بوتين "الديكتاتور" الحالم بتضميد جروح الدبّ السوفييتي

بوتين "الديكتاتور" الحالم بتضميد جروح الدبّ السوفييتي


27/02/2022

ربطت التحليلات في الآونة الأخيرة بين ما عزم على فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما نفذه الخميس الماضي حينما اجتاح أوكرانيا، وبين أحلام زعيم الكرملين استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي الذي انهار أمام ناظريه وهو ضابط في الاستخبارات السوفييتية  (KGB). تلك لحظة لا تفارق بوتين، الذي أدرك فيما بعد أنّ الاتحاد السوفييتي انهار من الداخل، وأنّ هزيمة روسيا الآن لن تتم إلا من خلال فعل مماثل، وهذا أمر يصعب تصوره، لأنّ ضابط المخابرات العتيد يُحكم سيطرته على كل شيء، ولا يضيره أن يوصف بأنه "ديكتاتور" يتحالف مع المستبدين. إنّ له منطقاً خاصاً في السياسة يسعى لتأطيره ما دام يخدم مصالح بلاده الحيوية.

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية... هل تتسع الرقعة لتشمل أطرافاً أخرى؟

واعتبر عدد من الخبراء الغربيين خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل الاجتياح، والذي أعلن فيه الاعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا كدولتين مستقلتين، بمثابة إعلان حرب (قبل أن تبدأ) ولحظة تحوّل أساسية في العلاقات الدولية، قد تؤسس لحرب باردة جديدة ذات تداعيات جيوسياسية غير محسوبة العواقب.

التحالف الصيني الروسي

ويذكر موقع (DW) أنّ الأزمة الأوكرانية أعادت أيضاً إحياء هواجس الغرب تجاه التحالف الصيني الروسي، خصوصاً بعد دعوة بكين للغرب في 27 كانون الثاني (يناير) 2022، بأخذ "مخاوف موسكو الأمنية المعقولة" بعين الاعتبار.

وطالبت موسكو منذ فترة طويلة بضمانات بأنّ أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو تسمح له بنشر قوات وأسلحة على أراضيها.

عدد من المراقبين في الغرب دقوا أيضاً ناقوس الخطر، بعد إعلان الرئيسين الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي مطلع الشهر الجاري عما أسمياه بـ"حقبة جديدة" في العلاقات الدولية. وتتهم عدد من دوائر صنع القرار في الغرب موسكو وبكين بالسعي لفرض نموذجهما "الاستبدادي" في الحكم وكذلك تغيير القواعد القائمة في العلاقات الدولية.

لم يطُل صبر زعيم الكرملين، فبينما كان الدبلوماسيون في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في اللحظة الأخيرة يطالبون بالسلام، بدأت النيران الروسية تنهمر على أوكرانيا

وكان خطاب بوتين الحالم باستعادة الأمجاد الإمبراطورية للاتحاد السوفييتي، قد وصف بأنه "خطاب يمكن أن يغيّر العالم" وفق موقع "تي. أونلانين" الألماني في 22 الجاري، حيث ذكر أنّ خطاب بوتين كُتب لكي "يكون درساً للغرب، ومبرراً للمشاريع الروسية. خطاب يمكن أن يغيّر العالم على المدى الطويل، لا سيما بالنسبة للهيكل الأمني لأوروبا ما بعد الحرب الباردة. ولا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها لا يعرفون كيف يردون على الوضع الجديد". واعتبر الموقع أنّ خطاب بوتين تضمن تهديداً واضحاً للجمهوريات السوفييتية السابقة، إذ رأى أنّ السماح لها بمغادرة الإمبراطورية الروسية كان بمثابة "جنون"، بل وصف ذلك بـ"السطو". وهو ما يمثل "تهديداً ليس فقط ضد بيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وغيرها، ولكن أيضاً ضد الدول الأعضاء حالياً في الناتو، مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا".

حين نفد صبر بوتين

لم يطل صبر زعيم الكرملين، فبينما كان الدبلوماسيون في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في اللحظة الأخيرة يطالبون بالسلام، بدأت النيران الروسية تنهمر على أوكرانيا.

الرئيس الصيني شي جينبينغ

سوف يتردد صدى هجوم الرئيس بوتين الذي طال الخوف منه إلى ما هو أبعد من روسيا وجارتها أوكرانيا، كما يرجح موقع "سي إن إن عربية" وسيترتب على ذلك عواقب تشمل ارتفاعات مؤلمة في أسعار الغاز والنفط المرتفعة بالفعل. وقد يؤدي ذلك إلى إحياء الحرب الباردة التي بدت ذات يوم من بقايا التاريخ، مما يخلق مواجهة جديدة محفوفة بالمخاطر بين الولايات المتحدة وروسيا، أكبر قوتين نوويتين في العالم.

يُقرأ الاجتياح الروسي باعتباره "تحدياً آخر لقوة أمريكا العالمية. تواجه الديمقراطية الليبرالية الآن تحدياً مخيفاً، ليس فقط من روسيا الانتقامية، ولكن من قوة عظمى صاعدة استبدادية في الصين

في خطابه أيضاً الذي تحدث فيه عن الإبادة الجماعية "المزعومة" التي ارتكبت ضد الروس في المناطق الشرقية من أوكرانيا، أعلن بوتين عملية "لتجريد أوكرانيا من السلاح وتحريرها من النازية". أعادت ادعاءاته إلى الأذهان المناورات المظلمة للديكتاتوريين في ثلاثينيات القرن الماضي التي دفعت العالم إلى الحرب. أثارت إشارته إلى النازيين فكرة التطهير السياسي، وأشارت إلى عقلية تبدو وكأنها على وشك جنون العظمة.

كانت تلك هي اللحظة السريالية عندما قام زعيم، مصاب بصدمة نفسية وهوس بانهيار الاتحاد السوفييتي، الذي شهده كضابط في  (KGB)، بشن معركة للانتقام من قوى التاريخ ومحو حريات وديمقراطية شعب ودولة مستقلة ذات سيادة، وفق "سي إن إن عربية".

 

اقرأ أيضاً: مدفوعاً بحرب أوكرانيا... خام برنت يتجاوز الـ100 دولار لأول مرة منذ 2014

أوكرانيا جمهورية سوفيتية سابقة سارت في طريقها الخاص بعد انهيار الشيوعية، وتخلت عن الأسلحة النووية مقابل ضمانات أمنية انتهكتها موسكو الآن. إنها تتوق إلى مستقبل في الغرب، "لكنّ بوتين يرى أنّ سعيها نحو الديمقراطية يمثل تهديداً لحكمه الاستبدادي ويريد ضمان عدم تحقيق البلاد أبداً لحلمها في عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

كيف يُقرأ الاجتياح الروسي؟

ويُقرأ الاجتياح الروسي باعتباره "تحدياً آخر لقوة أمريكا العالمية ومفهوم عالم حر وديمقراطي. تواجه الديمقراطية الليبرالية الآن تحدياً مخيفاً، ليس فقط من روسيا الانتقامية، ولكن من قوة عظمى صاعدة استبدادية في الصين. وخلافاً لما حدث خلال الحرب الباردة، عندما وقف جميع الأطراف بحزم في مواجهة 40 عاماً من النضال ضد الشيوعية، كانت الديمقراطية الأمريكية تترنح، مهددة من قبل رئيس سابق حاول التمسك بالسلطة" كما يقول الموقع الأمريكي.

أوكرانيا جمهورية سوفيتية سابقة سارت في طريقها الخاص بعد انهيار الشيوعية

أحد خبراء الشؤون الروسية، بول كولبي، وهو ضابط كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أكد أنّ غزو دولة أكبر من فرنسا أو ألمانيا يمكن أن يخلق في النهاية وضعاً غير مستدام للروس، وكان بمثابة مقامرة هائلة. وأضاف كولبي لشبكة CNN : يحاول بوتين ابتلاع حيوان النيص هنا (يشبه القنفذ)، وسيكون من الصعب على الدب الروسي هضمه". "هذا صراع سيمتد على مدى شهور وسنوات سواء سارت الأمور على ما يرام بالنسبة لبوتين أم لا. سيغير شكل أوروبا وسيضع خطوطاً دائمة للصراع داخل أوكرانيا وعلى حدود أوكرانيا مع الغرب".

 

اقرأ أيضاً: تداعيات الأزمة الأوكرانية على المسألة الإيرانية

"انبعثت الحرب الباردة من بين أنقاض الموتى من جديد كما في أفلام الرعب. وفجأة ظهرت مكائد دبلوماسية وإهانات خفية (..) "، هكذا علق موقع "فيلت" في 20 الجاري، فلا مهلة، التاريخ يُصنع الآن. إنه يتقدم! كانت هذه كلمات أغنية في الثمانينيات لمجموعة الموجة الألمانية الجديدة الغنائية "فيلفاربن".

صناعة التاريخ

 ربما كان أولاف شولتس حينها، شاباً بشعر مجعد، يرقص على إيقاع هذه الأغنية في مراقص هامبورغ ويحلم سراً أنه في يوم من الأيام سيتم استدعاؤه هو نفسه لصنع التاريخ، كما ذكر موقع (DW).

الجيوش الروسية تكتب الآن تاريخاً جديداً من الصراع في العالم، والسؤال، هل يريد بوتين إعادة عقارب الساعة للوراء؟

 

اقرأ أيضاً: ما موقف الأمريكيين من تدخل بلادهم في أزمة أوكرانيا؟.. استطلاع جديد يجيب

هذا ما طرحته صحيفة "الغارديان" على لسان المعلق السياسي جوناثان ستيل، الذي أوضح، كما نقلت صحيفة "الغد" الأردنية: "عادة ما يستشهد المحللون بما قاله الرئيس الروسي إنّ انهيار الإمبراطورية السوفييتية كانت (أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين). لكن الاستشهاد غير كامل، فما لم ينقله المعلقون هو ما جاء بعده، حيث قال: أي شخص لم يشعر بالندم على نهاية الاتحاد السوفييتي قلبه قاسٍ، ومن يريد إعادته لا عقل له".

كان ذلك قبل اجتياح أوكرانيا. وما بين الحدثين: التصريح والاجتياح، جرت مياه كثيرة تحت الجسر. بوتين قد ينهض وينفض عن ثيابه غبار الحرب، وكل المؤشرات توحي بأنه سينتصر، والمنتصرون عادة يرسمون الخرائط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية