تعدّ تركيا، بالنسبة إلى سوريين كثيرين معارضين للنظام السوري، البلد و"الحليف السياسيّ والعسكريّ" الذي فاق بطموحاته السياسية وأحلامه بالتمدّد والتوسّع خارج حدوده الخيال؛ فتركيا، بقيادة الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، استمالت السوريين ببداية الثورة السورية، عام 2011، بخطابها المتضامن مع الحراك الشعبي السوري، وإدانتها لممارسات النظام السوري القمعية واعتقاله الناشطين والمتظاهرين وتعذبيهم داخل السجون، هذا عدا دعمها لجسم سياسيّ سوريّ معارض، لكن شتّان بين تركيا عام 2011 وتركيا 2020.
تقوم تركيا الآن بجمع غالبية تصوّت لصالح أذربيجان، عبر إرسال مرتزقة سوريين وتجنيسهم هناك خاصّة مع عدم وجود غالبية أذربيجانية في هذه المناطق
شيئاً فشيئاً، ظهر الوجه الحقيقي لرجب طيب أردوغان، وشيئاً فشيئاً، بات هذا البلد "الداعم" لمطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة والعدالة، إلى بلد محتلّ تؤيّده "معارضة سورية"، وفصائل مسلحة مرهونة بمخططاته السياسية، استعملها للقتال ضدّ السوريين الأكراد، وقتلهم، وارتكاب المجازر بحقهم، وطردهم من بيوتهم وأراضيهم.
في المحصلة، هناك أربعة ملايين سوري في شمال سوريا، نسبة كبيرة منهم تعيش في حالة من الفقر والعوز، وهم عدا ذلك تحت رحمة سياسات تركيا وفوضى اقتتال الفصائل الموالية لها.
كلّ ذلك لم يكفِ تركيا، لتبدأ في بتحويل المقاتلين السوريين إلى مرتزقة يقاتلون من أجل المال في ليبيا سابقاً، ومؤخراً في أذربيجان.
راتب المرتزق 1500 و2000 دولار
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ " قدّمت أنقرة للشباب السوري، الذي تعتزم تجنيده، سواء في أذربيجان أو ليبيا، عدد من المغريات والمحفزات؛ كالراتب المغري، في وقت يعاني فيه هؤلاء السوريون من الفقر والعوز؛ حيث تمّ تخصيص راتب يتراوح بين 1500 و2000 دولار، لمن يجنّد ضمن المرتزقة السوريين المرسلين إلى أذربيجان، علاوة على تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة، ووعود بمنح الجنسية التركية".
اقرأ أيضاً: مذبحة سومغايت المنسيّة.. عندما تعمّد الأرمن بالدم في أذربيجان
وبتاريخ 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، قال مدير المرصد السوريّ، رامي عبد الرحمن: إنّ "عدد المرتزقة السوريين الذين جندتهم تركيا في عفرين وشمال سوريا، ومن ثمّ إرسالهم إلى أذربيجان، يصل إلى 4000 مسلّح".
وفي 21 تشرين الثاني (نوفمبر)؛ أفاد المرصد بـ "وصول دفعة جديدة من جثث المرتزقة السوريين الذين جنّدتهم تركيا للقتال في أذربيجان".
وأشار إلى أنّ "هذه الجثث تعود لمرتزقة قتلوا في معارك ناغورني كراباخ، التي اندلعت على مدار الأسابيع الأخيرة، قبل التوصّل إلى هدنة بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة روسية".
مخطط التوطين في أذربيجان
وفي سياق متصل، وبينما تسعى تركيا إلى إنشاء وتثبيت نقاط وقواعد عسكرية تابعة لها في إقليم "ناغورني كاراباخ"، بعد اتفاق وقف القتال بين أرمينيا وأذربيجان في التاسع عشر من الشهر الجاري، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّه "كشف أنّ الاستخبارات التركية عرضت على قادة فصيلَي "السلطان مراد" و"سليمان شاه" التوطين في أذربيجان".
الكاتب الأرمني المختص في شؤون السياسة التركية أنس ماماش لـ "حفريات": ما من سوريّ، أو حتى تركيّ، له أصول تاريخية متجذرة في أذربيجان
وبحسب المرصد؛ فإنّ "العرض التركي قُدِّم للعناصر من المكوّن التركماني فقط، بزعم أنّ أصولهم تعود إلى تلك المناطق في "القوقاز"".
وحول وضع "المرتزقة السوريين" في أذربيجان قال الباحث السوريّ المتخصّص بالشأن التركيّ، سركيس قصارجيان، لـ "حفريات": "موضوع المرتزقة السوريين يمكن إدراجه في إطار الاستثمار السياسي للحالة الإنسانية، وهي معادلة ليست غريبة على تركيا خلال السنوات الأخيرة، خاصّة أنّها استثمرت سابقاً في ورقة المهاجرين لابتزاز أوروبا والضغط عليها، مقابل الحصول على مكاسب مادية أو تنازلات في مواقفها السياسية".
وأضاف: "اليوم، هناك حالة شبيهة، لكن هذه المرة لجهة الميليشيات المسلحة التي قامت تركيا بإعادة ترتيبها وتشكيلها في شمال سوريا، وأطلقت عليها اسماً جذاباً للإعلام الخارجي، المتمثل بـ" الجيش الوطني"، وأوكلت إلى هذا "الجيش" مهمات تركية من خلال محاربة الكرد والتوسع في الشريط الحدودي والعمق التالي لهذا الشريط، بهدف إنشاء فاصل بين هذه المناطق التي توجد في بعضها غالبية كردية من السوريين، والكرد المتواجدين في تركيا، مخافة حصول أيّ تواصل، أو أيّ ارتباط أو تفاعل بينهم، ما قد يحدِث مشكلات لتركيا في الداخل، خاصة أنّها، حتى الآن، عجزت، أو فشلت، في حلّ ما يعرف داخل تركية بـ "مشكلة المسألة الكردية"".
اقرأ أيضاً: 4 ركائز يقوم عليها التحالف التركي الأذربيجاني... تعرف إليها
ويرى قصارجيان؛ أنّه "بداية تمّ الزجّ بهؤلاء المرتزقة في المعارك والاستفادة منهم؛ لأنّ المعارك كانت في منطقة جبلية وعرة جداً، وتحتاج إلى قدرة بشرية وأعداد كبيرة لاقتحام نقاط الجيش الأرميني، لذلك تمّ زجّهم على شكل "الحمير" الذين كان يتمّ استخدامهم في الحرب العالمية للكشف عن حقول الألغام نتيجة عدة عوامل".
يفنّد قصارجيان هذه العوامل على الشكل التالي: "أولاً: لأنّهم في النهاية مرتزقة، ولا يوجد نحوهم مسؤولية سياسية أو اقتصادية، أو حتى اجتماعية، في حال وفاتهم، على عكس الجندي الأذربيجاني.
اقرأ أيضاً: "وقود الحرب".. ما سر مشاركة المرتزقة السوريين في حروب ليبيا وأذربيجان؟
وثانياً: لأنّ كُلفتهم أقلّ، سواء من ناحية إطعامهم، أو من ناحية تجهيزهم. وثالثاً؛ لأنّ تركيا تثق بهم أكثر؛ لأنّهم وبعد الوصول إلى تلك الجبهات لا يوجد لديهم خيار آخر، وهم لا يستطيعون الانسحاب؛ لأنّهم في منطقة غريبة، أمامهم العدو في أرض المعركة، وخلفهم مساحات جغرافية مجهولة بالنسبة إليهم، وفي الوقت الحالي؛ هناك محاولة للاستفادة منهم مرة أخرى، عبر توطينهم في مناطق لا يعرفونها ولم يسمعوا باسمها من قبل".
الأصول الأذربيجانية للسوريين!
وحول ادّعاء تركيا أنّ للمقاتلين السوريين أصولاً في أذربيجان، قال قصارجيان: "هذه كذبة، تحاول تركيا من خلالها نقل من يعرفون بـ "التركمان السوريين" إلى هناك، لكن حتى هؤلاء لم ينحدروا من منطقة أقسى جنوب القوقاز، أي من منطقة "ناغورني قره باغ"، وهؤلاء لا علاقة لهم بهذه المنطقة، وما يدّعيه الأتراك مجرّد أكاذيب للتغطية على هذه الخطوة التي جوهرها سياسي – إستراتيجي بالنسبة إلى تركيا".
اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل إرسال مرتزقته إلى ليبيا وأذربيجان.. تعنت واستخفاف بالقرارات الدولية
ويَتوقع أن تحاول تركيا، "تأمين أكثرية أذربيجانية هناك؛ لأنّ هناك فكرة موجودة دائماً في المنطقة، وهي الذهاب إلى استفتاء شعبيّ في "ناغورني قره باغ" لتقرير مصير وجودها، وأرمينيا لطالما طالبت بهذه الخطوة، بالتالي، تقوم تركيا الآن بأخذ تدابير وقائية في حال كانت هناك أيّة خطوة من هذا القبيل، كي تجمع غالبية تصوّت لصالح أذربيجان، خاصّة مع عدم وجود غالبية أذربيجانية في هذه المناطق".
وتابع قصارجيان: "الآن، هذه المناطق تحت سيطرة أذربيجان، وبالتالي تريد تعزيز هذه التجمعات السكنية، بـ "مواطنين" أذربيجانيين، أو داعمين لأذربيجان؛ لأنّ هذه العائلات، ومع وصولها إلى هناك، سيكون جميع أفرادها موالون لأذربيجان، لأنّ وجودهم يرتبط بتواجد السلطة الأذربيجانية في تلك المنطقة، ومن ناحية أخرى، هؤلاء لن يكون لديهم خيار آخر، فهم في النهاية، حتى في "الشمال السوري"، مستقرّون في بيوت وأراضٍ ليست ملكهم، وهم يعرفون ذلك، ودائماً يتخوّفون من فكرة عودة أبناء الأرض أو الدار، بالتالي، خسارتهم لها؛ لذلك لن يؤثر كثيراً بالنسبة إليهم وجودهم في عفرين مثلاً، أو في أذربيجان، خاصة إذا قدّمت لهم تركيا حوافز أو إغراءات لقاء انتقالهم إلى هناك، بمعنى إذا قامت تركيا بمواصلة دفع رواتبهم، لو بالحدّ الأدنى، سيعدّ هذا الأمر حافزاً كبيراً جداً كي يستوطنوا في تلك المناطق، خاصّة إذا كان من ضمن الحوافز منحهم البيوت والأراضي، إضافة لعملية التجنيس، ...إلخ".
اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
أما الباحث السوريّ، بسام الأحمد، فقال لـ "حفريات": "حتى إن كان هناك أصول لسوريين في أذربيجان "القصة مش بطاطا"، العالم اليوم قائم على دول حديثة، وحدود دولية وسياسية تخضع لسيادة دول، وإذا فكّر كلّ إنسان في الرجوع إلى أصوله فهذه مشكلة كبيرة، والمنطق التركي في النظر للأمور غريب جداً! ويحيلنا هذا "المنطق" لسؤال؛ هل جميع الأتراك تعود أصولهم إلى تركيا؟! وإذا بحثنا في أصولهم؛ فقد نكتشف أنّ أغلبهم تعود أصولهم إلى شرق آسيا!".
وأضاف: "لذلك، الدول الحديثة، وضمن المفاهيم الحديثة، لا تتعامل بهذا المنطق، فلا يعقل أن نجري بحثاً عن أصول مواطنين سوريين، ونكتشف، فرضاً، أنّ أصولهم من أذربيجان، ونأخذهم ليحاربوا هناك، وبعد ذلك نعمل على توطينهم، وهذا ينطبق أيضاً على ما يجري في ليبيا، كما أنّ تركيا جلبت جهاديين من تركستان ومناطق أخرى، وحاولت توطينهم بسوريا، وهذا غير مقبول أيضاً، ومخالف للقوانين الدولية، كاستخدام مرتزقة في حروب خارجية، وتجب إدانته من قبل المجتمع الدولي".
ماذا يقول صحفي أرمني؟
وبخصوص الأصول التاريخية للسوريين في أرذبيجان، قال الكاتب والصحفي الأرمني، المختص في شؤون السياسة التركية، أنس ماماش، لـ "حفريات": "ما من سوريّ، أو حتى تركيّ، له أصول تاريخية متجذرة في أذربيجان، التي كانت ديانة شعوبها الإيزيدية والزرادشتية قبل أن تدين الإسلام، والمعلوم أنّ الأتراك، وحتى العرب السوريين، دياناتهم معروفة، فلم يحمل الأتراك والعرب يوماً هاتَين الديانتَين، أما بالنسبة إلى إقليم (ناغورني كاراباخ)، فالأرمن هم سكانه الأصليون.
وأضاف: "تركيا، عبر احتلالها التوسعية، خلال حقبتها الدموية التي عرفت بالدولة العثمانية، قد توسّعت على حساب القوميات الأخرى؛ كـ "الأرمن" و"الكرد"، واحتلت عبر الإبادات التي ارتكبتها بحقّهم المناطق التي كانوا يقطنونها، وضمّت جغرافيات واسعة للدولة العثمانية، والمعروف أنّها عملت على صهر القوميات الأخرى في البوتقة التركية".
اقرأ أيضاً: أذربيجان بين عمائم إيران ومكر أردوغان
وأردف: "بات أرمن تركيا وكردها وعربها ويونانيوها وجركسها وإيزيديوها أتراكاً، بحسب السياسية التركية، وأثناء احتلالها لأذربيجان، ادّعت أنّ أذربيجان هم تركمان، واليوم تدّعي أنّ العديد من اللبنانيين والليبيين والسوريين تركمان، فترسلهم إلى مناطق، كما حصل في الحالة الأذرية، مدّعية أنّهم تركمان".
الإحصاءات، كما يرى ماماش، تؤكّد أنّ "العدد الأصلي للأتراك لا يتعدّى الـ ٥ ملايين اليوم، بينما ٧٥ مليوناً آخرون من الشعب التركي يرجعون لقوميات أرمنية وكردية وسريانية وعرب وإيزديين ويونانيين، ارتكبت إبادات بحقّهم، وضمّت مناطقهم ما تسمى الآن بالجمهورية التركية".