عبد اللهيان من بيروت... لماذا رسائل التهدئة الإيرانية لأمريكا وإسرائيل؟

عبد اللهيان من بيروت... لماذا رسائل التهدئة الإيرانية لأمريكا وإسرائيل؟

عبد اللهيان من بيروت... لماذا رسائل التهدئة الإيرانية لأمريكا وإسرائيل؟


12/02/2024

بالرغم من الخطاب الإعلامي المشحون بكل مفردات التهديد والوعيد من قبل قيادات في الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات التابعة لإيران، خاصة تلك التي يطلقها الحوثيون وتهديدهم الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وفصائل الحشد الشعبي العراقي وامتداداتها في العراق وسوريا، والضربات المتلاحقة التي أسفرت عن تصفية "مستشاري" الحرس الثوري الإيراني  في سوريا، بالإضافة إلى تصفية قيادات في حزب الله العراقي وحزب الله اللبناني، والضربات المتواصلة ضد أهداف استراتيجية للحوثيين، إلا أنّ العنوان الأبرز في جولة وزير الخارجية الإيراني (عبد اللهيان)، والتي بدأت من بيروت، هو التأكيد مجدداً على أنّ القيادة الإيرانية ليست بوارد التصعيد، وأنّها تعمل على التهدئة في الإقليم، وهي المقاربة التي اعتمدتها منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، رغم المراوغات التي تمارسها هنا أو هناك، تلك المراوغات التي أجبرتها على إعلانات متكررة بأنّ قرارات فصائل المقاومة المدعومة من إيران مستقلة، وأنّ إيران لا تفرض عليها توجيهات أو تعليمات، وهو ما يمكن تفسيره ليس فقط بأنّ إيران تتخلى عن مسؤوليتها فقط تجاه حلفائها، بل تكشف أيضاً هذه الفصائل أمام أمريكا وإسرائيل.

ربما يتم النظر إلى رسائل التهدئة الإيرانية ودلالة انطلاقها من بيروت من قبل كثيرين في المنطقة بعين الشكوك، وأنّها مجرد مراوغات إيرانية جديدة، وهي شكوك مشروعة في ظل تاريخ من المراوغات السياسية الإيرانية وترجمات طهران لمقاربة "حافة الهاوية"، لكنّ التطورات التي تشهدها حرب غزة وتداعياتها و"انفلاتات" وكلاء إيران في الإقليم تشير إلى أنّ طهران أصبحت معنية بالتهدئة، لا سيّما بعد مقتل (3) جنود أمريكيين في (البرج 22) على الحدود الأردنية السورية، والتسريبات التي ترددت حول رد أمريكي غير مسبوق قد يصل إلى طهران، وهو ما يعني احتمالات توسع تداعيات الحرب، والتي من المؤكد أنّ خسارات طهران ستكون فيها أكبر بكثير من خسارة خصومها، وربما تطيح بالمكاسب التي حققتها بعد "طوفان الأقصى".

ربما يتم النظر إلى رسائل التهدئة الإيرانية ودلالة انطلاقها من بيروت من قبل كثيرين في المنطقة بعين الشكوك، وأنّها مجرد مراوغات إيرانية جديدة، وهي شكوك مشروعة في ظل تاريخ من المراوغات السياسية الإيرانية

وقد جاءت التهدئة الإيرانية التي حملها عبد اللهيان وأطلقها من بيروت بعد تسريبات إيرانية من مصادر مقربة من مكتب المرشد الأعلى أكدت أنّ رسائل عديدة تم تبادلها بين واشنطن وطهران عبر وسطاء، يرجح أنّهم أوروبيون، بالإضافة إلى سلطنة عُمان، وهي التي تفسر تأخر الرد الأمريكي على مقتل الجنود الـ (3)، تم بموجبها الاتفاق على أن تمارس إيران مزيداً من الضغوط على الميليشيات التابعة لها، وهو ما يفسر أيضاً تصريحات إيرانية حول علاقتها بهذه الميليشيات، وربما كشف الغطاء عن بعض الرموز المتشددة فيها، كما نقل الوسطاء أنّ موقفاً إيرانياً إيجابياً سيسهل مفاوضات التوصل إلى اتفاق نووي جديد يلبي كثيراً من مصالح إيران، بما في ذلك قضايا العقوبات على إيران والإفراج عن أموالها المجمدة.

إيران من جانبها تدرك ليس فقط مخاطر التصعيد مع أمريكا واحتمالات الحرب الإقليمية ووصول شرارة تلك الحرب إلى الداخل الإيراني، وما سيترتب عليها من خسائر إيرانية فادحة، بل إنّ إيران تدرك أيضاً أنّ هناك عاملين وراء تخفيض مستوى التصعيد؛ وهما: الأوّل أنّها بتغذية الصراع تغامر في المساهمة بإفشال حملة الرئيس بايدن للانتخابات الرئاسية القادمة أواخر العام الجاري، لا سيّما أنّ الإدارة الديمقراطية تولت مهمة الدفاع عن إيران في "طوفان الأقصى"، وحتى في مقتل الجنود الأمريكيين، بتكرار أنّه لا وجود لأدلة "دامغة" على دور إيراني في عملية حماس ومقتل الأمريكيين، وهي مواقف تسببت لإدارة بايدن بانتقادات واسعة من قبل الجمهوريين، ولا شك أنّ مزيداً من التصعيد سيضعف موقف الديمقراطيين الطامحين لإنجاز مقبول أمريكياً مع طهران، أمّا العامل الثاني، فإنّ تخفيض حدة التصعيد من قبل طهران سيسحب البساط من تحت أقدام اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو، الذي يجهد لإطالة أمد الحرب وتوسيعها بفتح جبهة لبنان، ويلاحظ هنا تحولات في الخطاب الإيراني الذي أصبح يستخدم مفردات مرتبطة بنتنياهو ومسؤولية اليمين المتطرف عن التصعيد، وهي مفردات تكاد تتطابق مع مقاربات عربية وإسلامية أخرى، ومن هنا فمن غير المستبعد، وبعيداً عن الخطاب الإيراني التعبوي والتحريضي، أن تمارس طهران ضغوطاً على حركة حماس لإنجاز صفقة تبادل الأسرى وصولاً إلى وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تعليمات لحزب الله اللبناني بضبط النفس ومواصلة التكيف مع الضربات الإسرائيلية وفقاً لقواعد الاشتباك، وطمأنة حزب الله باستمرار الدعم الإيراني له، والإسهام في مشاريع استثمارية تحتاجها الحكومة اللبنانية، بعد الانهيارات التي شهدها الاقتصاد اللبناني، وبالتزامن مع ذلك ضبط الفصائل الموالية لها في العراق وسوريا، وتحديداً تجاه وقف ضرب القواعد الأمريكية في العراق وسوريا. 

ورغم كل ذلك فإنّ تلك التهدئة، وإن كانت تعكس قناعات إيرانية بأنّه لا حلول قادمة على صعيد القضية الفلسطينية، وربما تشمل مناطق أخرى لإيران علاقة بها، وتتطلع إيران للاستفادة من تلك الحلول بالحصول على حصصها فيها، فإنّها تبقى مجرد تفاهمات غير مضمونة بالنسبة إلى أمريكا والأطراف الغربية، إذ ستبقى طهران بموقع المتهم المطلوب منه تبرير أفعاله وإثبات حسن نواياه، وربما تذهب كل تلك التفاهمات أدراج الرياح في حال فوز الجمهوريين، وعودة ترامب إلى سدة الحكم، وهو ما يعني أنّ التوجيهات الإيرانية لوكلائها ستبقى في دائرة "التعليق"، وليس "إنهاء" التشكيلات التابعة لها في المنطقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية