"عقار يستجدي روسيا"... دبلوماسية حرب الخرطوم تستدعي منهج الكيزان

"عقار يستجدي روسيا"... دبلوماسية حرب الخرطوم تستدعي منهج الكيزان

"عقار يستجدي روسيا"... دبلوماسية حرب الخرطوم تستدعي منهج الكيزان


03/07/2023

منذ إعلانه نائباً لرئيس مجلس السيادة السوداني، نشط المتمرد السابق مالك عقار في تولي الملف الخارجي، بدءاً من حضوره قمة الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد)، وإشادته بمبادرتها وجهودها الرامية لحل الأزمة السودانية، كما رحب في كلمته أمام القمة "بخارطة الطريق التي قدّمها رئيس المفوضية الأفريقية؛ موسى فكي، لكن سُرعان ما ارتد على عقبيه تحت ضغط بروباغندا الحرب التي تديرها عناصر إعلامية محترفة تنتمي للنظام السابق ولجماعة الإخوان المسلمين، تدّعي أنّها مؤيدة للجيش وتدعو إلى سحق ما تُسميه تمرد قوات الدعم السريع حتى آخر جندي؛ فقد وصفت الرجل بعد تقريظه المبادرة بأنّه "يُغرد خارج سرب الدولة، وأنّ عدم أدائه القسم جعله حراً بلا رقيب يلهث خلف استغلال لسان الحكومة لتحقيق مأرب حركته في حصول إقليم النيل الأزرق الذي ينتمي إليه على الحكم الذاتي، وأنّ على الفريق البرهان الانتباه لخطئه باختياره نائباً له، والعمل على تصحيحه بأسرع ما يمكن".

عقب الحملة الإعلامية الشعواء عليه، عاد عقار ليصف مبادرة (إيغاد) بأنّها مبادرة احتلال، الأمر الذي وضع علاقة حكومة الحرب القائمة في الخرطوم في حالة عداء مع القارة الأفريقية برمتها.

الوضع الراهن

وفي الأثناء تمكنت قوات الدعم السريع في عملية نوعية من السيطرة التامة على مقر رئاسة قوات الاحتياطي المركزي بالخرطوم، وهي قوات شرطية بمهام قتالية مدربة على حرب المدن والشوارع، وشاركت في جميع المعارك ضد التمردات المختلفة التي عمت السودان خلال الـ (30) عاماً من حكم الإخوان المسلمين، وبسقوط (الاحتياطي المركزي)، وقبله مصنع اليرموك للأسلحة والذخائر، وضعت قوات الدعم السريع يدها على كميات كبيرة من المركبات والآليات العسكرية والأسلحة والذخائر، ممّا يفسر طلب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من الشباب السودانيين حمل السلاح ومقاتلة (العدو)؛ الأمر الذي فسره كثيرون بأنّه اعتراف ضمني بضعف الجيش وعدم قدرته على مواصلة المعركة، كما وصفه مراقبون بالدعوة الصريحة إلى تحويل المعركة مع الدعم السريع إلى حرب أهلية شاملة.

عقار طلب من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مساعدة بلاده في إنهاء الحرب

وتأتي زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار المفاجئة إلى موسكو في هذا السياق، إذ ظلّ الجيش السوداني، وغُرفه الإعلامية التي يُسيطر عليها النظام السابق، يُبرر التقدّم الميداني للدعم السريع وتراجع أداء الجيش عسكرياً، بأنّه ناجم عن دعم روسيا الاتحادية؛ ممثلة في مجموعة (فاغنر) لقوات الدعم السريع وإسنادها استخبارياً ولوجستياً وإعلامياً، إلا أنّ عقار في محاولة منه لكسب ود الكرملين، نفى بعبارات صريحة لا لبس فيها وجود (فاغنر) في السودان، رغم أنّ وزير الخارجية الروسي كان قد أجاز في وقت سابق بعد نحو (10) أيام من اندلاع الحرب في الخرطوم، تدخل المجموعة في النزاع الدائر حالياً في السودان، إذا ما استدعى الأمر. وكان لافروف قد قال في مؤتمر صحفي في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك في 25 نيسان (أبريل): إنّه يحق للسودان الاستفادة من الخدمات الأمنية لـ (فاغنر) التي يتهمها الغرب بتجنيد مرتزقة حول العالم.

ما المقابل؟

وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان مالك عقار قد طلب من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مساعدة بلاده في إنهاء الحرب وتقديم مساعدات اقتصادية واستراتيجية، الأمر الذي اعتبره مراقبون استجداء لموسكو للتدخل والتوسط لدى قائد الدعم السريع، أو على الأقل تحييدها مقابل تفعيل اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، كان قد أبرمها النظام السابق في الخرطوم مع موسكو، فضلاً عن إغراء روسيا بمنحها حقوقاً واسعة للتنقيب عن المعادن في السودان، ممّا قد يثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، فقد حاولت واشنطن مبكراً ومنذ بداية الحرب التوسط بين طرفيها، والعمل على وضع حد لها عبر المبادرة الأمريكية السعودية، وبالتالي يكون الجيش السوداني قد وضع نفسه في عداء مع جميع الأطراف.

عاصمة منزوعة السلاح

ما يؤكد على إدارة النظام السابق وجماعة الإخوان لحرب الخرطوم، هو المنهج الذي تُدار به دبلوماسية (الحرب)؛ والذي يتطابق تماماً مع أسلوب نظام الإخوان المسلمين في إدارة العلاقات الخارجية - وفقاً لمراقبين ـ وهو أسلوب يستخدم دبلوماسية حافة الهاوية مع الجميع، ويمارس تهديداً (كلامياً) بالغ الحدة والعنف تجاه دول الجوار والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، ومثال على ذلك عبارة مالك عقار في حق مبادرة (إيغاد)، إذ وصفها بمبادرة احتلال؛ الأمر الذي دفع مجلس الأمن والسلم الأفريقي المكوّن من (15) دولة، وتُعتبر القرارات الصادرة عنه ملزمة يدعمها مجلس الأمن الدولي، إلى تأييده بالكامل لخطة (إيغاد) بشأن النزاع في السودان، والتي تقضي بوضع العاصمة السودانية الخرطوم كمنطقة منزوعة السلاح، مع إلزام القوات المقاتلة بالخروج منها، على أن تؤول مسؤولية الأمن للشرطة وتساعدها قوات منتقاة من دول مجموعة (إيغاد)، وأن تكون العملية السياسية هي النهج الوحيد للتوصل إلى حل دائم للنزاع في السودان.

حاولت واشنطن مبكراً ومنذ بداية الحرب التوسط بين طرفيها

ماذا بعد؟

ظلت قيادة الجيش منذ اندلاع الحرب، وحتى اللحظة، تخسر معاركها الدبلوماسية واحدة تلو الأخرى، لأنّها أوكلتها إلى أنصار نظام البشير الذين عزلوا السودان تماماً عن محيطيه الإقليمي والدولي بتصرفاتهم غير المحسوبة ولا المدروسة. وقد دفع السودان فواتير كبيرة في سبيل العودة إلى الأسرة الدولية عقب سقوط نظام البشير، وتمكّنت حكومة عبد الله حمدوك من بذل جهود كبيرة ومقدرة في سبيل تحقيق ذلك، قبل أن يطيح بها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ليعود بعلاقات السودان الخارجية إلى ما كانت عليه قبل الإطاحة بالبشير، وها هي (دبلوماسية الحرب) الراهنة التي تم وضع قائد التمرد السابق مالك عقار على رأسها تمضي بمنهج (الكيزان) ذاته إلى خصام وعداء مع الفضاءين الدولي والإقليمي، بخُطوات حثيثة.

مواضيع ذات صلة:

يحلمون بالعودة إلى الحكم... دور "الإخوان" في إشعال الحرب في السودان

المسألة السودانية: قتال إثني وتحركات انفصالية وانتهاكات واسعة

هل تبدأ القاعدة وداعش بتنفيذ عمليات في إثيوبيا والسودان قريباً؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية