فرنسا ومعضلة الإرهاب

فرنسا ومعضلة الإرهاب


17/11/2020

عبدالحق عزوزي

أعلنت فرنسا منذ أيام أن قوة «برخان» (أكثر من خمسة آلاف جندي) قتلت في مالي قيادياً إرهابياً من الصف الأول، هو «با آغ موسى» الذي وصفته بأنه «القائد العسكري» لـ«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الإرهابية و«أحد الكوادر التاريخيين للتيار المتطرف في منطقة الساحل». وأوضحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن «با آغ موسى» يعتبر مسؤولاً عن هجمات عدة ضد القوات المالية والدولية، و«كان يُعد من القادة العسكريين الرئيسيين للجماعات الإرهابية في مالي، وهو مكلف خصوصاً بتأهيل مجندين جدد». وأشادت الوزيرة الفرنسية بالعملية التي «تطلبت وسائل استخباراتية كبيرة وقوة اعتراض مكونة من مروحيات وقوات برية».
والظاهر أن مقتل «آغ موسى»، يُعد أكثر أهمية من مقتل زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الإرهابي عبد المالك دروكدال في يونيو الماضي في عملية على الأراضي المالية أيضاً. وكان «آغ موس» المنتمي إلى الطوارق والذي تعتبره الأمم المتحدة وواشنطن إرهابياً، شخصية أساسية في حركات التمرد التي شهدها مجتمع الطوارق منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. وقد سبق له أن وضع السلاح والتحق بالجيش المالي عام 1996 ثم في عام 2006، لكنه انشق في المرة الأولى لينضم إلى التمرد الأزوادي وفي الثانية إلى الجماعات الإرهابية عام 2012.
وتؤكد هذه العملية الناجحة أن الخيار العسكري يب قى مفضلاً لدى فرنسا التي أعلنت مجموعة من العمليات المنفصلة ضد جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» وتنظيم «داعش».

ويأتي كل هذا موازاة مع قرار السلطات الفرنسية في 29 أكتوبر الماضي رفع مستوى الإنذار الإرهابي على أراضيها إلى درجته الأقصى، إثر تسجيل ثلاث هجمات إرهابية خلال شهر واحد استهدفت مواقع مختلفة، إذ أسفر هجوم بالسلاح الأبيض عن سقوط جريحين قرب المقر السابق لـ«شارلي إيبدو» نهاية سبتمبر، وقطع رأس مدرس عرض على تلاميذه الرسوم المسيئة في منتصف أكتوبر، كما أدى هجوم بسكين على كنيسة في نيس إلى سقوط ثلاثة قتلى. ثم حلت منذ أيامٍ الذكرى الخامسة لاعتداءات باريس الدامية التي قُتل فيها أكثر من 130 شخصاً وخلفت صدمة كبرى لدى الرأي العام الفرنسي. ولمواجهة هذه التهديدات الإرهابية على أراضيها، سواء أكانت داخلية أو مخططاً لها من الخارج، والتي بلغت أقصى مستوياتها، عززت باريس بشرياً وتشريعياً آليات التصدي للإرهاب.
وقد يظن البعض أن هناك انطباعاً بأن التهديد الإرهابي أصبح أمراً ثانوياً لا يعتد به في السنوات الأخيرة، بسبب ظهور معضلات أخرى مثل «السترات الصفراء» ووباء «كوفيد - 19». لكن الأرقام تظهِر أن التهديد بقي مرتفعاً، فخلال خمس سنوات فقط وقع 20 هجوماً داخل الأراضي الفرنسية، وتم إحباط 61 هجوماً آخر.
وتشير التقديرات إلى أن هناك ما بين مئة ومائتي متطرف فرنسي يوجدون بين العراق وسوريا، ومن الخطأ الاعتقاد بأنهم غير قادرين على عبور الحدود سراً لدخول الأراضي الفرنسية. ولا أدل على ذلك من طريقة وصول الشاب التونسي الذي قام بعملية إرهابية أخيرة في نيس. وبحسب المحققين في تونس وصقلية، فإن هذا الشاب اختفى في 14 سبتمبر ووصل جزيرة لامبيدوسا في 20 سبتمبر على متن قارب صيد صغير صحبة 20 شاباً تونسياً آخرين من دون أوراق ثبوتية. وبعد ذلك خضع للاستجواب لدى وصوله إلى إيطاليا ثم خضع لفحص كورونا قبل أن يتم تصويره وتسجيله من قبل السلطات المختصة. وقضى بعد ذلك 10 أيام في صقلية دون أن تكون تحركاته مراقبة، وربما يكون قد سافر بطريقة غير مشروعة عبر «فنتمغليا» على الحدود مع فرنسا.

وهناك مشكل آخر له علاقة بملف السجناء المدانين بتهم إرهاب والذين يخرجون من السجن، وهم يثيرون قلق الاستخبارات الفرنسية والأوروبية على السواء. وقد تعزز ذلك مع هجوم فيينا الذي نفّذه شخص أفرج عنه في نهاية عام 2019 بعدما أمضى ثمانية أشهر في السجن إثر محاولته التوجه إلى سوريا. 
وتواجه فرنسا إذن، والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، تهديدات خارجية وداخلية من أشخاص كثر، وهؤلاء يكونون في غالب الأحيان غير معروفين لدى أجهزة الاستخبارات المحلية، ويمكنهم ارتكاب هجمات بالسلاح الأبيض الذي لا يتطلب تحضيراً كبيراً، وهنا الطامة الكبرى

عن "الاتحاد" الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية