عن الأخطبوط الإعلامي لحركة النهضة الإخوانية في تونس

عن الأخطبوط الإعلامي لحركة النهضة الإخوانية في تونس

عن الأخطبوط الإعلامي لحركة النهضة الإخوانية في تونس


18/09/2023

كان أوّل ما قامت به حركة النهضة الإخوانية في تونس بعد سقوط زين العابدين بن علي في 2011 هو بعث أذرع إعلامية متعددة، لإدراكها أنّ للإعلام قدرة هائلة على التحكم في الرأي العام وتوجيهه. وكانت قناة (الزيتونة) بوق الدعاية للحركة. وتُعرّف نفسها على موقعها الرسمي بأنّها "قناة تونسية خاصة بعثت عام 2012 لتقدّم مادة إعلامية هادفة وملتزمة بالقيم العربية والإسلامية، ومنصة حرة منحازة إلى تطلعات الشعب وأهداف الثورة التونسية". غير أنّ هذه القناة، التي أسسها أسامة نجل القيادي السابق في الحركة المنصف بن سالم ووزير التعليم العالي في حكومة النهضة، هي قناة تدافع عن المشروع السياسي للحركة ببسالة، وإن كان ذلك على حساب الميثاق المهني المنظم للصحافة، ذلك أنّ أغلب الطاقم الذي يعمل فيها، إن لم يكن كله، إمّا من المنتمين فعلاً للحزب، وإمّا من أشدّ المدافعين عنه.

وقد نُفذ في حقها قرار حجز لمعداتها ومنعها من البث في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بعد سلسلة من المخالفات، منها أنّها تبث دون رخصة في تحدٍّ لقرار "الهايكا" (الهيكل المنظم للإعلام في تونس).

وقال عضو الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي: إنّ "قناة (الزيتونة) كانت محمية من منظومة تقودها حركة النهضة، شكلت دولة مُوازية"، كاشفاً أنّ "وزارة المالية تسترت على الخطايا المسلطة ضدها". وذلك بعد سلسلة من التنبيهات على إدارة القناة بضرورة تسوية وضعيتها القانونية بالنظر إلى أنّ القانون التونسي يمنع بعث قنوات خاصة بالأحزاب، ولكنّ الغطاء الحكومي الذي تمتعت به طيلة ما يقارب (9) أعوام، في ظل حكومات النهضة وحلفائها، كان يمنع من تنفيذ الأحكام القضائية ضدها.

القيادي السابق في الحركة المنصف بن سالم ووزير التعليم العالي في حكومة النهضة

ولم تكتفِ الحركة بالإعلام التقليدي سمعيّاً وبصريّاً، بل إنّها أعادت إصدار الجريدة الناطقة باسمها (الفجر) التي ارتكبت جرائم متنوعة انتهكت فيها الميثاق الصحفي، أشهرها صورة الغلاف التي اختارتها لنقيبة الصحفيين الراحلة نجيبة الحمروني وعدلتها بالفوتوشوب لتجعلها بعينين أصاب إحداهما الحَوَلُ، في تجاوز صارخ لأبسط أخلاقيات المهنة.

كما أنشأت حركة النهضة موقعاً رسميّاً وحسابات رسمية على وسائل التواصل الاجتماعي تكتفي فيه بنشر بلاغاتها الرسمية وبياناتها، مستعينة بمئات الصفحات الممولة الأخرى التي يُدار أكثرها من دول حليفة لحركة النهضة إقليمياً، تأتي تركيا على رأسها. وهي صفحات مختصة بالدفاع عن الحركة وبرامجها وسياساتها متبنية مشروعها السياسي، تنشر "إنجازاتها" لمّا تكون في السلطة، وتقوم بالحملات الدعائية لوزرائها وأعضائها، وتهاجم خصومها عبر الفيديوهات والمواد الممولة sponsorisés. علاوة على آلاف الحسابات الشخصية والمجموعات المفتوحة والمغلقة التي تهرسل المعارضين عبر فبركة الصور والتصريحات دون خطوط حمراء، وتعج بالأكاذيب والشتائم والتنكيل بكل الخصوم على اختلاف توجهاتهم الإيديولوجية والسياسية.

ومن أمثلة ذلك صفحة (قهوجي البرلمان) التي تقول معلومات الصفحة إنّها تأسست في العام 2018 ويديرها (11) شخصاً منهم (7) في تركيا، ويتابع الصفحة أكثر من (140) ألفاً، وتنشر كل ما يضرب رئيس الجمهورية من تصريحات عبر مئات الفيديوهات المركّبة تركيباً احترافياً، والتي تنتشر على (فيسبوك) عبر التمويل، وتحقق نسب انتشار واسعة وعدد مشاهدات مرتفعاً.

ومن هذه الصفحات أيضاً صفحة (المارد التونسي لتطهير الداخلية) التي يديرها شخص من تركيا حسب معلومات الصفحة، يتابعها أكثر من (80) ألفاً وتنشر فيديوهات وتسريبات وإشاعات مفبركة بالعشرات، ومن أهمها نشر فيديو تدّعي فيه أنّ رئيس الجمهورية قد شُلّت ساقه اليسرى"، إثر ضجة أزمته الصحية منذ مدة، وهو ما تبين بطلانه بعد الحادثة مباشرة.

بالإضافة إلى صفحة (نهضة تونس) وعشرات الحسابات الأخرى التي تنفق أموالاً طائلة للدفاع عن الحركة وشخصياتها وتوجهاتها وحلفائها، وتجند من أجل ذلك كل الممكنات لضرب المعارضين وتخوين مساندي إجراءات 25 تموز (يوليو) التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، وفقدت بها حركة النهضة السلطة، وفقدت بالتالي الغطاء الحكومي والتشريعي على مصالحها ومشاريعها في البلاد.

هشام السنوسي: قناة (الزيتونة) كانت محمية من منظومة تقودها حركة النهضة، شكلت دولة مُوازية

وفيما تتبرأ حركة النهضة دائماً من هذه الصفحات والحسابات المجهولة التمويل وتنفي صلتها بها، فإنّ مراقبي الشأن السياسي في تونس يكادون يجمعون على أنّها تابعة لمكتبها الإعلامي، وتعمل بتوجيهات مباشرة أو غير مباشرة من طرف الحركة، ومن الطبيعي أن تنفي صلتها بها. كما يرون أنّ هذا العدد الهائل من الحسابات والصفحات المدفوعة، التي يعمل أغلبها بشكل احترافي، إنّما تحتاج إلى تمويلات طائلة تدفعها الحركة بشكل غير مباشر عن طريق تبييض الأموال، مستغلة مبدأ حرية الإعلام. ويستدلون على ذلك بمقال لراشد الغنوشي باللغة الإنجليزية صدر بعد 25 تموز (يوليو) يشرح فيه الوضعية التونسية، ويقرّ محللون أنّ قبول نشر المقال في صحيفة أمريكية عريقة لا يمكن أن يكون بتلك السهولة، وإنّما يقتضي عمل مجموعات الضغط في الولايات المتحدة، وقد سبق أن تورطت النهضة في عقود من هذا النوع، هدفها تلميع صورة الحركة ورئيسها في الإعلام الغربي، وتسهيل تواصلها مع الرأي العام في أمريكا والغرب عموماً.

ليس الأخطبوط الإعلامي لحركة النهضة الإخوانية سوى دليل على تعديها كل القوانين المنظمة للإعلام وعلى ضوابط المهنة والأخلاق الصحفية من أجل السلطة، فهذه المجرة من المواقع والحسابات تدافع عنها وهي في الحكم، وتبرر كل ما تقوم به، وأمّا إذا فقدتها، فإنّها تنقلب مهاجمة لكل خصومها، ويكفي إلقاء نظرة على المواد الممولة من فيديوهات وغيرها للتأكد من أنّ الحزب الذي يرفع "لواء الإسلام" ويعتبر الشريعة الإسلامية مرجعاً أخلاقياً وسياسياً هو أكثر الأحزاب تعدياً على أبسط الأخلاق الدينية، بل يمارس على العكس من ذلك كل أنواع الهرسلة والتنمر والسخرية من المخالفين وطريقة كلامهم ووجوههم وعيوبهم الخِلقية، علاوة على رميهم التهم والتشويه وفبركة الأكاذيب والأباطيل وتركيب الفضائح الوهمية والإيهام بالجرائم والتشفي بالخصوم وغيرها.

واضيع ذات صلة:

عبير موسي توسع حربها على "الإخوان" وتهدد مؤسساته الإعلامية.. ما الجديد؟

جماعة الإخوان تتجه لتقليص منظومتها الإعلامية... مناورة أم إقرار بالفشل؟

هل تنجح خطط الإخوان الإعلامية الجديدة بإعادة نشر الفوضى في المنطقة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية