قرصنة في المتوسط.. ماذا تعني استراتيجية “الوطن الأزرق” التركية؟

قرصنة في المتوسط.. ماذا تعني استراتيجية “الوطن الأزرق” التركية؟


16/06/2020

في سبتمبر 2019، قام الموقع الرسمي للرئاسة التركية بنشر صورة للرئيس التركي رجب أردوغان اثناء إلقاء كلمة أمام طلاب المدرسة الحربية وخلفه خريطة عنوانها “الوطن الأزرق” وبالتركية “”MAVI VATAN ، وتُشير إلى المناطق التي تعتبرها تركيا مياهها الإقليمية في بحار إيجة  والمتوسط والأسود، ويحق لها استخدام جميع الموارد البحرية في هذه المساحة التي تعادل نصف المساحة البرية لتركيا، وضمت خريطة الوطن الأزرق عدداً من الجزر المتنازع عليها مع اليونان في بحر إيجة، وشملت أيضاً مساحة كبيرة من سواحل شرق المتوسط تمتد إلى الشاطئ الشرقي لجزيرة كريت اليونانية.

بالإشارة إلى البعد الجيوسياسي للموقع التركي من الناحية البحرية بصفة عامة، فإن تركيا توصف عادة في أدبيات الجغرافيا السياسية بـ “دولة المضائق” بسبب سيطرتها على مضيقي البوسفور والدردنيل اللذان يمثلا ممراً مائياً من روسيا إلى البحر المتوسط وجنوب أوروبا عبر البحر الأسود وبحر إيجة، ومن هنا تأتي أهمية تركيا الاستراتيجية بالنسبة لدول حلف الناتو، والتي دفعت الناتو لضمها مع اليونان للتحالف في عام 1952 رغم العداء بين البلدين. وغالباً ما جعل هذا الوضع من تركيا أسيرة للمراوحة بين التوجه شرقاً ناحية روسيا أو غرباً ناحية الأطلنطي.

استراتيجية الوطن الأزرق: ماذا تعني ومتى ظهرت؟
ينسب الخبير العسكري التركي كيم جوردينيز لنفسه صك هذا المصطلح، حيث أطلقه في عام 2006 ضمن كلمة ألقاها بصفته مدير قسم التخطيط الاستراتيجي بقيادة القوات البحرية التركية آنذاك، وكان يشير بهذا المصطلح إلى المناطق البحرية التي يجب أن تقع تحت السيادة التركية، وشملت “المناطق الاقتصادية التركية” في بحار إيجة والمتوسط والأسود. أي مسافة 200 ميل بحري من البر التركي (370 كم2 تقريباً) في مختلف الاتجاهات. رغم أن هذه التوجهات تتجاهل المطالب المائية لدول المتوسط.

ويرى جوردينيز أن أهداف البحرية التركية تتلخص في قطع الطريق أمام وصول دولة كردية إلى البحر المتوسط، وتعظيم المجال البحري لتركيا في المتوسط بصفة عامة وضمان مستقبل شمال قبرص، حيث انضمت قبرص للاتحاد الأوروبي، وظل الجزء الشمالي المنفصل عنها موالي لتركيا دون أي يحظى بالاعتراف الدولي من قِبل أي دولة أخرى في العالم.

وعقب خروجه من الخدمة في عام 2012، استخدم جوردينيز هذا المصطلح عنواناً لمقالاته اليومية بأحد الصُحف التركية. وحتى ذلك الوقت، كانت تركيا تتبع سياسة “صفر نزاع” مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، ولم تتبن بشكل رسمي “الوطن الأزرق” بسبب تفضيلها البقاء ضمن منظومة التحالف مع الأطراف الغربية، وعدم الذهاب بعيداً في خلافها مع اليونان. حتى أن استراتيجية البحرية التركية الصادرة في عام 2015 لم تُشر إلى “الوطن الأزرق” من قريب أو بعيد.

غير أن عام 2016 قد شكَّل تحولاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ، والتي شارك فيها عدداً من قيادات وعناصر الجيش. وتزامَن ذلك خارجيا مع تعميق التعاون التركي-الروسي في سوريا، ولجوء تركيا للاستعانة بمنظومة الدفاع الجوي الروسي S-400، فضلاً عن اتجاه عدد من دول المتوسط إلى توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخاصة بها تمهيداً للاستفادة من ثروات الغاز بالبحر المتوسط.  ومنها اليونان وقبرص ومصر. وأعادت هذه التطورات خلافات قديمة بين تركيا واليونان إلى الواجهة.

وأخيراً، أفصحت تركيا عن رغبتها في تحقيق الاستراتيجية خلال المحافل الدولية في نوفمبر 2019، وطالَب مندوبها في الأمم المتحدة بالحصول على المناطق الاقتصادية الخاصة بتركيا في شرق المتوسط بالتوافق مع خرائط “الوطن الأزرق”. وجاءت هذه الخطوة ضمن مساعي تأمين مصادر الطاقة في ظل استيراد تركيا لـنسبة 95% من اجمالي احتياجاتها بأي وسيلة ممكنة ، بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار، في الوقت الذي من المفترض أن تستحوذ فيه على مساحة 12 ميلاً بحرياً فقط-ليس بهم مصادر طاقة-وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1982، والتي لم تقم تركيا بتوقيعها.

تهدف الاستراتيجية البحرية التركية للسيطرة على مناطق الغاز وتعظيم النفوذ الإقليمي، وذلك عبر مستويين رئيسيين، الأول هو مستوى الثلاثة بحار (إيجة-المتوسط-الأسود)، أما المستوى الثاني فيشمل البحر الأحمر وبحر قزوين وبحر العرب والخليج. ويُفسر في هذا السياق لجوء تركيا إلى إقامة قواعد عسكرية في الصومال وقطر.

ما مدى قانونية استراتيجية الوطن الأزرق التركية؟

تُميز اتفاقية البحار الدولية الصادرة في عام 1982 بين عدة مفاهيم رئيسية في تحديد الحدود البحرية، الأول هي مناطق السيادة البحرية الكاملة أو “المياه الإقليمية” وتمتد مسافة 12 ميل بحري من البر، ومنحت الاتفاقية الدولة حق احتكار الثروات البحرية حتى 200 ميل من الساحل فيما يُعرف بـ “المنطقة الاقتصادية الخاصة”، إلا أن تركيا لم توقّع على هذه الاتفاقية حتى اليوم، إذ ترفض احتساب مسافة الـ 200 ميل بحري من أخر امتداد بري للدول، ويعود ذلك إلى تمتع منطقة شرق المتوسط وبحر إيجة بعدد كبير من الجُزر التي تعود أغلبها للسيادة اليونانية، وهو ما يقوض احتمالات سيطرة تركيا على مساحة كبير من المياه الإقليمية، فلا تعترف تركيا بدولة قبرص أو بتمتع دولة اليونان بسيادة بحرية على مسافة 200 ميل من جزيرة كريت اليونانية.

كيف يتم تطبيق استراتيجية الوطن الأزرق عملياً؟
عمدت تركيا إلى نقل استراتيجية “الوطن الأزرق” من حيز الدعاية الإعلامية إلى الواقع، وتنوعت أدواتها في ذلك بين الأدوات العسكرية والقانونية والسياسية والاقتصادية، وهذا على النحو التالي:

من الناحية العسكرية؛ تعمل تركيا على تعظيم القدرات القتالية لقواتها البحرية، وقامت في فبراير 2019 بتنظيم أكبر مناورات بحرية في تاريخ الجيش التركي تحت عنوان “الوطن الأزرق”، وشملت المناورات إجراء تدريبات بفرقاطات وسفن حربية وغواصات في الثلاثة بحار، بمشاركة أكثر من 103 سفينة بحرية بهدف اختبار استعداد قواعد ومراكز عمليات القيادة البحرية في المياه الإقليمية التركية، وشملت المناورات-التي تم ترتيبها وفقاً لمعايير حلف الناتو-عمليات إنزال وإطلاق القذائف. وشاركت بها دول قطر وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا.

وتتبنى البحرية التركية حالياً مشروعا يهدف إلى تعزيز قدراتها العسكرية عبر شراء العشرات من السفن والطائرات الجديدة، بهدف امتلاك أكثر من 140 سفينة وأكثر من 60 طائرة وآلاف من المشاة البحرية، وتستفيد البحرية التركية في هذا السياق من مشروع Milgem الذي يتضمن التعاون مع دولة ألمانيا عبر ضم ست غواصات ألمانية لعشر غواصات حالية في حوزة البحرية التركية بحلول عام 2027، ويصل طموح المشروع إلى دخول حاملة طائرات تركية إلى حيز العمل في العام القادم، وغني عن الذكر أن القوات البحرية التركية قد اكتسبت خبرات ميدانية نتيجة تدخلها غير المشروع في سوريا وليبيا، فضلاً عن عملياتها في مشروع درع المتوسط مع دول حلف الناتو.

وبخلاف تطوير القوات البحرية، تسعى تركيا لتعظيم نفوذها العسكري في المجال الجوي، حيث أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية في ديسمبر 2020 عن وصول الطائرة المسيرة التركية الخاصة بأعمال القتال من نوع بيرقدار تي بي 2 إلى منطقة قبرص التركية. وسرّبت بعض الصحف التركية أنباءً عن قيام وزارة الدفاع التركية بدراسة انشاء قاعدة عسكرية في قبرص التركية.  واتهمت هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني اليوناني في أبريل 2020 الطائرات الجوية التركية بانتهاك مجالها الجوي بوسط وجنوب بحر إيجة، كما اتهمتها في يناير من نفس العام بانتهاك مجالها الجوي 120 مرة خلال يوم 15 يناير. فيما تقدمت فرقاطات تركية إلى السواحل الليبية لدعم الميليشيات المنضوية تحت قيادة حكومة فايز السراج .

ومن الناحية القانونية؛ سعت تركيا لتحسين موقفها القانوني المُتعلق بترسيم الحدود الدولية في شرق المتوسط، وأعلنت في نوفمبر 2019 عن التوصل لاتفاق مع حكومة فايز السراج الليبية على ترسيم حدود يُقسِّم المساحة البحرية بين البلدين في المتوسط إلى منطقتين اقتصاديتين بمسافة 200 ميل بحري من سواحلها استناداً لمبدأ الجُرف القاري، وتعمدت تركيا تُجاهُل المطالب الحدودية اليونانية والقبرصية. كما تجاهلت اتفاقيات ترسيم الحدود بين مصر وقبرص واليونان. ويُشار إلى أن الترسيم التركي يقطع الطريق أمام مرور أنبوب شرق المتوسط بسبب عبوره بمنطقة بحرية تُطالب بها أنقرة. وهو مشروع ينقل الغاز من إسرائيل إلى الأراضي الأوروبية مروراً بقبرص واليونان.

ولا تكتفي تركيا بالنواحي العسكرية والقانونية، وتسعى إلى تنفيذ استراتيجيتها عبر الأدوات السياسية والاقتصادية أيضاً، حيث لجأت إلى شرعنة تحالفها السياسي مع حكومة فايز السراج الليبية لضمان بقاء الاستراتيجية عبر توقيع اتفاق للتعاون الأمني والسياسي، وسَعت لمد نفوذها إلى الجزائر وتونس.

كما وسَّعّت تركيا من عمليات التنقيب عن مصادر الطاقة في تطبيق لسياسة الأمر الواقع، واستخدمت سفينة “الفاتح” للتنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية المفترضة لجزيرة قبرص اليونانية، واتهمت الأخيرة تركيا باستخدام السفينة “يافوز” أيضاً في التنقيب بالقرب من منطقتها الاقتصادية، إذ قامت تركيا في يناير 2020 بالتنقيب في أحد المناطق التابعة لحكومة قبرص التركية غير المُعترف بها دوليا، وأدان الاتحاد الأوروبي رسمياً هذه الخطوة في مايو 2020. بينما أعلنت الحكومة التركية في يونيو 2020 عن عزمها بدء أعمال التنقيب في المنطقة الاقتصادية الليبية وفقاً لتفاهماتها مع حكومة السراج. وحرص الرئيس التركي على توديع السفينة التركية للتنقيب “الفاتح” في مايو 2020 قبيل انطلاقها للمياه الاقتصادية التركية بالبحر الأسود. وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع ذكرى دخول السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية.

هل هناك علاقة بين استراتيجية الوطن الأزرق وتطورات السياسة التركية؟
لم يكن من قبيل المصادفة أن تصعد استراتيجية الوطن الأزرق إلى واجهة السياسة الدفاعية التركية الرسمية عقب انقلاب عام 2016، وفي ظل تراجع الاقتصاد الوطني، إذ خاطبت الاستراتيجية قيادات الجيش التركي من ذوي الميول القومية التوسعية، والذين يجمعهم رفض الواقع الحدودي الذي فرضته معاهدة لوزان عام  1923، وترى هذه المجموعات أن التحالف التركي مع القوى الغربية قد أضعف من استقلالية الجيش التركي، ويفضلون في المقابل التقارُب مع روسيا، بسبب اقتناعهم بوجود توجهات غربية بعزل تركيا استراتيجياً في منطقة شرق المتوسط.

ويُشار إلى أن القيادي العسكري السابق يساري النزعة جوردينيز قد تم تسليط الضوء عليه إعلامياً بالتزامُن مع هذه التحولات، وذلك عقب الإفراج عنه في عام 2015 بعد إلقاء القبض عليه مع عشرات الضباط الأخرين في الفترة التي اتسع فيها نفوذ حركة غولن على الجيش التركي، وكان يواجه حُكماً بالسجن لمدة 18 عاماً، قضى منها أربع سنوات فقط.

ويُمكن الربط بين صعود الاستراتيجية للواجهة الرسمية وتولي الأدميرال جهاد يايجي مهام رئاسة أركان القوات البحرية التركية كمسئول تنفيذي عن الوطن الأزرق، إذ سبق وأن شكك الأدميرال في شرعية سيادة اليونان على 23 جزيرة في بحر إيجة في كتاب ألَّفه بعنوان “مطالب اليونان”، ويعد يايجي من القيادات التي تم ترقيتها بعد عمليات الإطاحة بالقيادات السابقة في أعقاب الانقلاب، وذلك ضمن مخطط الرئيس التركي في ابعاد القيادات الإسلامية المشتبه بولائها لحركة فتح الله جولن المناوئة لأردوغان، واستبدالهم بقيادات علمانية تعادي الغرب، ولعب يايجي دوراً في هذا، إذ يُنسب إليه الكشف خمسة آلاف عسكري وستة آلاف مدني من التابعين للتنظيم.

وتَمَتَّع يايجي بنفوذ كبير داخل الجيش التركي منذ هذا الوقت، بالشكل الذي سمح له بأن يكون مهندس اتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا سابق الإشارة، لكنه تم إبعاده بشكل مفاجئ في مايو 2020 من رئاسة أركان البحرية التركية وتخفيض رُتبته العسكرية على خلفية تصريحات أدلى بها تقترح إقامة منطقة اقتصادية تركية مع إسرائيل ضمن جهود تعزيز النفوذ التركي في شرق المتوسط، وهي التصريحات التي رفضها وزير الخارجية التركي. بينما استقال يايجي من الجيش في رد فعل على هذه الإجراءات. فيما أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن إبعاده قد جاء في سياق التنافس بين وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ورئيس أركان البحرية. ويُشار إلى أن آكار قد لعب دوراً رئيسياً في إجهاض انقلاب عام 2016، إذ كان يشغل حينها منصب رئيس أركان الجيش، وقام الرئيس التركي في أكتوبر 2018 بافتتاح مسجد حمل اسم آكار في أحد المناطق التركية بغرض تكريم وزير الدفاع الحالي.

وسبق هذه التطورات قيام عدد من وسائل الإعلام بنشر أنباء تُفيد بقُرب وقوع انقلاب عسكري. وكان الخبير العسكري جوردينيز-المُنظِّر الرئيسي للاستراتيجية-قد دعا قبيل الإطاحة بياجي بأيام للاستعداد لاتخاذ اليونان خطوات تصعيدية رداً على الدعم التركي لحكومة السراج، مُطالباً باتخاذ العسكرية التركية لمواقع غرب جزيرة كريت ونشر سرب بحري صغير في ألبانيا.

كما ربط جوردينيز بين صعود نفوذ التيارات الليبرالية في تركيا وحركة غولن والإطاحة بيايجي، متوقعاً في مقال نشره بتاريخ 2 يونيو أن يتم التراجع عن استراتيجية “الوطن الأزرق” استجابة للضغوط الأمريكية، وذلك ضمن حزمة نقاط تتضمن التوصل لتسوية مع اليونان، ووضع حل فيدرالي لأزمة قبرص، بالإضافة إلى إبطال أنظمة الدفاع الجوي الروسي، وأشار إلى بعض التحركات الأمريكية في مناطق اليونان وقبرص. وكان منها إعلان السفير الأميركي بأثينا في 27 مايو 2020 عدم اعتراف بلاده بالاتفاق الليبي التركي، مُعرباً عن قلقه من قيام تركيا بالتنقيب بالقُرب من الأراضي القبرصية، وأكّد السفير الأميركي أن بلاده لن تسمح لعضوين بحلف الاطلنطي المشاركة في تحركات استفزازية تشعل صراعا مُسلّحاً. وأعقب هذه التصريحات قيام الولايات المتحدة بإرسال إحدى طائرة من طراز B1  للبحر الأسود، وشاركتها الطائرات الحربية الأوكرانية والطائرات التركية للتزود الوقود. بينما أعلنت تركيا عدم اتجاهها لتعطيل برنامج الدفاع الجوي S-400.

كما يمكن ملاحظة أن الاهتمام باستراتيجية “الوطن الازرق” يأتي في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي، وترتفع توقعات لجوء تركيا للاقتراض من صندوق النقد الدولي بسبب تداعيات فيروس كورونا، إذ يتوقع الصندوق ان ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% خلال عام 2020، وكانت تركيا تستهدف تحقيق معدلات نمو بنفس النسبة تقريبا، ومن المُرجَّح أيضاً أن تراجُع حركة السياحة سيؤثر سلباً على إيرادات تركيا من النقد الأجنبي، بما يضر بقيمة الليرة التركية التي تراجعت بالفعل بنسبة 15% تقريباً مقابل الدولار منذ مطلع عام 2020، وبلغت أدنى مستوى لها في التاريخ بتحقيق 7.24 ليرة مقابل الدولار الأمريكي.

خاتمة
يمكن قراءة أهداف هذه الاستراتيجية واستشراف مستقبلها في ضوء المراوحة المتكررة للسياسة الخارجية التركية بين الغرب وروسيا، وموازنات الرئيس التركي بين جماعات المصالح المحلية، حيث وظّفها في الحفاظ على دعم تيار الإسلام السياسي عبر مخاطبة طموح الإمبراطورية والخلافة لديهم، كما وظَّفها في جذب دعم الدوائر القريبة من روسيا في الجيش التركي في وقت تضررت فيه علاقته بالمحور الغربي.

غير أن التمدد العسكري التركي قد أدى إلى تصعيد الضغوط الغربية، ما دفع أردوغان للقيام ببعض الخطوات التي تشير إلى خفض النفوذ الروسي داخل الدوائر العسكرية التركية، وإبعاد قيادات الجيش المناوئة لليونان، وذلك بالتزامن مع إبداء بعض الاهتمام التركي بمسرح البحر الأسود الاستراتيجي بالنسبة لحلف الناتو في مواجهة روسيا. خاصة بعد إرسال الولايات المتحدة إشارة لتركيا تُفيد باقتراب الأخيرة من الحد الأقصى للتمدد العسكري المسموح به.

ولا يعني هذا بالضرورة التراجع عن مضامين الاستراتيجية، بل يبدو أن الخيار الأكثر اتساقا مع الطموح التوسعي التركي والرغبة في الحصول على أكبر حصة ممكنة من ثروات المتوسط هو إبداء المزيد من الانتباه لتنفيذ الشق المتعلق بالبحر الأسود من الاستراتيجية، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة في البحر المتوسط وبحر إيجه تحت إشراف من الولايات المتحدة.

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية