهور من الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفي ذروة الموسم السياحي.

وقال محمد الحامدي، نائب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، لـ”العرب” إن “ظاهرة الإرهاب لم تعد مستجدة، فتونس تواجهه منذ سنوات. والإرهاب لن يستطيع تقويض مؤسسات الدولة… وهي ستظل رغم خطورة الإرهاب. وبالنسبة للوضع السياسي في كل الحالات لو حدث مكروه تملك تونس من التشريعات والمؤسسات والنخب العاقلة ما يؤمن الانتقال السلس والسليم”.

بعد ليلة صعبة على التونسيين قالت سعيدة قراش، المتحدثة باسم الرئاسة، إن صحة الرئيس تحسنت بشكل ملحوظ وأنه أجرى اتصالا هاتفيا بوزير الدفاع. وأثار تدهور صحة الرئيس الخميس تساؤلات حول كيفية إدارة المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد، وهل سيكون هناك فراغ دستوري؟

فراغ دستوري

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتساؤلات عن كيفية شغل منصب الرئيس في حال خلو المنصب مؤقتا أو نهائيا، خاصة بعد أن وردت أنباء عن اجتماع طارئ في مجلس النواب.

وقال سليم اللغماني، أستاذ القانون، “أعتقد أنه لا مشكلة في حالة الشغور الوقتي، سيأخذ رئيس الحكومة المنصب لمدة ستين يوما وإذا كان الشغور نهائيا سيتولى رئيس البرلمان المنصب لمدة لا تتجاوز تسعين يوما”.

لكن مستشار الرئيس نورالدين بن تيشة قال إنه لا وجود لفراغ دستوري وأن حالة الرئيس مستقرة.  كما رفض رئيس البرلمان النقاش في قضية خلو منصب الرئيس بعد أن زار الرئيس في المستشفى العسكري حيث يعالج قائد السبسي بكفاءات تونسية هي نتاج دولة الاستقلال التي يمثل الباجي أحد رموزها ويتطلع التونسيون إلى حمايتها من كل الأجندات والمخططات التي تسعى إلى نسف مكتسباتها.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية