
ربما تكون هناك قناة خلفية إيرانية مع إدارة ترامب، على غرار ما حدث سابقاً، وبأجندة غير معلنة، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو المفاوضات العلنية بين طهران وواشنطن في مسقط. وبينما ينشغل الجميع بهذا المشهد، تبرز احتمالية لمفاوضات مباشرة بين الطرفين تدور الآن في إحدى "عواصم الضباب".
تحركات أكثر دهاءً، اعتادت طهران كعادتها تفعيل قناة خلفية غير رسمية مع الولايات المتحدة، هدفها – بطبيعة الحال – إعادة بناء التفاهمات بصيغة جديدة ومبتكرة هذه المرة.
الاحتمال يشير إلى أن هذه القناة قد تنشط لتمهيد أرضية لعقد "زواج مصالح" مؤقت بين الطرفين، يقوم على تبادل المنافع وتحييد التصعيد، دون الحاجة للإعلان العلني عن صفقة سياسية شاملة.
وهو ما باتت طهران تبشّر به، حفاظاً على كرامة إيران الوطنية، وصوناً لسمعتها أمام ما تبقى من وكلائها.
زواج متعة... لا شراكة استراتيجية
لكن هذا التفاهم – حتى لو تم – لا يشبه الشراكات طويلة الأمد، بل هو أشبه بـ"زواج متعة" سياسي، تقتنص فيه واشنطن مكاسب كبيرة وصفقات سريعة، في حين تنال طهران ما هو أقل: محاولة تثبيت نفسها كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه، والوصول إلى شيء من نشوة النصر في لحظة تعقيد إقليمي غير مسبوق، كانت فيه طهران هي الخاسر الأكبر.
بينما تنشغل الولايات المتحدة بإدارة أزمات متعددة، تعيد إيران تدوير نفسها كراعية لـ"الفوضى الخلاقة"
فبينما تنشغل الولايات المتحدة بإدارة أزمات متعددة، تعيد إيران تدوير نفسها كراعية لـ"الفوضى الخلاقة"، بل كمهندسة لها في مرحلة فاصلة – كما كانت سابقاً – حين تمكنت من خلط الأوراق، وإثارة الفوضى، في محاولة لكسب الوقت لعسكرة برنامجها النووي، وتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها الغرب منذ سنوات. لكن هذا ما لن يُسمح به مجدداً.
وهنا يبرز تساؤل وجودي:
هل تنجح طهران في بيع نفسها مجدداً للغرب كلاعب "ملتزم" رغم سلوكها المقلق؟
وهل تتكرر تجربة 2015، ولكن بصيغة أكثر براغماتية وانفصالاً عن الواقع السياسي المُعلن، الذي تحاول طهران الترويج له كزعيمة مقاومة أكل عليها الدهر وشرب؟
فإلى أين تتجه اللعبة؟
السيناريوهات أمام هذه الديناميكية المعقدة متعددة:
سيناريو الصفقة المؤقتة:
بموجبه يتم تبريد بعض الملفات الإقليمية مقابل تخفيف الضغوط الغربية، مع بقاء البرنامج النووي في "المنطقة الرمادية"، وتجريد طهران من عناصر قوتها النووية، مثل: اليورانيوم المخصب بنسب عالية، وأجهزة الطرد المركزي من طراز IR-6 وIR-9، وتحديد مديات صواريخها، وضمانات بعدم نقلها أو تصديرها – إضافة إلى المسيّرات – إلى روسيا أو الوكلاء والأذرع، مع ابتزاز اقتصادي أمريكي موازٍ.
سيناريو التصعيد الموجَّه:
تشتعل بعض الساحات كأدوات تفاوض، دون الوصول إلى مواجهة شاملة – وهو ما لا تستطيع طهران تحمّل عواقبه.
سيناريو تجريد إيران وإعادة تأهيلها:
تحاول طهران تسويق نفسها كحاجز أمام الفوضى، لا صانعة لها، مقابل تنازلات غير مسبوقة، تتضمن التراجع عن جميع الإجراءات التي اتخذتها بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، وتفكيك برامجها النوويّة والصاروخية والفضائية، وكذلك شبكاتها الإقليمية.
في كل الأحوال، تبدو إيران اليوم أقل مهارة في اللعب بين الخطوط، وأقل جرأة في تجاوزها… ويبقى السؤال:
هل تنجح هذه المرة أيضاً في خداع الجميع، أم أن الحسابات قد تغيّرت بين واشنطن التي تفكّر في "عقد زواج متعة" جديد بشروط تحقق لترامب نشوته السياسية،
وتمنحه لحظة استحمام نرجسية أكثر "متعة" مما سبق، بعد أن سارع بإصدار أمر تنفيذي ينظّم تدفّق المياه من عنق الدش؟!
عن صفحة الكاتب الشخصية في فيسبوك