في مئوية ميلاده.. كارم محمود: فارس جيل الغناء الأصعب

في مئوية ميلاده.. كارم محمود: فارس جيل الغناء الأصعب


16/03/2022

شهدت سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مجموعة مهمة من الأصوات المصرية العذبة ممن لم تسعفهم موهبتهم المتميزة وحدها ليأخذوا حقهم الذي يستحقونه، بعد أن وضعهم حظهم العاثر ضمن جيل عبدالحليم حافظ الذي غطّى بإدائه وموهبته الجارفة على الكثيرين منهم، ومع ذلك استطاع بعضهم ترك علامة بارزة في تاريخ الغناء العربي، على رأسهم كارم محمود الذي تمرّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده الـ100.

      كارم محمود الذي تمرّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده الـ100 بدأ حياته في عام 1945 قارئاً للقرآن الكريم

بدأ كارم محمود حياته قارئاً للقرآن الكريم وهو ابن 10 أعوام، قبل أن يسير على خطى شقيقه الأكبر محمد في الأناشيد الدينية، وأثناء التحاقه بالمدرسة الابتدائية عمل في محل تجاري، وفي مراهقته تطوّرت موهبته في غناء الشعر العربي مع النطق الدقيق والانضباط والقافية الصوتية، ويقال إنّه ورث حلاوة الصوت عن والده الشيخ أبو ريا قارئ القرآن، وخلال فترة دراسته الابتدائية لاحظ معلموه صوته القوي الرخيم، وبمجرّد بلوغه سن الـ7 من عمره، استطاع إتقان الأغاني الصعبة لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب.

رحلته مع الموسيقى

في العام 1938 ذهب إلى القاهرة ليلتحق بالفرع المدرسي بمعهد الموسيقى العربية، وتلقى تعليمه من قبل بعض كبار الموسيقى المصرية، بما فيهم فؤاد محفوظ، ودرويش الحريري، والشيخ بدوي، والملحن سفر علي، وعازف العود حسن غريب، وحصل على الدبلوم عام 1944، وكان يرعاه فنيّاً وقتها مصطفى بك رضا رئيس المعهد ومستشار الإذاعة المصرية، وتخرّج في معهد الموسيقى، بعد أن حقق أعلى الدرجات بامتياز غير مسبوق.

      بمجرّد بلوغه السابعة من عمره استطاع إتقان الأغاني الصعبة لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب

استمرّ كارم في السعي وراء تحقيق حلمه في أن يصبح نجماً كمطرب وممثل، وبناء على طلب المستشار رضا التحق بفرقة الأنغام الذهبية، واشترك في تسجيل الأغاني الوطنية، ثم سجل أغنية "يا محلاها الدنيا" مع حياة محمد وهبي، كما أنّه تدرّب على غناء التراث على يد معلمه محمد حسن الشجاعي رئيس قسم الموسيقى والغناء، وأبعد حياته الشخصية عن الأضواء.

 حاصد الألقاب ومشواره الفني

بدأ كارم محمود مشواره الفني في الإذاعة المصرية بأغنية لحنّها لنفسه "ما أحلى الدهبية"، إلّا أنّ شهرته لم تبدأ إلّا بأغنيته البدوية "ويل قلبي".

لُقّب كارم محمود بـ"فارس النغم الشرقي" لعذوبة صوته وقوته وقوة ألحانه، وكان تميز صوته بالحدّة سبباً في اختياره لبطولة العديد من الأوبريتات، وقد لمع صوته بين الأصوات الكبيرة التي كانت تترأس الغناء في مصر تلك الأيام، فوجد مكانته بين محمد قنديل وإبراهيم حمودة ومحمد الكحلاوي وغيرهم من عمالقة الغناء العربي في تلك الفترة من الزمن، ونتيجة لذلك أصبح فناناً مطلوباً من الكبار، فطلبته المطربة بديعة مصابني للغناء معها، واستمرّ في تقديم أغانيه على مدى نصف قرن، لم يفقد فيها رونقه كمطرب وملحن. وقدّم عدداً من الأوبريتات منها: "العِشرة الطيبة" لـسيد درويش من تأليف محمد تيمور، وأوبريت "ليلة من ألف ليلة" لبيرم التونسي وأحمد صدقي، كما أنّه بعد نجاحه مع فرقة الأنغام الذهبية أعطته الإذاعة فرصة الغناء منفرداً والتلحين أيضاً.

      بمجرّد بلوغه السابعة من عمره استطاع إتقان الأغاني الصعبة لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب

 ورست موهبة كارم محمود "على شط بحر الهوا"، حينها تضرّع لليل أن يطول مغنياً "أمانة عليك يا ليل طوّل"، واحتلّ بصوته الجميل الحاد مكانة متميزة، فقد لقبه الجمهور بـ"الكروان الطيب" لعذوبة صوته وهدوء طبعه ودماثة خلقه، وعمل مع كبار أهل الفن والموسيقى والتلحين والغناء في مصر، مع كامل محمود، ومحمود الشريف، ومحمد الموجي، ومحمد سلطان، ورياض السنباطي.

      لُقّب كارم محمود بـ"فارس النغم الشرقي" لعذوبة صوته وقوته وقوة ألحانه

وأسندت إليه البطولة الغنائية لأكثر البرامج الإذاعية شهرة في ذلك الوقت، ولعلّ أجمل هذه البرامج في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات كانت بفضل هذا الثّلاثي: عبد الفتاح مصطفى، وأحمد صدقي، وكارم محمود.

مبارزة صوتية مع فيروز 

تحوّل الأوبريت الغنائي "زرياب" مع جارة القمر وقيثارة الشرق فيروز، و"فارس النغم الشرقي" كارم محمود، إلى مبارزة صوتية بين العملاقين في العام 1956، وزرياب هو اسم طائر عذب الصوت جدّاً يُطلق على كلّ مَن كان له مثل عذوبة صوته.

       رست موهبة كارم محمود "على شط بحر الهوا" حينها تضرّع لليل أن يطول مغنياً "أمانة عليك يا ليل طوّل"

وفي هذا الأوبريت، تقول لمياء الممثلة في "فيروز" لزرياب الممثل في كارم محمود: "آه يا زرياب كم أطربتنا! آه لو تبقى طويلاً عندنا!"، فيرّد عليها قائلاً: "أنا لا أبقى طويلاً في مكاني... كلّ يوم لي في أرضٍ أغاني، أنا كالطائر يشدو ثم يمضي.. ليغنّي من جنانٍ لجنان"، وتعود تتدلل عليه وتسأل: "ولمَ الترحال دوماً؟" فيجيبها: "إنّني أرحل في إثر الأماني... فإذا وقف المنشد يوماً، صار مغموراً، وخانته المعاني".

عروبة تدخله السجن

لم تكن موهبة كارم محمود قفصاً حديدياً يعزله عن التطورات السياسية في محيطه المصري والعربي، فقد عاش مرحلة زاخرة بالأحداث السياسية، وفي مقدمتها حركات التحرر الوطني في المغرب العربي، لقد حيَّا كارم محمود نضال شعوب تونس والجزائر وهي تكافح لنيل استقلالها من الاستعمار الفرنسي، وعندما اختطفت فرنسا (5) من زعماء المقاومة الوطنية الجزائرية غنّى لهم أغنيته الشهيرة "باسم الأحرار الخمسة حانقيدك نار يا فرنسا".

      اعتقل العام 1956 أثناء زيارة لتونس والجزائر بعد قيادته مظاهرات شعبية وطنية حماسية ضد الاحتلال الفرنسي

وفي العام 1956 كان في زيارة لتونس والجزائر، وتحمّس وقاد مظاهرات شعبية وطنية حماسية ضد الاحتلال، وكان نشيده حماسياً ألهب شعور الجزائريين، وصاروا يرددونه في الشوارع، وقد أدّت مواقفه إلى اعتقاله وإيداعه في السجن من قبل الاحتلال لمدة (3) شهور، حسب ما تمّ نشره في مجلة الدنيا بشهر تموز (يوليو) العام 1956. وظل عدّة أشهر لا تعلم أسرته عنه شيئاً، حتى ظنت أنّها فقدته إلى الأبد، لكنّه عاش وغنّى، واحتفل مع أبناء الجزائر بانتصار ثورة المليون ونصف المليون شهيد، وتابع بعدها رحلته الفنية الحافلة حتى فقدته الساحة الفنية العام 1995 تاركاً بصمة لا تُنسى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية