عبدالناصر يربك قناعات المصريين عن السلام مع إسرائيل

عبدالناصر يربك قناعات المصريين عن السلام مع إسرائيل

عبدالناصر يربك قناعات المصريين عن السلام مع إسرائيل


29/04/2025

بعد نحو 55 عاماً من وفاته، كشف تسجيل صوتي لجمال عبدالناصر عن وجه لا يعرفه عدد كبير من الأشخاص، فالرئيس المصري الراحل الذي ارتبط اسمه بدعوات الوحدة العربية ومقاومة الاحتلال كان يجادل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في شأن الحل السلمي مع إسرائيل، وبدا غير عابئ باتهامات التخوين وكلمات المزايدة من الدول العربية التي هاجمته بعد قبوله "مبادرة روجرز" للتهدئة قبل أسابيع من وفاته عام 1970.

وعلى مدى 17 دقيقة خلع عبدالناصر رداء الأفكار الثورية، مرتدياً ثوب البراغماتية التي لا ترى عيباً في التوصل إلى اتفاق يعيد الأراضي التي احتلت عام 1967، بدلاً من دعوات استعادة كامل أراضي فلسطين التاريخية، بما يعني عملياً القضاء على إسرائيل، بل أظهر عبدالناصر مللاً من منطق القذافي بضرورة القتال المستمر لإسرائيل، ودعاه إلى حشد جيوش الدول الرافضة للموقف المصري لمحاربة إسرائيل من الجبهة الشرقية، لكنه في الوقت نفسه حذر من أن مواجهة عسكرية مع إسرائيل في ظل المعطيات المتوافرة في وقت التسجيل (3 أغسطس- آب 1970) سيؤدي إلى تكرار نكبة 1948.

انقسام على مواقع التواصل

خلال أقل من يومين منذ ظهور التسجيل على صفحة "ناصر تي في" على موقع "يوتيوب"، كانت كلمات عبدالناصر هي الشاغل الأول للمصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكما تنقسم الآراء دائماً بين مؤيد لكل ما جاء في عهد الناصري ومن يحملون ذلك العهد كل مشكلات مصر، كان الانقسام في شأن حديث عبدالناصر -القذافي، فانشغل بعضهم بما سموه تغير موقف عبدالناصر تجاه إسرائيل إلى الحل السلمي، وقارنوه بموقف سلفه الرئيس أنور السادات، بينما اعتبر آخرون أن عبدالناصر يمارس مناورة تكتيكية ولم يتخلَّ عن ثوابته تجاه القضية الفلسطينية، كما ارتدى آخرون نظارة الوضع الحالي للنظر إلى حديث عبدالناصر، بخاصة في ما يتعلق بفكرة المقاومة المسلحة، بعدما أشار إلى تفوق إسرائيل عسكرياً.

وتساءل مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير معصوم مرزوق عن المغزى من ظهور التسجيل الآن، على رغم أنه كان من الممكن أن تستخدمه أطراف عدة خلال العقود الماضية، مشيراً إلى أن نظام السادات لو أتيح له ذلك التسجيل لأذاعه في أعقاب توقيعه على اتفاق السلام مع إسرائيل، خصوصاً أنه كان وراء كثير من حملات التشويه لعبدالناصر، بحسب تعبيره.

وقال مرزوق لـ"اندبندنت عربية" إن السياق الذي انتشر فيه التسجيل الصوتي والجدل حوله لا يخدم سوى إسرائيل ومن يريد إنهاء "فكرة المقاومة في الوعي الجمعي العربي"، تزامناً مع الحديث عن تسليم سلاح المقاومة في فلسطين. واستدرك أنه ليس جديداً أن عبدالناصر شخص براغماتي سعى إلى الوصول لحل سلمي، لكنه أوضح أن رؤيته كانت قائمة على تحرير الأرض العربية المحتلة، فرفض عروضاً كثيرة لانسحاب إسرائيل من سيناء، حيث كانت تل أبيب طوال الوقت تسعى إلى فصل مصر عن قضية باقي العرب، كي تتفرغ للاعتداء على دول أخرى، مما حدث بالفعل لاحقاً.

مصدر "التسريب"

الجدل امتد أيضاً إلى التساؤل حول الجهة التي نشرت التسجيل، فالحساب على "يوتيوب" ذكر أنه تابع للموقع الرسمي للرئيس جمال عبدالناصر التابع لمكتبة الإسكندرية، إلا أن المكتبة نفت عبر بيان رسمي صلتها بالحساب عقب الجدل حول التسجيل، وأعقب ذلك خروج عبدالحكيم جمال عبدالناصر في تصريحات صحافية كاشفاً عن أن تلك الصفحة تخصه وسينشر عليها مزيداً من التسجيلات. وتبين أن وصف حساب "ناصر تي في" على "يوتيوب" عُدل لحذف ما يشير إلى تبعيته لمكتبة الإسكندرية.

وكانت أسرة عبدالناصر أهدت أوراقاً وتسجيلات الرئيس إلى مكتبة الإسكندرية عام 2004 لإنشاء موقع رسمي يضم تراثه.

كحال متابعي التسجيلات، ربط نجل عبدالناصر التسجيل بالوضع الحالي، واصفاً الموقف السياسي الحالي بأنه يشبه ما حدث عام 1970، مضيفاً أن "بعض الحكومات والمنظمات العربية تريد تحرير فلسطين فقط من الحدود المصرية، ولا أعرف لماذا لا يفكرون في تحريرها من الحدود الشرقية؟".

وأضاف أن الدول التي انتقدت عبدالناصر لم تفعل شيئاً للقضية الفلسطينية، مؤكداً أن فهم التسجيل الصوتي يجب أن يكون في سياقه الزمني، إذ كان عقب الموافقة على "مبادرة روجرز" التي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ومنح الفلسطينيين حق العودة.

وفي يونيو (حزيران) عام 1970، أعلن وزير الخارجية الأميركي ويليام روجرز مبادرة تدعو إلى وقف الأعمال العدائية لمدة ثلاثة أشهر والعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 242.

المزايدات العربية

من جهته قال أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس جمال شقرة إنه بحكم معرفته بسياق تلك الفترة يستطيع التأكيد أن التسجيل كامل وغير مجتزأ، مشيراً إلى أن عبدالناصر كان حريصاً على الاحتفاظ بكل ورقة وكل تسجيل للتوثيق التاريخي، كما أنه مارس النقد الذاتي بصورة لاذعة، ولا سيما بعد عام 1967.

وأضاف شقرة لـ"اندبندنت عربية" أن التسجيل يظهر أن عبدالناصر كان في "قمة الغيظ" من المزايدات العربية على قبول مصر لـ"مبادرة روجرز"، في وقت كان يستعد لحرب تحرير سيناء، ولم يدرك المزايدون أن قبول المبادرة كان لهدف تكتيكي هو استكمال حائط الصواريخ على طول خط القناة لحماية الداخل المصري من الغارات الإسرائيلية.

وأشار إلى أن الجيش المصري "أذل" إسرائيل طوال 1000 يوم من حرب الاستنزاف بحسب تعبير قادة إسرائيل، حتى إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير سعت إلى لقاء عبدالناصر لوقف الحرب، مستنداً في ذلك إلى وثائق إسرائيلية نشرها في كتابه "انتصار مصر في حرب الاستنزاف... شهادات إسرائيلية"، بينما كانت الأصوات العربية المزايدة تتهم عبدالناصر بالانهزامية.

وأوضح شقرة أن عبدالناصر في تلك الفترة لم يستطِع أن يكشف عن نواياه، في حين كانت خطة عبور قناة السويس "غرانيت 1" و"غرانيت 2" أُعدت ولم يبقَ سوى استكمال بعض الأسلحة، لكن بعد وفاة عبدالناصر في سبتمبر (أيلول) 1970، لجأ أنور السادات إلى التفاوض السري مع الولايات المتحدة، إلى أن تأكد من ضرورة الحرب لذلك اتخذ قرار العبور في مايو (أيار) عام 1973.

وأكد أن تكوين قناعات تاريخية بناء على الاستماع لفيديو من دون معرفة سياقه هو أحد مظاهر "لعنة السوشيال ميديا"، موضحاً أن هناك هجمات على الرموز الوطنية يجب التصدي لها.

اندبندنت




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية