عندما يغازل "الأخ" أردوغان إسرائيل

عندما يغازل "الأخ" أردوغان إسرائيل


كاتب ومترجم جزائري
04/01/2021

ترجمة: مدني قصري

عندما تمّ التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيميّة في البيت الأبيض، بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، نظّمت تركيا أردوغان إدانة واستنكارات دولية هائلة، من خلال وسائل إعلامها وقنواتها السياسة، وكان رفضها لهذا الوضع الجديد من الحدّة بما جعلها تفكر في قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وفرض عقوبات على تلك الدول التي تجرأت على اتخاذ هذه الخطوة.

وعندما قرّر المغرب إعادة العلاقات مع إسرائيل، قامت تركيا نفسها التي ينتمي إليها أردوغان، بتنشيط الأحزاب الإسلامية الواقعة تحت هيمنتها الأيديولوجية، لتنظيم سلسلة من الاحتجاجات والانتقادات ضدّ القرار المغربيّ.

ومن المفارقات أنّ تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسيّ، وتتمتع بعلاقات دبلوماسيّة كاملة مع إسرائيل، فضلاً عن علاقات اقتصاديّة وعسكريّة مكثفة مع الدولة العبرية، بلغت من القوة ما يجعلنا نطرح سؤالاً جادّاً: لماذا تركيا هذه، القريبة جداً من إسرائيل، لدرجة أنّ البعض ينسب إليها أصل الإسمنت المستخدم في بناء الجدار العازل والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية، تنزعج بشدّة عندما يوقّع عربيّ ومسلم تقارباً مع إسرائيل؟

لماذا تنزعج تركيا، التي ينسب إليها أصل الإسمنت المستخدم في بناء الجدار العازل والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية، عندما يوقّع عربيّ تقارباً مع إسرائيل؟

ومما يزيد الوضع تعقيداً؛ التصريحات الأخيرة للرئيس أردوغان، التي أعرب فيها عن رغبته في تعزيز التعاون الأمنيّ ​​مع إسرائيل، ولم يسبق أن كانت الكلمات التي قالها أكثر وضوحاً: "علاقاتنا مع إسرائيل في مسائل تبادل المعلومات الاستخبارية لم تتوقف أبداً (...) قلوبنا تتمنى تحسين علاقاتنا معهم" هذا ما أطلقه أردوغان، الذي وصفه نادي المعجبين بـ "الإخوان المسلمين" بـ "بطل القضية الفلسطينية" نحو إسرائيل.

مجرّة ​​الإخوان المسلمين

هذه المواقف تضع مجرّة ​​الإخوان المسلمين على الدوام سبّاقة في إدانة أيّ تقارب مع إسرائيل أمام تناقضاتها الخاصة، فكيف يمكن، إذاً، تفسير عنف المنتقدين عندما تتعلّق عمليّة التقارب بالدول العربيّة، وصمت الإخوان المطبق عندما تطمح تركيا أردوغان إلى تعزيز علاقاتها مع إسرائيل؟

اقرأ أيضاً: أردوغان يغازل إسرائيل و"الإخوان" حاضرون

الأسباب التي دفعت أردوغان إلى اتّخاذ مثل هذه المواقف المغرية من إسرائيل واضحة؛ حيث يريد الرئيس التركي الدفاع عن مصالح بلاده التي تتعرض حالياً لصدمتين قويتين.

السبب الأول: يأتيه من الاتحاد الأوروبي، الذي يريد من أردوغان أن يدفع ثمن سياساته العدوانية في شرق البحر المتوسط ​​وسوريا وليبيا وناغورني كاراباخ، ناهيك عن التهديدات المتكرّرة ضدّ الاتّحاد الأوروبي، وابتزازه بفتح حدوده مع أوروبا وإغراقها بموجات من اللاجئين، الذين يمكن أن يتسلّل إليها عناصر من داعش الإرهابي.

كانت أوروبا تتساءل بالفعل عن ازدواجية النظام التركيّ المذنبة فيما يتعلق بتنظيم داعش، وتسامحه المفرط تجاه إرهابييه، خاصة القادمين من أوروبا والمغرب العربي

كانت أوروبا تتساءل بالفعل عن ازدواجية النظام التركيّ المذنبة فيما يتعلق بتنظيم داعش، وتسامحه المفرط تجاه إرهابييه، خاصة القادمين من أوروبا والمغرب العربي، وسهولة الحركات الاقتصادية التي استفادوا منها.

أما السبب الثاني؛ فيأتي إليه من الولايات المتحدة، لا سيما من الإدارة الديمقراطية الجديدة، لمّا كان ما يزال مرشحاً، أعرب جو بايدن عن كراهيته الشديدة لأسلوب أردوغان الذي بدا أنّه يغري دونالد ترامب؛ بل وقد وعد بايدن ببذل قصارى جهده لإسقاط أردوغان ديمقراطياً خلال الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، المقرّر إجراؤها عام 2023.

 ومن بين الانتقادات العديدة؛ تُآخِذ الإدارة الأمريكية أردوغان على حصوله على نظام الدفاع الروسي "S-400"، بالتالي تعريضه لإستراتيجيات دفاع حلف الأطلسيّ للخطر، تمّ التصويت على عقوبات أمريكية بالفعل في الكونغرس، ضدّ تركيا، لإجبارها على التخلي عن هذا العقد الروسيّ.

حملة الإغراء

واليوم، يبدو واضحاً أنّ حملة الإغراء هذه من جانب أردوغان تجاه إسرائيل ليس لها سوى هدف واحد: حشد الإسرائيليين وتأثيراتهم في أوروبا والولايات المتحدة حتى لا تُحوّل ديناميكيات العقوبات اقتصاد تركيا وقيادتها إلى أشلاء.

اقرأ أيضاً: لماذا يرحّب أردوغان باتفاق السّلام مع المغرب ويقترب من إسرائيل؟

يريد أردوغان لعب الورقة الإسرائيلية لإعادة بناء عذريته في الغرب، الذي بدأ يطرح على نفسه أسئلة وجيهة حول مصداقية تركيا؛ أهو صديق ما يزال يستحق مكانه في الناتو، ووصوله غير المحدود إلى ترسانته التكنولوجية الدفاعية، أم عدوّ داخليّ تجب محاربته بعزم؟

تضع مواقف أردوغان من إسرائيل صعوبة كبيرة أمام الأحزاب الإسلامية التابعة له في المغرب العربي، والنهضة بقيادة الغنوشي، وحزب العدالة والتنمية لسعد الدين العثماني، ورئيس حركة مجتمع السلم  لعبد الرزاق مكري الجزائري.

يجب على هذه الأحزاب الإسلامية، التي ترى في تركيا عراباً لها وأنموذجاً للحكومة، أن تواجه الحقائق، وأن تدرك أنّ أردوغان يتلاعب بها من أجل أجندته الوطنية، وأنّه يستخدمها كوقود أيديولوجي لتحقيق كلّ أهدافه الأنانية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية: 

https://atlasinfo.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية