عنصرية الإسلاميين.. السلاح الخفي لتفكيك السودان

عنصرية الإسلاميين.. السلاح الخفي لتفكيك السودان

عنصرية الإسلاميين.. السلاح الخفي لتفكيك السودان


21/01/2025

عبدالمنعم همت

لقد شكّلت الحركة الإسلامية في السودان منذ نشأتها مشروعا سياسيا استغلاليا يتخفّى خلف عباءة الدين لتحقيق أهداف سلطوية ضيقة، دون اعتبار للتنوع الديني، الثقافي، والعرقي الذي يشكّل النسيج الفريد للسودان. استغل الإسلاميون هذا التنوع لا لتعزيزه، بل لإذكاء الانقسامات وتعميق الفجوات بين مكونات المجتمع السوداني، متجاهلين العواقب الوخيمة التي تترتب على سياساتهم الإقصائية والعنصرية.

لم تكن دارفور، بتكوينها الاجتماعي والديني المميز، بمعزل عن مشروع الحركة الإسلامية. فقد عمدت الحركة إلى توظيف الإسلام الشعبي في الإقليم كأداة للتغلغل والسيطرة. إلا أن هذه السياسات سرعان ما قوبلت بالرفض من داخل الإقليم، حيث ظهرت حركات مقاومة قوية. كان أول أشكال المقاومة هو انضمام بولاد، أحد رموز الإسلاميين، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان ذات التوجه الاشتراكي. ثم جاءت حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل إبراهيم وشقيقه الدكتور جبريل إبراهيم (وزير المالية الحالي). وبعد ذلك، ظهرت حركات علمانية قاومت حكومة الإسلاميين.

هذا الرفض الدارفوري لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان تعبيرا عن عمق المأساة التي زرعتها الحركة الإسلامية في الإقليم، حيث انتهجت سياسات تهميش ممنهجة تمثّلت في إقصاء أبناء دارفور من المناصب الحساسة وحرمان الإقليم من مشاريع التنمية. وقد بلغ هذا التوجه ذروته في رؤية عبدالرحيم حمدي عام 2005، التي دعا فيها صراحة إلى استبعاد دارفور من خطط التنمية الوطنية بحجة أنها ليست جزءا من السودان التاريخي.

لم تكن رؤية حمدي مجرد فكرة عابرة، بل أصبحت نهجا ثابتا في سياسات الحركة الإسلامية. هذه العنصرية المتجذرة لم تقتصر على دارفور وحدها، بل امتدت إلى جميع الأقاليم المهمشة في السودان، ممّا خلق شعورا بالاغتراب لدى سكان هذه المناطق، وأدى إلى تصاعد التوترات العرقية والقبلية. وقد لعب الإسلاميون دورا أساسيا في تأجيج هذه الصراعات، سواء من خلال الخطاب الإعلامي الذي يزرع الفتن أو عبر السياسات العملية التي تُقصي فئات كبيرة من السودانيين عن المشاركة في بناء الوطن.

ما نشهده اليوم من تصفيات عرقية وقبلية هو نتيجة مباشرة لهذه السياسات العنصرية. الحركة الإسلامية، التي تدّعي تمثيل الإسلام، تسعى إلى تقسيم السودانيين وفق خطوط عرقية ودينية لتثبيت سلطتها. هذا النهج لا يهدد فقط وحدة السودان، بل يدفع بالبلاد نحو التفكك الشامل، حيث تصبح المكونات الاجتماعية أكثر انعزالا وعداء بعضها لبعض.

مواجهة عنصرية الإسلاميين تتطلب تحركا وطنيا شاملا يعيد إلى السودانيين الثقة في قدرتهم على بناء وطن مشترك. السودان في حاجة إلى خطاب سياسي واجتماعي جديد يضع أسسا عادلة للمواطنة، ويعترف بحقوق جميع مكوناته بغض النظر عن العرق أو الدين أو المنطقة.

هذا الخطاب يجب أن يكون قائما على الحقائق التاريخية التي تؤكد أن التنوع كان دائما مصدر قوة للسودان، وليس عامل ضعف كما حاول الإسلاميون تصويره. كما يجب أن يرتكز على قيم العدالة، المساواة، والمواطنة، ليكون بديلا حقيقيا لخطاب الكراهية والانقسام الذي روّجت له الحركة الإسلامية.

المشروع الوطني المطلوب لا يمكن أن يكون مجرد رد فعل على سياسات الإسلاميين، بل يجب أن يكون رؤية إستراتيجية طويلة الأمد تُبنى على الحوار والمصالحة الوطنية. هذا المشروع يجب أن يشمل جميع مكونات السودان، بما في ذلك الأقاليم التي عانت من التهميش لعقود طويلة. كما ينبغي أن يتضمن برامج واضحة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي ومعالجة الجراح التي سببتها سنوات من التمييز والعنصرية.

التصدي لهذا التحدي يتطلب أيضا دعما دوليا وإقليميا، حيث إن السودان جزء لا يتجزأ من أفريقيا والمنطقة العربية. يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن عنصرية الإسلاميين ليست مجرد شأن داخلي، بل هي خطر يهدد الاستقرار الإقليمي، ويتطلب تحركا جماعيا لاحتوائه.

رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها السودان، فإن الأمل في المستقبل لا يزال قائما. السودان، بتنوعه وثرائه الثقافي، قادر على تجاوز هذه المحنة إذا توحد أبناؤه حول رؤية وطنية تعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة. إن النضال ضد عنصرية الإسلاميين ليس مجرد معركة سياسية، بل هو صراع وجودي يحدد ملامح المستقبل. السودان اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة وحدته وهويته، بعيدا عن الإقصاء والانقسام، وبناء وطن يتسع للجميع، يحترم تنوعهم، ويقدّر مساهماتهم في بناء الأمة.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية