فرحة سقوط نظام الأسد تبكي بين يدي زرقاء اليمامة

فرحة سقوط نظام الأسد تبكي بين يدي زرقاء اليمامة

فرحة سقوط نظام الأسد تبكي بين يدي زرقاء اليمامة


16/12/2024

منذ عدة أعوام، تجمعنا ملايين تحت خيمة حُلم عربي واحد، شبيبة عربية من كل قُطر، كانت الأرض تغلي والقلوب تغلي والدماء تفور، كنّا معجونين بالحماسة والأمل، كان يُخيل إلينا أنّنا سنسقط أنظمتنا الباغية، ونسقط الحدود وجدران القلوب بين العرب، كان يخيل إلينا أنّه بعد عقد أو اثنين سنرى بلادنا بلاداً أخرى... لكن ها قد مرّ عقد ويزيد على ثورات بدأت بأيادي بيضاء، وما رأيناه كثير والله، كثير يجعلنا نبكي بين يدي زرقاء اليمامة، نشفق على أفراح السوريين، ونتألم لعمق ما عايشوه.

بعد مشاهد سجن صيدنايا، نتفهم مشاعر السوريين في شتات الأرض وهم يحتفون بسقوط جزارهم، ونتفهم مشاعر أهالي الشهداء والمعتقلين والمفقودين والمغتربين، فنفرح بعين، ونبكي بأخرى، وبعين ثالثة لا يُراد استعمالها، نرى عدة وعتاد الجيش السوري محطمة تحت ضربات الخسة الإسرائيلية، ونسمع أصواتاً خافتة من هنا وهناك، لا يُراد لها الظهور حول أحداث تشفي طائفية، تتشفى فيها الجماعة المقهورة من قاهريها بالأساليب نفسها الخارجة عن الإنسانية.

لعنة الطائفية

هناك الآن من يحتفون بأنّ الأحداث الأخيرة هي نجاح للمدّ السنّي من أجل وقف مدّ شيعي مضاد، أو هي نصرة لجماعة دينية تنتمي إليها على جماعة أخرى، وهؤلاء لا يقلون طائفية عن بشار وجماعته. إنّها العين العربية نفسها التي تحكم بعين المُعتقد، إنّها الطائفية التي ستُسقط أيّ ديمقراطية ناشئة، مع أنّ توصيف ما يحدث في سوريا من حراك يقوده "الجولاني" بالديمقراطية الناشئة هو ضرب من الخيال.

هذا ما لا يريد أن يسمعه الكثيرون، في غمرة الحماسة ونشوة الأحداث، إنّ من يُصدر عقله ويُعمل نظره في الأحداث، ويبحث في إيديولوجية قائد هذا الحراك، لا بدّ وأن يشعر بالخوف على سوريا وعلى المنطقة، وحتى لو سلّمنا جدلاً أنّ أفكار الرجل شهدت تغيراً جذرياً، وبأنّه آمن بالمدنية والتعددية شعاراً وحقيقة للأمة السورية، فهل يعني هذا أنّ جماعته تؤمن بذلك.

إنّ الجولاني نفسه لو خرج عن السياق الفكري لجماعته، سوف يُقتل ويطوى بفعل عشرات الفتاوى التي تجعل من تحييده إعلاءً لكلمة الله في الأرض.

أمل مرتبك

مؤكد أنّنا لسنا سوريين أكثر من السوريين أنفسهم، ولسنا متشائمين، ولم نفقد الأمل في الحرية، لكنّها العين التي رأت أنّ الكثير من الأصوات العربية العاقلة الآن، التي تقرأ المشهد بموازنة، متهمة بالميل للديكتاتوريات، الكثير من الأصوات التي تنطوي مباركتها للسوريين على الخوف، تتهم بقلة إنسانيتها أمام مشاهد سجن صيدنايا، كثير من المفكرين العرب يجدون أنّفسهم في خضم الأحداث المتسارعة ومواقفهم الهادئة متهمين في وطنيتهم، مع أنّ الخوف مشروع، ومشروع جداً.

لا بد أنّ الألم الذي عاشه السوريون كبير، لدرجة أن يتجاهل الكثير من كبار مُثقفيها ومُبدعيها كل المخاوف المشروعة، ولا ينظرون غير لحادثة سقوط النظام، دون أن يساورهم في غمرة الفرح أنّ ما يحدث قد يكون استبدال فاشية بفاشية، وديكتاتور بآخر، هكذا عودتنا الأفراح العربية القصيرة العمر.

إنّ الحراك السوري الأخير، يدفع بالأسئلة نفسها والجدال القديم نفسه، حول سؤال الديمقراطية العربية: هل بلادنا العربية بمناخها القائم بيئة جيدة لنمو الديمقراطيات؟ وهل توجد نُخبة ثقافية ليبرالية قادرة على قيادة بلداننا نحو مسار آمن؟

لا أعتقد، فدور النخب الثقافية في أيّ حراك يظل دوراً شرفياً، والسطوة لصاحب السلاح، ويظل دور المثقف الحقيقي على الورق، بينما الفعل تقوده الدبابة، والتأثير على الجماهير لمن يتحدث باسم الله. ويظل للجماعات المؤدلجة دينيّاً دور لا يُمكن استبعاده، ولا يُمكن إقصاؤه من مُنطلقات الديمقراطية نفسها التي نتشبث بها.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية