فيلق روسي يرفع السلاح في وجه بوتين.. هل يمكن احتواؤه؟

التمرد؛ فيلق روسي يرفع السلاح في وجه بوتين

فيلق روسي يرفع السلاح في وجه بوتين.. هل يمكن احتواؤه؟


12/03/2023

أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتزامن مع الحملة النازية على الأراضي السوفياتية، تكوّن جيش التحرير الروسي (ROA)، المعروف باسم جيش فلاسوف، نسبة إلى قائده أندري فلاسوف، وهو جنرال سوفياتي أصبح عميلاً لألمانيا النازية بعد أسره في الجبهة الشرقية. وكان جيش التحرير الروسي، الذي حارب تحت القيادة الألمانية، يتكون من المقاتلين الروس المعارضين لنظام ستالين، وكانوا في معظمهم من قدامى المحاربين في الجيش الأبيض المناهض للشيوعية، إبّان الحرب الأهلية الروسية (1917-1923).

انتهى مصير عناصر جيش التحرير الروسي، بعد سقوط النازي، إلى السجون ومعسكرات العمل القسري، بينما أعدم فلاسوف شنقاً بتهمة الخيانة العظمى. لكنّ التاريخ يأبى إلّا أن يكرر نفسه، ففي تلك الآونة ينشط فيلق روسي آخر، يعتنق الشعارات النازية نفسها، على جبهات القتال في أوكرانيا، مستهدفاً المواقع والمنشآت العسكرية الروسية.

اختراق في العمق

في 2 آذار (مارس) الجاري عبرت عناصر روسية مسلحة، موالية لأوكرانيا، منطقة بريانسك أوبلاست، وقامت بعملية عسكرية استهدفت قريتي ليوبشان وسوشاني، على الحدود مع أوكرانيا، نتج عنها قتلى وجرحى بين صفوف الجيش الروسي.

هذا الاختراق العسكري جاء بعد أيام فقط من سلسلة من محاولات الهجوم بطائرات بدون طيار على الأراضي الروسية، بالإضافة إلى عملية أخرى استهدفت قاعدة جوية في بيلاروسيا. وظهر لاحقاً أنّ العناصر المتورطة في غارة بريانسك، تم تحديدها كجزء من فيلق المتطوعين الروسي، وذلك في مقاطع الفيديو التي انتشرت أثناء تبادل إطلاق النار.

في 2 آذار الجاري عبرت عناصر روسية مسلحة، موالية لأوكرانيا، منطقة بريانسك أوبلاست

الميليشيات الروسية الموالية لأوكرانيا أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت: إنّ الوقت قد حان لكي يدرك المواطنون الروس أنّهم ليسوا عبيداً. وطالبتهم بحمل السلاح والقتال ضد بوتين، الذي وصفته بطاغية الكرملين.

النشأة والإيديولوجيا

تشكّل فيلق المتطوعين الروسي في آب (أغسطس) 2022 من المتطوعين الروس الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف، وتدّعي المجموعة أنّها وحدة عاملة ضمن الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا. ومع ذلك، لم تؤكد الحكومة الأوكرانية هذه الادعاءات.

وبحسب موقع (UnHerd) فإنّ هذه الميليشيات تشكّلت في الأساس من متطوعين روس، كانوا يقاتلون ضدّ بوتين ضمن لواء آزوف، ومجموعات أخرى في دونباس، منذ بدء الأعمال العدائية الروسية في شبه جزيرة القرم، العام 2014.

الميليشيات الروسية الموالية لأوكرانيا أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت: إنّ الوقت قد حان لكي يدرك المواطنون الروس أنّهم ليسوا عبيداً

مؤسس هذا التشكيل العسكري هو الروسي دينيس كابوستين، الذي يطلق على نفسه اسم نيكيتين، والذي يُعدّ من الناحية الإيديولوجية محسوباً على النازيين الجدد؛ حيث يرفض كابوستين ورفاقه سياسات بوتين، وينظرون إلى نظامه باعتباره قوة إمبريالية، تضم في صفوف جيشها عناصر متعددة الأعراق، تهاجم دولة ذات سيادة يغلب عليها البيض.

ويعتمد الفيلق بشكل رئيسي على المهاجرين اليمينيين الروس، الذين يعيشون في أوكرانيا، ويرفع مقاتلو الفيلق شعارات ورايات جيش التحرير الروسي، الذي تعاون مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وربما بسبب تلك الحمولة الإيديولوجية، التي تشكّل بمعطياتها اليمينية المتطرفة  عبئاً على أيّ نظام سياسي، تحرص السلطات الأوكرانية على نفي علاقتها بالفيلق، وقد نفت السلطات الأوكرانية مسؤوليتها عن الهجمات التي تقوم بها الميليشيات الروسية، ووصفت الأمر بأنّه صراع داخلي؛ رغم أنّ دينيس كابوستين زعم، في مقابلة مع "الفاينانشيال تايمز"، أنّ العملية العسكرية الأخيرة التي نفذتها الميليشيات في 2 آذار (مارس) الجاري تمّت الموافقة عليها من قبل حكومة كييف.

أعلنت السلطات الروسية في وقت سابق أنّها أحبطت محاولة اغتيال نفذها الفيلق، ضدّ رجل الأعمال كونستانتين مالوفيف الموالي لبوتين

وبحسب (The Kyiv Independent) قال كابوستين، في رده عن سؤال حول التنسيق مع كييف: "نعم، بالطبع تمّ الاتفاق مع أوكرانيا على هذا الإجراء، وإلا لم يكن ليحدث، كيف تتخيل أنّني مررت في ظلام الليل هناك؟ هناك جسور ملغومة، وهناك كاميرات، وطائرات بدون طيار، وهناك نقاط مراقبة مخفية". وأضاف: "إذا لم أنسق الأمر مع أيّ شخص في الجيش الأوكراني، أعتقد أنّنا سنهلك ببساطة".

مرونة الحركة وصعوبة المواجهة

يعتمد فيلق المتطوعين الروس على مرونة الحركة، والقدرة على تنفيذ عمليات إرهابية في العمق الروسي، كما أنّ امتلاك عناصره لجوازات سفر روسية، وكذا سهولة تحركهم في الداخل الروسي، يمنهحم مقدرة كبيرة على الاختراق والتسلل، وتنفيذ الهجمات ببراعة شديدة.

ويمكن القول إنّه منذ هجوم بريانسك أوبلاست، أصبحت هجمات المجموعة أكثر جرأة؛ فقد أعلنت السلطات الروسية في وقت سابق أنّها أحبطت محاولة اغتيال نفذها الفيلق ضدّ رجل الأعمال كونستانتين مالوفيف الموالي لبوتين، ممّا يؤكد إمكانية تكرار غارات الميليشيات عبر الحدود في المستقبل القريب.

يعتمد الفيلق بشكل رئيسي على المهاجرين اليمينيين الروس، الذين يعيشون في أوكرانيا

ويرى مراقبون أنّ غارة بريانسك التي شنّتها عناصر الفيلق عبر الحدود أثبتت أنّه يمكن اختراق بعض المناطق الحدودية الروسية التي تخضع لحراسة مشددة.

المتحدث باسم وحدة المخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية أندري يوسوف وصف الحادث بأنّه "استمرار لتحول روسيا وتحررها من ديكتاتورية بوتين"، مشيراً إلى الفيلق الروسي، وأضاف: "هؤلاء السلاح في أيديهم، يقاتلون ضدّ نظام بوتين، وأولئك الذين يدعمونه. ربما بدأ الروس في الاستيقاظ، وإدراك شيء ما، واتخاذ بعض الإجراءات الملموسة".

أدّى الخلاف الإيديولوجي، والطبيعة السياسية الحادة لفيلق المتطوعين، إلى رفضه الانضواء تحت قيادة بونوماريف

على صعيد آخر، تنشط على خطوط المواجهة ميليشيات روسية أخرى مناوئة لبوتين، مثل: فيلق حرية روسيا، والجيش الجمهوري الوطني، وقد وافق فيلق المتطوعين اليميني على المشاركة في مؤتمر صحفي في 31 آب (أغسطس) 2022، يضم فيلق حرية روسيا والجيش الجمهوري الوطني. وفي اليوم نفسه وقّع إيليا بونوماريف، بصفته رئيس الجيش الجمهوري الوطني، اتفاقية لإنشاء مركز سياسي مشترك مع فيلق حرية روسيا، وقال: إنّ فيلق المتطوعين الروس وافق أيضاً على الانضمام إلى الاتفاقية، إلّا أنّ كابوستين أصدر بياناً لاحقاً نفى فيه ذلك، وقال: إنّ الفيلق لم يوافق على المشاركة في المركز السياسي الذي أعلن عنه بونوماريف، وأنّه يرفض كذلك أن يحارب تحت العلم الأبيض والأزرق والأبيض، أو اعتبار بونوماريف رئيساً سياسياً له.

وربما أدّى الخلاف الإيديولوجي، والطبيعة السياسية الحادة لفيلق المتطوعين، إلى رفضه الانضواء تحت قيادة بونوماريف، كما أنّ الفيلق يبدو أنّه غير قابل للاحتواء، ولذلك تحرص كييف على البقاء على مسافة منه. ويمكن القول إنّ الضرورة العسكرية قد تأتي بمبررات تبيح التعاون والتنسيق مع تلك الميليشيات اليمينية، وفقاً لمبدأ مواجهة عدو واحد، لكنّ دروس التاريخ تؤكد أنّ هذا النوع من الميليشيات يبقى غير قابل للسيطرة بعد نهاية الحرب.

مواضيع ذات صلة:

من هو ألكسندر دوغين؟ وكيف أثر في عقلية بوتين؟

سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟

بوتين "الديكتاتور" الحالم بتضميد جروح الدبّ السوفييتي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية