فلسطيني يختصر الحكاية: لن أخرج من أرضي إلا إلى القبر

فلسطيني يختصر الحكاية: لن أخرج من أرضي إلا إلى القبر


11/05/2021

يختصر الفلسطيني نبيل الكُرد كل الحكاية في حي الشيخ جراح بمدينة القدس التي تشهد "مجزرة" بحق التاريخ يخوضها الاحتلال الصهيوني مدجّجاً بخرافاته ضد شعب أعزل يملك قوة الحق التي تخشاه إسرائيل. ويؤكد الكرد أنّ إجباره على الخروج من القدس الشرقية، التي يعيش فيها منذ خمسينيات القرن الماضي، يمثل مصيراً أسوأ من الموت. بحسب وكالة رويترز للأنباء.

الكرد، البالغ من العمر76 عاماً، وزوجته وأبناؤهما بين عشرات الفلسطينيين المهددين بالطرد من منطقتين في المدينة المقدسة، بعد أن قضت محكمة إسرائيلية بأنّ "بيوتهم مبنية على أرض مملوكة لمستوطنين يهود".

الأنباء الآتية من ساحة المواجهات في الأقصى تؤكد أنّ عزم المقدسيين لا يلين. وفي المقابل فإنّ كيان الاحتلال يعيش استنفاراً واسعاً، و"ساعات حرجة، قد تقود إلى تصعيد خطير"

وقال الكُرد لوكالة رويترز للأنباء في كانون أول (ديسمبر) الماضي، أي قبل أن تتجدد المواجهات الأخيرة، مطلع رمضان المبارك: "أنا هون ربيت، هون كبرت، هون رحت ع المدرسة، هون تخرجت من نص الجامعة، هون تجوزت وخلّفت، الوطن إللي عشت فيه هدا البيت، كل ذكرياتي في هدا البيت، أنا يعني متصورش حالي خارج القدس ولا خارج هذا البيت أبداً ولا بحال من الأحوال. لكن... سألوني قلتلهم والله من هدا البيت ماني طالع إلا ع المقبرة".

الصراع الضاري بين النور والظلام

حكاية تختصر الصراع الضاري بين النور والظلام. لكنّ النور لا ينتصر دائماً، لأنّ ريح الباطل تكون عاتية، ورغم ذلك فإنّ الحق يعلو، ولو طال الزمن، وهذا ما يدركه المقدسيون الذين يستميتون الآن في الدفاع عن منازلهم. وقد وثقت شبكات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الصمود الذي يسطره المقدسيون، ويثبتون للعالم أنّ نار العدالة الفلسطينية لا تنطفىء رغم سواد المناخات السياسية، وانعدام الآفاق، وانفراط عقد الاجتماع الوطني الذي فسّخته وما زالت النزاعات الفصائلية، لا سيما بين فتح وحماس، وهو ما لا يعني كثيراً المقدسيين المرابطين في ساحات الأقصى.

كاريكاتير بريشة الفنان أمجد رسمي (الشرق الأوسط)

وعكست تعليقات الصحافة العربية، كما رصدتها "بي بي سي" الصراع الضاري الذي تخوضه قوات الاحتلال الصهيوني لتزوير التاريخ والعبث بالحقائق الدامغة المتصلة بشرعية الوجود الفلسطيني في أحياء البلدة القديمة.

ففي صحيفة الجزائرية الإلكترونية، أدان الكاتب مصطفى قطبي إسرائيل وممارساتها ضد الفلسطينيين. وقال إنّ المدينة تتعرض لـ "حرب تهويد شاملة" تهدف إلى "طمس المعالم العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة، وتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في المسجد الأقصى"، كما يتحدث الكاتب عن حرب "غير تقليدية" تشنها إسرائيل ضد المقدسيين.

اقرأ أيضاً: الإحصاء في الذكرى الـ 73 للنكبة: عدد الفلسطينيين تضاعف أكثر من 9 مرات

يقول قبطي: "حرب لا تُستخدم فيها الأسلحة التقليدية، إنما يُستخدم فيها سلاحان مزدوجان: أولهما عملية مصادرة البيوت والضغط على الناس بوسائل مختلفة، منها التطفيش والمضايقات اليومية، والتهديد بسحب الهويات المقدسية، وحتى الإغراء المالي، لبيع منازلهم لمجموعات يهودية تعمل تحت عناوين مختلفة على الانتشار داخل الأحياء الشرقية من المدينة لتهويدها من داخلها".

ورأى قبطي أنّ ثاني الأسلحة المزدوجة التي تستخدمها إسرائيل هو سلاح "السلاسل والزنازين وحملات الاعتقال ضد مواطنين مدنيين عُزّل".

نتفرج ونستنكر

وعن الممارسات الإسرائيلية ومأزق الموقف الرسمي العربي، تقول صحيفة "القدس" المقدسية الفلسطينية في افتتاحيتها: "هم في مأزق سياسي وغطرسة استيطانية ونحن نتفرج ونستنكر!"

وترى الصحيفة أنّ إسرائيل تعاني "أزمة تشكيل الحكومة بعد أن فشل نتنياهو في إقامتها وقد انتهت المدة القانونية الممنوحة له، ورئيس الحكومة البديل ليس واثقاً أيضاً من أغلبية برلمانية، وذلك لأنّ الأحزاب كلها تركض وراء مصالحها الخاصة".

وتضيف القدس الفلسطينية أنه على الرغم من "المأزق السياسي، فإنهم لا يتوقفون عن ممارساتهم الاستيطانية ومصادرة المنازل وتهجير المواطنين".

الصمود هو الخيار الوحيد، تقول الكاتبة سنية الحسيني في موقع "رأي اليوم" اللندني، فـ "ليس هناك من حل أمام الفلسطينيين اليوم إلا الحشد والتصدي للوقوف في وجه الاحتلال وإجراءاته في حي الشيخ جراح بكافة الوسائل والأساليب. يبدأ ذلك بمواجهة إجراءات الاحتلال والتصدي لها على الأرض".

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون يتصدون للمستوطنين... واشتباكات مع قوات الاحتلال تخلف عشرات الجرحى

وتضيف الكاتبة: "وكما نجح الفلسطينيون في معركة البوابات الإلكترونية حول المسجد الأقصى في الماضي وإغلاق باب العامود في شهر رمضان الجاري، سينجحون مرة أخرى في حي الشيخ جراح، وفي أي مكان يتحدى وجودهم، فمعارك الفلسطينيين مع المحتل اليوم باتت معركة وجود".

ودعت الكاتبة الفلسطينيين إلى "المضي قدماً للتحشيد عربياً ودولياً لفضح ممارسات الاحتلال، من خلال الشعوب العربية والعالم الحر ومؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية".

عزم المقدسيين لا يلين

الأنباء الآتية من ساحة المواجهات تؤكد أنّ عزم المقدسيين لا يلين. وفي المقابل فإنّ كيان الاحتلال يعيش استنفاراً واسعاً، و"ساعات حرجة، قد تقود إلى تصعيد خطير"، كما جاء في أحد عناوين المواقع الإسرائيلية التي سارعت إلى نشر أنباء حول التطورات المتسارعة على جبهة قطاع غزة، مساء أمس الاثنين، تزامناً مع ما يجري في مدينة القدس.

وعلى ضوء التوتر في الجنوب، أعلنت قوات الاحتلال حالة التأهب على حدود قطاع غزة، وأغلقت الطرق في مستوطنات "الغلاف"، فيما أعربت عن خشيتها من استهداف قناصين فلسطينيين جنوداً على الحدود، أو استهداف دبابة بصاروخ.

وشملت إجراءات الاحتلال، كما نقلت وكالة "معاً" الإخبارية، إخلاء المستوطنين من الأماكن والشواطئ المعرضة لسقوط صواريخ، مثل شاطئ زكيم الذي تم إخلاؤه من المتنزهين.

الكاتب فهد الخيطان: لم يعد للشعب الفلسطيني ما يخسره، وهو يرى أرضه تسلب ومقدساته تستباح. إذا لم تنفجر الانتفاضة هذه المرة، فإنها مؤكدة في موعد ليس بعيداً

وأوقفت إسرائيل حركة القطارات في العديد من الخطوط بالجنوب، من بينها خط القطار بين عسقلان وبئر السبع، وكذلك أغلقت محطات القطار في سديروت ونتيفوت وأفكيم، كما أوقفت حركة القطارات من الشمال إلى منطقة النقب الغربي عموماً.

ومنحت قيادة المقاومة الفلسطينية، عصر أمس الاثنين، الاحتلال الاسرائيلي مهلة حتى السادسة مساء لسحب قواته من الأقصى والمستوطنين من الشيخ جراح والإفراج عن المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال أحداث الأقصى.

وعلى ضوء التوتر الحاصل في الجنوب، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي بوقف أكبر مناورة يجريها الجيش الإسرائيلي، لمحاكاة حرب شاملة تتعرض لها إسرائيل كانت قد انطلقت الأسبوع الجاري.

وأصدر رئيس بلدية عسقلان "تومر جلام" تعليمات بفتح الملاجئ بالمدينة، قائلاً إنه "على الرغم من عدم تلقي تعليمات رسمية للقيام بذلك، فقد قررنا التعامل مع هذه القضية كإجراء احترازي".

وكانت "القناة 12" العبرية أفادت، بأنّ الصواريخ التي أطلقتها "فصائل المقاومة" من غزة، استهدفت مدينة أسدود خلال وجود وزير الدفاع بيني غانتس فيها والذي هرب إلى مكان محصن.

وأعلنت "كتائب القسام" في بيان، بحسب ما أود موقع "روسيا اليوم"، توجيه الضربة الصاروخية "الأكبر" لمدينتي أسدود وعسقلان رداً على استهداف المنازل في قطاع غزة.

هذا وشنّت فصائل المقاومة الفلسطينية ظهر اليوم، رشقات من عشرات الصواريخ بصورة متزامنة، بعضها كان "بعيد المدى"، وفق المصدر ذاته.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أوعز بوقت سابق اليوم للجيش، بمواصلة الهجمات على غزة، فيما استدعى جيش الاحتلال الإسرائيلي 5 آلاف عنصر احتياط إلى الخدمة.

بدوره، أوعز رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال أفيف كوخافي، اليوم، بمواصلة استهداف نشطاء حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، داعياً القوات الإسرائيلية للاستعداد لتوسيع المعركة دون قيود زمنية.

لا ريب أنّ الساعات المقبلة مليئة بالتطورات والتصعيد، وتلوح في الأفق السياسي، كما قدّر محللون، "انتفاضة ثالثة" يعززها البطش الإسرائيلي وتعنت نتنياهو الذي يستثمر في الأحداث من أجل تعزيز مكاسبه الانتخابية والتغطية على فضائحه المالية وتورطه في الفساد الذي سيؤدي به إلى السجن.

هل تنفجر الانتفاضة الثالثة؟

ويتساءل الكاتب الأردني فهد الخيطان في صحيفة "الغد": هل تشكل هذه المناخات المأزومة ظروفاً مشابهة لما كان سائداً قبيل تفجر انتفاضة الأقصى العام 2000؟

ويجيب: الظروف الحالية ربما تكون أسوأ في رأي محللين، مما كان عليه الوضع في ذلك التاريخ. فـ"إسرائيل أكثر عدوانية وبطشاً وتطرفاً، والسباق بين أحزابها صوب اليمين والتطرف، وفي أوساط الفلسطينيين إدراك عميق لانسداد الأفق، وغياب فرص الحل العادل، وضغوط يومية لا يقوى عليها المواطن البسيط".

ويرى الكاتب أنّ "تركز المواجهة هذه المرة في القدس وحول المقدسات، يشكل عاملاً إضافياً مهماً لاندلاع انتفاضة شعبية تطال كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتأثير مشاعر دينية مستفزة من تكرار الاستهداف للأماكن المقدسة".

ويؤكد أنّ المجتمع الدولي وكعادته تهاون في السابق مع سلوك حكومات الاحتلال، ما شجعها على مواصلة غطرستها. وفي زمن الإدارة الأمريكية السابقة "إدارة ترامب" المنحازة بشكل كلي للاتجاهات الأكثر تطرفاً، مضت إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني دون أدنى اكتراث لرد فعل المجتمع الدولي والأمم المتحدة.

لكنّ الخيطان يلحظ تغييراً في اللهجة، خاصة من طرف إدارة بايدن، "فالولايات المتحدة ولأول مرة من سنوات، تؤكد على أهمية احترام الوضع التاريخي القائم في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويدعمها في ذلك موقف أوروبي يطالب إسرائيل بالالتزام بمسؤولياتها كقوة قائمة بالاحتلال".

ويطالب الكاتب الدول العربية باستثمار الوضع الدولي الحالي لممارسة أقصى ضغط ممكن على حكومة الاحتلال للكف عن عدوانها في حي الشيخ جراح واحترام مكانة المقدسات في القدس المحتلة.

اقرأ أيضاً: رغم جرائم الاحتلال.. 90 ألف فلسطيني يحيون ليلة القدر في المسجد الأقصى.. صور

وإذا لم تفلح الجهود العربية بتحريك موقف أمريكي ودولي ضاغط على إسرائيل للتوقف عن ترحيل الفلسطينيين قسراً من بيوتهم في حي الشيخ جراح ومناطق أخرى محاذية، والامتناع التام عن انتهاك حرمة الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، فإنّ احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يغدو ممكناً بقوة.

ويختم الخيطان مقالته: "لم يعد للشعب الفلسطيني ما يخسره، وهو يرى أرضه تسلب ومقدساته تستباح، وحقه في الدولة المستقلة على ترابه الوطني يتلاشى. إذا لم تنفجر الانتفاضة الفلسطينية هذه المرة، فإنها مؤكدة في موعد ليس بعيداً".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية