ضربة مالية جديدة لتنظيم الإخوان المسلمين.. الدلالات والتوقيت

ضربة مالية جديدة لتنظيم الإخوان المسلمين.. الدلالات والتوقيت


18/01/2021

في خطوة مهمّة على طريق تجفيف منابع الإرهاب، قضت محكمة الأمور المستعجلة في مصر بقبول الدعوى المقامة من رئيس لجنة التحفظ على أموال تنظيم "الإخوان المسلمين"، الذي صنفته مصر منظمة إرهابية عام 2013، وذلك بتحويل أرصدة 89 من قيادات التنظيم وعناصره إلى خزينة الدولة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تبعية لتركيا وهزيمة انتخابية بالمغرب وتغلغل من بوابة المناهج بالسودان

يُذكر أنّ مصر، عقب حكم محكمة الأمور المستعجلة الصادر في 22 أيلول (سبتمبر) 2013 باعتبار جماعة الإخوان إرهابية، قامت بتكوين لجنة التحفظ على الأموال نهاية عام 2013، وبالفعل تحفظت اللجنة على عدد من شركات الإخوان التي كانت تموّل بعض العمليات الإرهابية، لكنّ التنفيذ عابه بعض القصور، فقد تمكّن محامو الإخوان من التلاعب بالقرار، فكان من يصدر ضده قرار التحفظ يتظلم أوّلاً أمام اللجنة، ثمّ يلجأ إلى محكمة القضاء الإداري التي تواترت أحكامها بإلغاء قرارات التحفظ، باعتبارها صادرة دون مسوّغ قضائي، وباعتبار أنّ اللجنة إدارية وليست قضائية، وأيدت الإدارية العليا بعض هذه الأحكام، ولم تنفذ اللجنة أيّاً منها.

وبعد صدور قانون الكيانات الإرهابية أعيدت صياغة قرارات التحفظ الصادرة من اللجنة ضد أكثر من 1538 شخصاً بتهمة تمويل الجماعة على مدى الأعوام الماضية، ثم تمّ إقرار القانون 22 لعام 2018 الذي فرض واقعاً جديداً لقضايا التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين والمتهمين بتمويلها وغيرها من أموال الجماعات الإرهابية والمتهمين بارتكاب أعمال تخريبية، ينقل جميع المنازعات المتعلقة بتلك القضايا إلى محكمة الأمور المستعجلة لأول مرّة، دون منح أي دور أو سلطة لمجلس الدولة أو محكمة الجنايات أو محكمة النقض، ثمّ أعيدت صياغة تشكيل لجنة حصر وإدارة الأموال في صورة قرارين من محكمة الجنايات أيضاً العام الماضي، لتستمرّ اللجنة برئاسة رئيسها الحالي المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، الذي أقام دعوى بصفته أمام محكمة الأمور المستعجلة، يطالب فيها بتمكين اللجنة من التصرف في أموال بعض قيادات "الإخوان" ونقلها إلى الخزينة العامة.

فاروق: رغم أنّ القرار هو حكم قضائي، إلا أنّ له دلالات سياسية مهمّة؛ منها أنه قطع الحوار حول إمكانية قيام مصر بعقد مصالحة مع الإخوان

وشملت الدعوى قائمة بـ89 قيادياً من تنظيم الإخوان، أبرزهم ورثة الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي، ومرشد الجماعة محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، وصفوت حجازي ومحمد البلتاجي ومحسن راضي وأسعد الشيخة، ومفتي الجماعة عبد الرحمن البر، وأيمن هدهد.

وحول أهمية هذه الخطوة في طريق تجفيف أموال الجماعة، يثمّن الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو فاروق، هذا الإجراء القانوني، ففي تصريح له لـ"حفريات" قال: "رغم أنّ القرار هو حكم قضائي، إلا أنّ له دلالات سياسية مهمّة؛ منها أنه قطع الحوار حول إمكانية قيام الدولة المصرية بعقد مصالحة مع الإخوان، ومنها التأكيد على اختيارات الدولة لمسار المواجهة مع تنظيم الإخوان باعتباره تنظيماً إرهابياً، وهي رسالة قوية لقيادات الجماعة سواء بالداخل أو بالخارج، مفادها أنه لا مجال للمساومة على دماء المصريين، وأنّ كلّ من أراق دماً لا بدّ أن يُحاسب يوماً ما".

وأضاف فاروق: إنّ هذه الخطوة سيكون لها آثار على قدرات الجماعة التنظيمية، فالإخوان يؤمنون بأنّ المال عصب الدعوات، وقد أدركوا هذا على مدار تجربتهم الممتدة لـ 8 عقود، وأيقنوا أنّ بقاء الجماعة مرهون ببقاء التمويل، لذا صنعوا إمبراطوريتهم المالية لتكون ظهيراً لهم في النكبات، وسنداً لهم عند عودتهم إلى الشارع العربي والإسلامي مرّة أخرى، اليوم بهذا القرار تكون الدولة المصرية قد اتخذت خطوة كبيرة جدّاً نحو عدم السماح لهم بالعودة، وكذلك تجفيف منابع العمليات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مناورات في اليمن وارتباك في غزة وتمدد تركي في بنغلاديش

وحول ما إذا كانت هذه الخطوة جاءت صدى لاعترافات نائب المرشد محمود عزت  والمسؤول المالي الأهم بالجماعة، أكد فاروق أنّ هذا القرار ليس له علاقة باعترافات عزت، وإن كانت اعترافاته في غاية الأهمية،  فقد كشف الكثير من الشبكة المالية للإخوان، إلا أنّ هذه القضية مختلفة، فقد أقيمت عام 2018 وتمّ تأجيلها أكثر من مرّة، وهي مجرّد حكم درجة أولى، ومن المتوقع أن يطعن محامو الإخوان بالحكم، وفي حال حكمت محكمة النقض برفض الطعن وتأكيد الحكم، فسيتم تحويل الأموال المصادرة إلى خزينة الدولة، وتصبح مالاً عامّاً.

اقرأ أيضاً: الإخوان" والعمل السري: آخر العمليات الفاشلة للنظام الخاص

ويرى فاروق أنّ الدولة بهذا الحكم ستُحارب المال السياسي الإخواني المنتشر في المجتمع المصري، الذي له شبكات مالية مركّبة ومعقدة، وأوضح أنّ لجنة التحفظ على أموال الجماعة في مصر كشفت إخفاء قيادات بالإخوان سجلات بعض الكيانات الاقتصادية من شركات ومدارس ومستشفيات وجمعيات ومؤسسات ذات أنشطة اقتصادية مختلفة، عبر نقل ملكيتها إلى أشخاص آخرين من رجال الأعمال، بشرط أن يمتلك تنظيم الإخوان النصيب الأكبر من أسهمها، وحصولهم على نسبة كبيرة من الأرباح، لتمويل أنشطتهم.

وأكد فاروق أنّ هذا هو موقف الدولة الرسمي، وكلّ من تظهر لديه أموال لا يمكن إثبات مصدرها سيتمّ التعامل معه وفق القانون ومصادرة أمواله، وخاصة المناوئين للدولة والداعين لهدمها، مضيفاً أنه ما زال أمام الدولة الكثير من المهام لتتمكن من تجفيف منابع تمويل العميات الإرهابية، كما يرى أنه من المبكر جداً اعتبار الحكم القضائي سبباً في كتابة نهاية الإخوان، مؤكداً أنّ المواجهة الفكرية مع التنظيم لم تبدأ بعد، وهي التي من الممكن أن تكتب نهاية الإخوان الفعلية.  

اقرأ أيضاً: القصة الكاملة لتفريخ الإخوان للتنظيمات الإرهابية في آسيا

وحول الموضوع نفسه، يرى الكاتب والباحث هشام النجار أنّ خطوة الحكم بمصادرة أموال الإخوان ضربة معنوية أكثر منها مادية، ففي تصريح لـ"حفريات" قال: "تأتي أهمية هذه الخطوة للتأكيد على مسار الدولة في مواجهة الإخوان، وذلك عبر الأحكام القضائية، وهو ما يميز الحكومة المصرية الحالية، فلا قوانين استثنائية ولا أحكام عرفية في معركة المواجهة مع تنظيم جماعة الإخوان، بل السلطة القضائية هي التي تحدّد أسلوب التعامل مع الجماعة المصنفة إرهابية، مؤكداً أنّ أموال المجموعة الـ89 هي في الأصل كانت تحت التحفظ من قبل لجنة حصر أموال الإخوان المشكّلة في 2013، ويؤكد النجار أنّ الحكم القضائي جاء ليقطع الطريق على وسطاء الإخوان الذين يشيعون أنّ ثمّة مصالحة مع الدولة المصرية، فبعد المصالحة العربية القطرية نشط الإخوان وتصوّروا أنه من الممكن أن يكونوا على قائمة المطالب للمصالحة العربية، فأعلنوا عن مبادئ 6 لقبول التصالح مع الدولة المصرية.

النجار: الواقع السياسي الداخلي المصري لم يعد يقبل الإخوان كقوة فاعلة، سواء أكان ذلك اجتماعياً أم سياسياً أم دعوياً

وأضاف النجار: إنّ الإخوان عقدوا رهاناتهم على تغير الواقع السياسي العالمي مع عودة الديمقراطيين وتفكيك الرباعي العربي وفرض المصالحة العربية القطرية، وأنّ القوى العالمية ستكون بحاجة إلى خدماتهم في مشاريعهم الأممية المستقبلية، وهذا الرهان الخاسر يدلّ على ضعف القراءة السياسية لدى تنظيم الإخوان، الذي اعتاد أن يكون أداة في يد قوى أجنبية لتنفيذ مخططاتها، فالواقع السياسي الداخلي المصري لم يعد يقبل الإخوان كقوة فاعلة، سواء أكان ذلك اجتماعياً أم سياسياً أم دعوياً، وبالتالي تصوّرهم بإمكانية إعادة تدوير الجماعة في المجتمع المصري مع المتغيرات الدولية هو ضرب من الخيال، وأحسب أنّ حكم المحكمة الأخير بمصادرة أموال الإخوان، وعلى رأسهم المرشد العام للجماعة وورثة الرئيس المعزول محمد مرسي وشركات وأموال خيرت الشاطر، هي رسالة شديدة وقوية أنه لا مجال لعودة الإخوان إلى الواقع السياسي.

وحول ما إذا كان الحكم سيمنع من تمويل الجماعة مستقبلاً، أكّد النجار أنّ الجماعة لا تتوقف عن إيجاد البديل لتمويلها، فالجماعة كالأخطبوط كلما قطعنا له ذراعاً وجدنا له ألف ذراع أخرى، فكلما قطعت الدولة مصدراً للتمويل، ابتكر التنظيم مصادر أخرى. ويرى النجار أنّ سبب نجاحهم في ابتكار وسائل جديدة للتمويل هو تواصلهم مع أجهزة مخابرات دولية تساندهم وتدعمهم، نظراً لحاجة هذه الدول لجهود الجماعة التخريبي، فما زال مشروع العثمانيين الجدد قائماً، ويحتاج لقدرات الإخوان في الترويج له، وكذلك مشروع الفوضى الخلاقة الذي يتبنّاه الديمقراطيون الجدد ما زال يرتكز على وجود الإخوان في المنطقة، ولا ننسى علاقة الإخوان القديمة المتجددة مع المخابرات البريطانية، كل هذه القوى تساعد الإخوان في إيجاد بدائل للتمويل.

اقرأ أيضاً: السودان: ماذا كشفت تحقيقات ملف الإخوان وأموال الأوقاف؟

ويختتم النجار تصريحه مؤكداً أنّ خيارات الدولة المصرية في مواجهة الإخوان "جاءت بعد خبرات طويلة مع تنظيم أخطبوطي وأفعواني، ومواجهته أمنياً هي الخطوة الأولى، فجماعة الإخوان تتمركز حول التنظيم، وكلّ محاولة لإضعاف التنظيم، سواء بإلقاء القبض على العناصر الفاعلة فيه أو تجفيف الأموال التي تحيي التنظيم، هي خطوة سليمة وصحيحة على طريق مواجهة الإرهاب".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: قلق في تركيا وتحذيرات أوروبية من استخدام الملف الحقوقي

يُذكر أنّ هذا الحكم القضائي جاء بعد أحكام قضائية نهائية وباتة ضدّ قيادات التنظيم الإرهابي أثبتت تورطهم في أعمال إرهابية، ومن ثمّ أصبح من حقّ لجنة مصادرة الأموال إقامة دعوى لمصادرة أموال قيادات الإخوان بقوّة القانون، والتي تشمل 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعاً إلكترونياً، وقناة فضائية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية